الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وما يقبل من ناحية هذه الحجج إنما يأخذ من النفوس مأخذ المقطوع بصحته، ولا يستطيع العلم والمنطق لمخالفته طلباً. أما ما جاء من طريق الرواية، فذلك منتهى ما وصلت إليه أيدي الرواة، فما لاحت فيه أمارة الوضع، طرحوه، وما لم يروا في نقده وجهاً يقتضي إنكاره، دوّنوه وتناقلوه. وللمؤلف أن يبحث فيما سكتوا عنه، وينقده بطريق علمي غير هذه الآراء التي جمع شملها بعد شتات، وغير هذه الكليات المرمية عن غير بحث واستقراء.
وقد تحدث قبله جرجي زيدان عن مثل عاد وثمود، فقال في كتاب "العرب قبل الإِسلام" (1):"وأكثر مبالغات العرب في القبائل البائدة، حتى سبق إلى أذهان المحققين من غير المسلمين أنها موضوعة، ولولا ورود بعضها في القرآن والحديث، لقال المسلمون ذلك أيضاً. على أن ورود أسمائها وبعض أخبارها في كتب اليونان وغيرهم أثبت وجودها، وجاءت الاكتشافات الأثرية بما يؤيد ذلك، مع إظهار المبالغة في روايات العرب".
*
تبع وحمير وسيل العرم:
قال المؤلف في (ص 104): "وكل ما يروى عن تبع وحمير، وشعراء اليمن في العصور القديمة، وأخبار الكهان، وما يتصل بسيل العرم، وتفرق العرب بعده، موضوع لا أصل له".
أما تبع، فقد قال ابن خلدون:"وفي أنساب التبابعة تخليط واختلاف، لا يصح منها ومن أخبارها إلا القليل"(2). وتكلم جرجي زيدان في تاريخ
(1)(ص 9).
(2)
(ج 2 ص 44).
تبع وحمير، ثم قال:"وأكثره مبالغ فيه، وبعضه أقرب إلى الخرافات منه إلى الحقائق"(1).
هذا كلام القدماء والمحدثين في تبع وحمير، وقد فضلهم المؤلف بصوغ العبارة في قالب الكلية؛ كأنه كان على مسمع ومرأى من تلك العصور القديمة، ثم بعث اليوم من مرقده، وعرف أن كل ما يروى عن تبع وحمير لا يوافق شيئاً مما كان يَسمع وَيرى!.
وأما سيل العرم، فقد ذكره الله تعالى في القرآن، وقد شاهد الهمداني في أوائل القرن الرابع للهجرة أنقاض سد العرم، "وكان يقرأ المسند ويفهمه، فوصف تلك الأنقاض مع تطبيقها على قول القرآن، وهذان القولان أصدق ما جاء عن خبر هذا السد، وأكثر مطابقة لما وجده النقابون الذين اكتشفوا آثار ذلك الخزان في القرن الماضي"(2).
ولو اعتاد المؤلف البحث عن الحقائق بإخلاص، لتحامى أن يحكم عن تاريخ أمة بأن جميعه موضوع لا أصل له، وأنت إذا نثلت كنانته، لم تجد عنده من شبهة سوى ظهور الوضع في بعضه، أو في كثير منه.
* * *
(1)"العرب قبل الإِسلام"(107).
(2)
"العرب قبل الإِسلام"(ص 51).