الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباطلة، فإنما هو الطعن بمكيدة، والله لا يهدي كيد الخائنين.
ولا بأس بأن يكون القرآن موافقاً للتوراة والإنجيل في بعض الشراع أو الأنباء، بل تكون هذه الموافقة حجّة على صدق الدعوة، وعلى أن هذه الأحكام أو القصص من بقايا الوحي الذي نزل على موسى وعيسى عليهما السلام، وإنما يخل بصحة الكتاب أن يشرع أحكاماً وسنناً لا ترضى العقول الراجحة عن حكمتها، أو يأتي بقصة تردها الطرق العلمية من حس أو عقل، أو رواية قاطعة، والقرآن بريء من مخالفة الطرق العلمية، ومن كل وجه يخلّ بالحكمة، إلا في نظر من يرى أن السعادة في الخلاعة، وأن راحة الضمائر في الجحود بمبدع الخليقة.
*
قصة النهي عن رواية شعر أمية بن أبي الصلت:
ذكر المؤلف: أنه يقف من شعر أمية وقفته من شعر الجاهليين جميعاً، وأنه يشك في صحة شعره؛ كما شك في صحة شعر امرئ القيس، والأعشى، وزهير، ولم يكن لهم من النبي موقف أمية.
ثم قال في (صحيفة 84): "ثم إن هذا الموقف يحفلني على أن أرتاب في شعر أمية بن أبي الصلت؛ فقد وقف أمية من النبي موقف الخصومة، هجا أصحابه، وأيد مخالفيه، ورثى أهل بدر من المشركين. وإن كان هذا وحده يكفي لينهى عن رواية شعره، وليضيع هذا الشعر كما ضاعت الكثرة المطلقة من الشعر الوثني الذي هُجي فيه النبي وأصحابه".
لا يكتفي المؤلف بالبحث عن الروايات الشاذة والموضوعة، فيحشرها في هذا الكتاب، حتى يضيف إليها استنباطات لا تجيء من ناحية التعقل، ولا يكتفي بهذه الاستنباطات حتى يضع بجانبها روايات لم تشتمل عليها
صحيفة، وقد رأيتم كيف قال لكم في الحديث عن واقعة الحرّة: إنه قتل فيها ثمانون من أهل بدر. وآخرُ من مات من أهل بدر سعد بن أبي وقاص (1)، وقد توفي قبل وقعة الحرّة لإجماع، لم يكتف المؤلف بهذه الجنايات العلمية، فحاول أن يستنبط شيئاً في النهي عن رواية شعر أمية؛ ليثبت أن هذا الشعر المعزّو إلى أمية ليس منه في شيء، يقول هذا، وفي "الجامع الصحيح" للإمام مسلم: عن عمرو بن الشريد عن أبيه، قال: ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً، فقال:"هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء؟ " قلت: نعم. قال: "هيه". فأنشدته بيتاً. فقال: "هيه"، حتى أنشدته مئة بيت.
فهذا الحديث الصحيح يدل على أن النبي - صلوات الله عليه - سمع شعر أمية، واستحسنه، واستزاد المنشد منه حتى بلغ مئة بيت، ولم يرد أثر في النهي عن رواية شعره إلا ما يوجد في مثل كتاب "الأغاني" من أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن رواية القصيدة التي رثى بها أمية قتلى قريش في وقعة بدر. ولو صحّ هذا الأثر، لكان النهي مقصوراً على هذه القصيدة، أو يأخذ معها ما فيه هجاء النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، أما أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره قد نهى عن رواية شعر أمية بإطلاق، فمن أحاديث المؤلف التي لا يشهد بها واقع، ولا يقتضيها معقول. على أنا نجد هذه القصيدة -التي يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن روايتها- واردة في بعض كتب السير والمغازي، وقد رواها ابن هشام في نحو ثلاثين بيتاً، وقال:"تركنا منها بيتين نال فيهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم"(2).
(1)"فتح الباري" للحافظ ابن حجر (ج 7 ص 222).
(2)
"السيرة"(ج 2 ص 64).