الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأسلافهم من الجاهليين، وأبوا إلا أن يكون لهم شعر كشعر غيرهم من الوثنيين، وأبوا إلا أن يكون لهم مسجد وسؤدد كما كان لغيرهم مسجد وسؤدد أيضاً، فانتحلوا كما انتحل غيرهم، ونظموا شعراً أضافوه إلى السموأل بن عادياء، وإلى عدي بن زيد، ولغيرهم من شعراء اليهود والنصارى".
قسم المؤلف الشعر الجاهلي كما يشاء، فالشعر المعزوّ إلى الوثنيين انتحله المسلمون، والشعر المعزوّ إلى من كانوا على دين اليهودية انتحله اليهود، والشعر المعزوّ إلى من كانوا يتقلدون النصرانية انتحله النصارى! يقول هذا في هيئة من كان حاضراً مع اليهود، أو مع النصارى حين انتحلوا لشعرائهم، وجاءك توًا يحدثك بما صنعوا! ومن العجب: أن داعية مذهب الشك يتيقن حيث لا يجد الناس إلى اليقين منفذاً!.
هل ذكر المؤلف الطريقال في عرف به أن اليهود هم الذين وضعوا الشعر المعزوّ إلى السموأل وغيره من اليهود، وأن النصارى هم الذين وضعوا الشعر المعزوّ إلى عديّ بن زيد وغيره من النصارى؟ وهل لديه من دليل على ما يقول سوى أن أولئك وهؤلاء يشتركون في اليهودية أو النصرانية؟.
وإذا كان المسلمون نحلوا الشعر للوثنيين عصبية للقبيلة، فلماذا لم يكن الناحل لمن كان يهودياً أو نصرانياً أحد ذريته، أو أبناء قبيلته من المسلمين؟ ولعل المؤلف ألقى شعر السموأل على اليهود، وشعر عديّ على النصارى؛ مخافة أن يغضبوا إذا هو لم يضرب لهم في هذا الانتحال بسهم.
*
شعر عديّ بن زيد:
قال المؤلف في (ص 88): "ورواه القدماء أنفسهم يحسون شيئاً من هذا، فهم يجدون فيما ينسب إلى عديّ بن زيد من الشعر سهولة وليناً لا يلائمان
العصر الجاهلي، فيحاولون تعليل ذلك بالإقليم، والاتصال بالفرس، واصطناع الحياة الحضرية التي كان يصطنعها أهل الحيرة".
نظر القدماء في شعر عديّ بن زيد، ووجدوا فيه سهولة، وعللوا هذه السهولة بوجه معقول، ونقدوه من حيث نسبته إلى عديّ، فعرفوا أن فيه مصنوعاً كثيراً، ونبهوا في كتبهم على هذا كله، قال ابن سلام في "طبقات الشعراء":"وعديّ بن زيد كان يسكن الحيرة ومراكز الريف، فلان لسانه، وسهل منطقه، فحمل عليه بشيء كثير، وتخليصه شديد، واضطرب فيه خلف، وخلط فيه المفضل فأكثر، وله أربع قصائد روائع، وله بعدهن شعر حسن". وذكروا في مميزات شعره أن فيه ألفاظاً ليست بنجدية، قال المرزباني في "كتاب الموشح":"إن الذي قعد بعديّ بن زيد عن شأو الشعراء ألفاظه الحيرية، وأنها ليست بنجدية. وعن المفضل؛ قال: كانت الوفود تفد على الملوك بالحيرة فكان عدفي بن زيد يسمع لغاتهم، فيدخلها في شعره". وروى صاحب "الموشح" عن الأصمعي: أنه قال: "عديّ بن زيد، وأبو دؤاد الإيادي لا تروي العرب أشعارهما؛ لأن ألفاظهما ليست بنجدية". وقال صاحب "الأغاني": لا تروي الرواة شعرهما؛ لمخالفتهما مذاهب الشعراء.
فالقدماء نقدوا شعر عديّ بن زيد من هذه الوجوه التي رأيتم، وإنما انفرد عنهم المؤلف بشيء لم يصلوا إليه، على الرغم من كونهم أقرب إلى عهد الانتحال منه، وهو أنه نسب ما حمل على عديّ من الشعر إلى النصارى، وليس له من شاهد سوى الرغبة في أن يضرب للشعر المنحول تحت تأثير عاطفة الدين مثلاً.