الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بني ساعدة طرحوا مسألة الخلافة على بساط الشورى، فاختلف المؤتمرون: أين تكون الخلافة؟ ولمن تكون؟ واشتدت رغبة سعد بن عبادة في أن يتقلد الإمارة على الأنصار، ولما احتدم الجدال، بسط عمر بن الخطاب يده، وبايع أبا بكر، فتتابع الحاضرون من المهاجرين والأنصار على مبايعته، ولم يتخلف عنها سوى سعد بن عبادة، ثم عقد اجتماع عام في المسجد، فتوارد الناس على مبايعته، وتوانى عنها علي بن أبي طالب حينًا، ثم أقبل وبايع ووفَّى.
والرواية تصرح بن الأوس جنحوا إلى ولاية أبي بكر، وتتابعُ الخزرج على مبايعته دليل على أنهم لا يجدون في صدصورهم حرجاً من خلافته، ويروى أن أول من قام من الأنصار وبايع أبا بكر خزرجي يقال له: بشير بن سعد، وهو أبو النعمان بن بشير. فالظاهر أن عمر لم يمد يده إلى المبايعة إلا بعد أن تراءى له أن أكثر الآراء متوجهة إلى اختيار أبي بكر، وسمى مبايعته: فلتة؛ لأنه بادر إليها قبل أن تخرج تلك الآراء في صراحة على ما هو المعهود في نظام الشورى، وعذره في هذه المبادرة: أن بعض الأنصار أسرف في الجدل، وهمّ بما لا تحمد عقباه.
فخلافة أبي بكر لم تعقد بمبايعة عمر، بل تقررت بآراء الأغلبية الساحقة، ولم تقع تحت تأثير جند يتحفز، أو سلاح يشهر، أو مال يبذل، وإذا فرض أن في المهاجرين أو الأنصار من بايعوا متابعة للكثرة السائدة، أو حذراً من سخطها، فمثل هذا لا يخرج خلافة أبي بكر عن أن تكون قائمة على رضا الأمة.
*
مقتل سعد بن عبادة الأنصاري:
قال المؤلف في (ص 52): "وظهر أن الأمر قد استقر بين الفريقين،
وأنهم قد أجمعوا على ذلك، لا يخالفهم فيه إلا سعد بن عبادة الأنصاري الذي أبى أن يبايع أبا بكر، وأن يبايع عمر، وأن يصلي بصلاة المسلمين، وأن يحج بحجهم، وظل يمثل المعارضة قوي الشكيمة ماضي العزيمة، حتى قتل غيلة في بعض أسفاره".
قلنا لكم: إن المؤلف متى وقع نظره على رواية تمس سياسة العرب بعد الإسلام، ضرب منهج (ديكارت) برجله، وكان أجرى إليها من الماء في صبب.
يقول المؤلف: إن سعد بن عبادة قتل غيلة في بعض أسفاره، وسيقول في (ص 71): إن السياسة قتلته، ويشير إلى أن الباعث على قتله عدم إذعانه بالخلافة لقريش.
لم يذكر المؤرخون؛ كابن جرير، وابن الأثير، وابن خلدون، ولا الحفّاظ الكاتبون في التعريف بأحوال الصحابة؛ كابن حجر، وابن عبد البر، والذهبي، وجمال الدين المزي رواية أن سعد بن عبادة قتل غيلة بيد السياسة، وإنما تجدها في مثل "شرح ابن أبي الحديد لنهج البلاغة" حين قال:"ويقول قوم: إن أمير الشام كمّن له من رماه ليلاً إلى الصحراء، فقتله؛ لخروجه عن طاعة الإمام". وابن أبي الحديد على مذهب الشيعة، والأقرب أن تكون هذه الرواية شيئاً يزعمه بعض غلاتهم.
ونحن لا نشك في هذه الرواية، ونبحثها بقلب خال من كل ما قيل في موت سعد بن عبادة.
لم ترد هذه الرواية في الكتب المبسوطة في التاريخ، أو في التعريف بأحوال الصحابة، وهذا أمارة على أنها لم تدخل في دائرة العلم التي جاس