الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أمة ساعدت ابن ذي يزن على طرد طائفة كانت تسعى في قسم من بلاد العرب فساداً؟! وهذا المؤلف -وهو غير شاعر- قد فضل العقلية الغربية على عقلية قومه، ومن فضلت عقليته على آخر، فقد فضلته، أو كدت تفضله عليه في كل شيء، إذن، ينتظر من الجيل القابل أن يذهب إلى أن كتاب "في الشعر الجاهلي" ليس من الدكتور طه حسين في شيء، وإنما أنطقه به بعض المستشرقين.
والبيت الأول من الأبيات المأخوذة من كتاب "الشعر والشعراء" وقع في ذلك الكتاب محرّفاً، ونقله أستاذ آداب العرب في الجامعة على تحريفه هكذا:
"لن يطلب الوتر أمثال ابن ذي يزن"
وصوابه:
"ليطلب الوتر أمثال ابن ذي يزن"
كما ورد في "تاريخ ابن جرير"، و "سيرة ابن هشام"، و"كتاب الأغاني"، وهو المناسب لمقام التهنئة والمديح، وورد في كتاب الأغاني (1) برواية أخرى لا تناقض هذا المعنى، وهي:
"لا يطلب الثأر إلا كابن ذي يزن"
*
أبيات إسماعيل بن يسار:
قال المؤلف في (ص 112): "ومن الخير أن نروي أبياتاً قالها إسماعيل ابن يسار في الفخر بالفرس، فسترى بينها وبين الشعر الذي يضاف إلى أبي الصلت ما يحمل على شيء من الشك والريبة. قال:
(1)(ج 6 ص 75).
إني وجدّك ما عودي بذي خور
…
عند الحفاظ ولاحوضي بمهدوم
وسرد الأبيات الثمانية الواردة في الجزء الرابع (1) من كتاب "الأغاني".
تقرأ الأبيات المعزّوة إلى أبي الصلت، وأبيات إسماعيل بن يسار، فتجد الشبه بينهما في شطرين: أحدهما: قول أبي الصلت:
"من مثل كسرى وسابور الجنود له"
وقول ابن يسار:
"من مثل كسرى وسابور الجنود معا"
والمشابهة على هذا النحو قد تقع بين الشعرين اللذين يختلف قائلهما، ويسمونه: سرقة، أو استعانة، أو يجعلونه من قبيل توارد الخواطر، متى علم أن أحد الشاعرين لم يطلع على ما نظم الآخر، وليس من اللائق أن يجعل مثل هذا سبباً لإعطاء الشعر المتقدم إلى صاحب الشعر المتأخر.
وشطر أبي الصلت جاء كذلك في رواية المؤلف، أما رواية ابن قتيبة في "الشعر والشعراء"، فهي:"من مثل كسرى وباذان (2) الجنود له".
ورواية ابن جرير في "تاريخه": "من مثل كسرى شاهنشاه الملوك له".
وقد سرد ابن هشام في "السيرة" أبيات أبي الصلت، ولم يأت فيها بهذا البيت جملة، وقال: هذا ما صح له مما روى ابن إسحاق منها. ولم يجئ هذا البيت أيضاً في رواية "الأغاني"، وهو على تسليم ثبوته لا يملك من القوة أن يخرج القصيدة من شعر أبي الصلت، ويدخلها في حساب إسماعيل بن يسار.
(1)(ص 125).
(2)
آخر من قدم اليمن من ولاة العجم.
أما (ثاني الشطرين)، فهو قول أبي الصلت:
"بيضاً جحاجحة غرّاً مرازبة"
وقول ابن يسار:
"جحاجحٌ سادة بلج مرازبة"
وقد عرفت أن تشابه القصيدتين في شطر أو شطرين أو أكثر لا يدل على أنهما بنتا قريحة واحدة، وإنما هو الاختلاس، أو الاسترفاد، أو توافق الخواطر، ولو كان اتفاق الشعرين في شطر أو بيت يجيز إضافة السابق إلى ناظم الشعر التالي، لكانت إضافة أبيات أبي الصلت إلى النابغة أولى؛ فإن آخر بيت فيها وهو:
تلك المكارم لا قعبان من لبنٍ
…
شيبا بماءٍ فعادت بعد أبوالا
مروي في شعر يُعزى إلى النابغة، وقد أراد ابن هشام نفيه من شعر أمية، وإلحاقه بالنابغة، فقال: إلا آخرها بيتاً، فإنه للنابغة في قصيدة له. وقضى به صاحب "الأغاني"(1) لأبي الصلت، وقال: إنما أدخله النابغة في قصيدة له على جهة التضمين.
ولم يكن بعد هذين الشطرين وجه شبه بين أبيات أبي الصلت وأبيات ابن يسار سوى أن كلا الشعرين مصنوع في بحر الطويل، ومشتمل على شيء من مدح الفرس، ومراعى فيه مقاييس اللغة، وهذه أحوال عامة لا ييلغ التماثل فيها أن ترد به الرواية، وينقل به الشعر من أبي الصلت إلى إسماعيل ابن يسار.
(1)(ج 16 ص 71).