الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولم يقلبوا وجوههم في سيرته، فليس من شأنهم الاكتفاء بخبر القرآن، ولا أن يدلهم ورود اسم شخص فيه على وجوده التاريخي، فلم يكن لهذه الكلمة المستعارة من "ذيل مقالة في الإسلام" وجه يشفع لورودها في هذا النسق، فإن المسلمين حقاً يزدرونها، وغير المسلمين لا ينتفعون بها، ولا نرى لها من شأن غير إغواء النفوس التي لم تبلغ في إدراك الحقائق أشدها.
قصة إسماعيل وإبراهيم كانت تدور بين العرب أيام جاهليتهم، ثم ساقها القرآن على وجه محكم، وبيان ساطع، ومن حاول الجهر بإنكار ما تتداول نقله أمة، ويقرره كتاب تدين بصدقه أمم، كان حقاً عليه أن يسلك مسلك ناقدي التاريخ، فيبين للناس كيف كان نبأ الواقعة مخالفاً للمعقول أو المحسوس، أو التاريخ الثابت الصحيح، ولكن المؤلف لم يسلك في إنكار هذه القصة طريقة نقد التاريخ، فيحدثنا لماذا لم يسعها عقله، أو كيف وقع حسه على ما يبطلها، أو من أين سمع أن مؤرخاً قبل صاحب "ذيل مقالة في الإسلام" قال ما يناقضها؟! إذن لم يكن مع المؤلف سوى عاطفة غير إسلامية تزوجت تقليداً لا يرى، فحملت بهذا البحث، وولدته على غير مثال.
*
قصة إسماعيل عليه السلام
-:
قال المؤلف في (ص 26): "ونحن مضطرون إلى أن نرى في هذه القصة نوعاً من الحيلة في إثبات الصلة بين اليهود والعرب من جهة، وبين الإسلام واليهودية والقرآن والتوراة من جهة أخرى، وأقدم عصر يمكن أن تكون قد نشأت فيه هذه الفكرة إنما هو هذا العصر الذي أخذ اليهود يستوطنون فيه شمال البلاد العربية، ويبثون فيه المستعمرات".
قلنا لكم: إن يد المؤلف تجول في بعض كتب شرقية، فيقطف منها ما يلائم ذوقه، ويضعه في كتابه على أنه وليد فكره، ونتيجة بحثه، وهذا البحث مما تعلق فيه المؤلف بذيل "مقالة في الإسلام"، وإليك ما قال صاحب الذيل (1):"وحقيقة الأمر في قصة إسماعيل: أنها دسيسة لفقتها قدماء اليهود للعرب تزلفًا إليهم، وتذرعًا منهم إلى دفع الروم عن بيت المقدس، أو إلى تأسيس مملكة جديدة في بلاد العرب يلجؤون إليها، فقالوا لهم: نحن وأنتم إخوة، وذرية أبي واحد".
لم يأخذ المؤلف في البحث مأخذ ذي أناة، ينظر إلى ما عنده من أدلة أو أمارات، أو شبه مثيرة للشك، ويفصل العبارة على مقداره، فصاحب "الذيل" يقول: وحقيقة الأمر في قصة إسماعيل أنها دسيسة لفقتها قدماء اليهود، والمؤلف يقول: ونحن مضطرون إلى أن نرى في هذه القصة نوعاً من الحيلة، وأنت إذا قرأت ما كتبه، وفحصته الكلمة بعد الأخرى، لم تجد لديه ما يساعده على دعوى أنه مضطر إلى الاعتقاد بأن في القصة نوعاً من الحيلة، فهذه القصة تعرّض لها القرآن، وكان لها ذكر عند العرب قبل نزوله، فالذي يسهل عليه الحكم بكونها دسيسة أو حيلة، ويدعي الاضطرار إلى أن يراها حيلة، هو الذي يجد في التاريخ الموثوق بصحته ما يصرح بأن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام لم يهاجرا إلى مكة، أو يصرح بأن العرب لم يكونوا ذرية إسماعيل عليه السلام، أو يجد في سياق القصة ما يخالف حساً أو عقلاً، أو سنّة من سنن الله في الخليقة، وكل ذلك لم يكن، وغاية ما فعل المؤلف: أنه اجتذب أصل البحث من كتاب "الذيل"،
(1)(ص 8).