الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
نتيجة البحث:
ختم المؤلف كتابه بملاحظتين: الأولى: أن هذا الدرس الذي قدمه ينتهي له إلى نتيجة إلا تكن تاريخية صحيحة، فهي فرض يحسن الوقوف عنده، والاجتهاد في تحقيقه.
وقال في (ص 180) شارحاً هذه النتيجة: "وهي أن أقدم الشعراء فيما كانت تزعم العرب، وفيما كان يزعم الرواة، إنما هم يمنيون، أو ربعيون، وسواء أكانوا من أولئك، أو من هؤلاء، فما يروى من أخبارهم يدل على أن قبائلهم كانت تعيش في نجد والعراق والجزيرة؛ أي: في هذه البلاد التي تتصل بالفرس اتصالاً ظاهراً، أو التي كان يهاجر إليها العرب من عدنان وقحطان على السواء.
وإذاً، فنحن نرجح أن هذه الحركات التي دفعت أهل اليمن من ناحية، وأهل الحجاز من ناحية أخرى إلى العراق والجزيرة ونجد، في عصور مختلفة، ولكنها لا تكاد تتجاوز القرن الرابع للمسيح، قد أحدثت نهضة عقلية وأدبية، لما كان من اختلاط هذين الجنسين العربيين فيما بينهما، ومن اتصالهم بالفرس. ومن هذه النهضة نشأ الشعر، أو قل إذا كنت تريد التحقيق: ظهر الشعر، وقوي، وأصبح فناً أدبياً. وقد ذهب هذا الشعر، ولم يبق منه شيء إلا الذكرى، ولكن لم يكد يأتي القرن السادس للمسيح، حتى تجاوزت هذه النهضة أقطار العراق والجزيرة ونجد، وتغلغلت في أعماق البلاد العربية نحو الحجاز، فمسّت أهله. ومن هنا ظهر الشعر في مضر ومن إليهم من أهل البلاد العربية الشمالية. فالشعر كما ترى يمني قوي حين اتصلت القحطانية بربيعة، ولكنا لم نعرفه، ولم نصل إليه إلا حين تغلغل في البلاد العربية، وأخذته مضر عن ربيعة".
تتلخص هذه النتيجة في ست جمل:
1 -
أقدم الشعراء يمنيون أو ربعيون.
2 -
قبائل هؤلاء الشعراء كانت تعيش في نجد والعراق والجزيرة.
3 -
اتصال القحطانية بربيعة أحدث نهضة أدبية.
4 -
هذه النهضة تجاوزت العراق والجزيرة ونجداً، وتغلغلت نحو الحجاز.
5 -
الشعر الناتج من اتصال القحطانية بربيعة ذهب، ولم تبق منه إلا الذكرى.
6 -
الشعر يمنيّ قوي حين اتصلت اليمانية بربيعة.
أما الجملة الأولى، فلا ندري ما هو الطريق الذي دخلت منه إلى هذه النتيجة! والذي نعرفه من هذا الكتاب: أن المؤلف لا يرى لأسماء هذه القبائل قيمة، وينكر أو يشك في قيمة الأنساب التي تصل بين الشعراء، وأسماء هذه القبائل، فقد قال فيما سلف:"لا نعرف ما ربيعة وما قيس وما تميم معرفة علمية صحيحة، أي: لأننا ننكر، أو نشك على أقل تقدير شكاً قوياً في قيمة هذه الأسماء التي تسمّى بها القبائل، وفي قيمة الأنساب التي تصل بين الشعراء، وبين أسماء هذه القبائل، ونعتقد أو نرجح أن هذا كله أقرب إلى الأساطير منه إلى العلم اليقين"(1).
وإذا كان المؤلف لا يعرف ربيعة، وينكر أو يشك في قيمة هذا الاسم، وفي أنساب من يعزون إليها من الشعراء، فكيف يدخل في نتيجة بحثه شيئاً
(1) كتاب "في الشعر الجاهلي"(ص 31).
ينكره أو يشك فيه؟! ولعل المؤلف كان على ذكر من هذا الذي نحكيه عنه، فاحتاط لنفسه، وأضاف هذه النظرية، وهو أن أقدم الشعراء يمنيون، أو ربعيون إلى زعم العرب أو الرواة، ولكن هذا الاحتياط لا يبرئه من تبعة إدخال المزعوم في نتيجة يدعي أن الدرس المتقدم قد انتهى به إليها.
وأما الجملة الثانية، وهي أن قبائلهم كانت تعيش في نجد والعراق والجزيرة، فهو الموافق للرواية، ولا ندري ماذا يفعل المؤلف في امرئ القيس، فقد رجّح أنه وجد حقاً، وأنه كان شاعراً يمنياً، وأبى للرواة أن يكون قد نشأ في نجد، وامرؤ القيس يمني، عدّه العرب أو الرواة في أقدم الشعراء، وما يروى من أخباره يدل على أن أسرته كانت تعيش في نجد، فما الذي يمنع المؤلف من الاعتراف بأن أسرته من هذه القحطانية التي هاجرت إلى نجد، واتصلت بربيعة؟.
وأما الجملة الثالثة، وهي أن اتصال القحطانية بربيعة أحدث نهضة أدبية، فمحتمل، غير أن قبوله يتوقف على إثبات أن القحطانية سبقوا ربيعة إلى نظم الشعر.
وأما الجملة الرابعة، وهي أن هذه النهضة تجاوزت نجداً والعراق والجزيرة، وتغلغلت نحو الحجاز، ففيها شيء من ريح ما يقوله الرواة من أن الشعر كان في ربيعة، وانتقل إلى قيس، ثم تحول إلى تميم، "ولكن من ريحه ليس غير".
وأما الجملة الخامسة، وهي أن الشعر الناتج عن النهضة القحطانية الربعية قد ذهب، ولم تبق منه إلا الذكرى، فمردودة على عقبها؛ بأن الرواية المستفيضة على ألسنة الثقات وغيرهم تتلو علينا منظومات في هذه اللغة