المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الشعر القحطاني والعدناني: - موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين - جـ ٨

[محمد الخضر حسين]

فهرس الكتاب

- ‌(14)«نَقْضُ كِتَابِ فِي الشِّعْرِ الجَاهِلي»

- ‌المقدمة

- ‌مقدّمَة الإمام محمّد الخضر حسين

- ‌محمّد الخضر حسين

- ‌الكِتابُ الأَوَّلُ

- ‌تَمهيد

- ‌ قيمة البحث العلمي:

- ‌ إعجاب المؤلف ببحثه:

- ‌ الحجة وصدق اللهجة:

- ‌ وجوه البحث الأدبي:

- ‌ البحث في علم المتقدمين:

- ‌ البحث العلمي بين مذهبي المناقشة والنقد:

- ‌ دراسة الشعر الجاهلي:

- ‌ التوسع في البحث وحريته:

- ‌ لباب الأدب وموضوعه:

- ‌ باب البحث الأدبي ما يزال مفتوحاً:

- ‌ اللذة في اعتناق الحكمة:

- ‌ الشك .. خفته وشدته:

- ‌ مسألة الشعر الجاهلي:

- ‌ عناية القدماء بشؤون العرب:

- ‌ الثورات الفكرية:

- ‌ تغيير التاريخ:

- ‌ الطعن والغمز:

- ‌ الدعاية إلى غير سبيل المؤمنين:

- ‌ نظرية الشك في الشعر الجاهلي:

- ‌ توارد طه حسين ومرغليوث:

- ‌ ما بقي من الشعر الجاهلي:

- ‌ مس شعور الأمة المسلمة:

- ‌ إنكاره شعر امرئ القيس:

- ‌ جواب على سؤال:

- ‌ اليهودية والمسيحية في بلاد العرب:

- ‌ البحث الفني اللغوي:

- ‌ الاستشهاد بالشعر على تفسير القرآن:

- ‌ عدم رسوخ المؤلف في أصول اللغة:

- ‌منهج البحث

- ‌ الخروج عن الأدب والطعن في الإسلام:

- ‌ منهج ديكارت:

- ‌ تجرد الباحث من كل علم سابق:

- ‌ حرية البحث والاستقصاء في الأدب العربي القديم:

- ‌ نسيان القومية والدين:

- ‌ محاباة وإرضاء العواطف المضادة للدين:

- ‌ العلم لا يعترض حقائق الدين:

- ‌ التعصب للحقيقة:

- ‌ دراسة القدماء من المسلمين للعلوم:

- ‌ المتعصبون على الإسلام:

- ‌ التفريق بين العقل والقلب:

- ‌ لا تثريب على القدماء:

- ‌ الغض من العرب والنعي على الإسلام:

- ‌ الدين والعلم:

- ‌ عثرة في طريق العقائد:

- ‌ لا تصلح لمنهج ديكارت إلا البصيرة النافذة:

- ‌ منهج ديكارت لا يحمي المؤلف من المناقشة:

- ‌مرآة الحياة الجاهلية في القرآن لا في الشعر الجاهلي

- ‌ دراسة الحياة الجاهلية:

- ‌ القرآن لم يات مؤرخاً ولا مادحاً:

- ‌ شعراء عصر النبوة:

- ‌ الحياة الجاهلية في الشعر الأموي:

- ‌ الشماخ عاصر النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يجادله

- ‌ نظرية: أن القرآن أصدق مرآة لحياة الجاهلية:

- ‌ القرآن ليس جديداً كله على العرب:

- ‌ حديث القرآن عن الديانات:

- ‌ القرآن برهان هداية وسعادة:

- ‌ الهجوم على الإسلام تحت ستار البحث العلمي:

- ‌ القرآن تحدث عن العرب وغيرهم:

- ‌ الشعر الديني في الحياة الجاهلية:

- ‌ دلالة القرآن على العرب:

- ‌ الجاهليون المجادلون:

- ‌ منزلة الشعر الجاهلي:

- ‌ طبقة المستنيرين وطبقة العامة:

- ‌ ليس في القرآن ما يخالف العلم الصحيح:

- ‌ العرب في عهد النبوة:

- ‌ العرب قبل الإسلام:

- ‌ الشعر الإسلامي أرقى من الشعر الجاهلي:

- ‌ اتصال العرب بالروم والفرس:

- ‌ رحلة الشتاء والصيف:

- ‌ عجز المؤلف:

- ‌ المؤلف وعد وأخلف:

- ‌الشعر الجاهلي واللغة

- ‌ تعرّف اللغة الجاهلية:

- ‌ القحطانية والعدنانية:

- ‌ أول من تكلم بالعربية

- ‌ اللغة القحطانية واللغة العدنانية:

- ‌ أطوار اللغة العربية:

- ‌ اتصال نسب العدنانية بإسماعيل عليه السلام

- ‌ ورود اسم في القرآن دليل على وجوده التاريخي:

- ‌ قصة إسماعيل عليه السلام

- ‌ الحروب بين العرب واليهود:

- ‌ الإسلام بريء من هذا السخف والهزل:

- ‌ مكانة مكة في قلوب العرب:

- ‌ احترام العرب لمكة يتصل بعهد إسماعيل وإبراهيم:

- ‌ هل حاولت قريش توجيه وحدة سياسية

- ‌ البحث عن أصل تاريخي قديم:

- ‌ مقابلة الحجة باللغو:

- ‌ أمر الطعن في هذه القصة:

- ‌ الاختلاف بين اللغة العدنانية والقحطانية:

- ‌ العاربة والمستعربة:

- ‌ الشعر القحطاني والعدناني:

- ‌ للشعر لغة غير لغة الكلام:

- ‌الشعر الجاهلي واللهجات

- ‌ إنكار القبائل والأنساب:

- ‌ اختلاف لغات العرب العدنانية:

- ‌ العزلة العربية:

- ‌ لغة أدبية منذ عهد الجاهلية:

- ‌ اللهجة المتماثلة والأوزان المتشابهة في المطولات:

- ‌ أثر اختلاف القبائل في الشعر:

- ‌ تعدد القراءات في القرآن واختلافها:

- ‌ أثر اختلاف اللهجات في الشعر:

- ‌ أوزان الشعر التي دوَّنها الخليل:

- ‌ لهجات العرب والأوزان الشعرية:

- ‌ القرآن لم يفرض على العرب لغة واحدة:

- ‌ لغة قريش ولهجتها في البلاد العربية:

- ‌ الاستشهاد بالشعر الجاهلي في القرآن والحديث:

- ‌ شواهد ابن عباس رضي الله عنه

- ‌ قصتا البنات السبع:

- ‌ ختام الكتاب الأول:

- ‌الكتاب الثانيأسباب انتحال الشعر

- ‌ليس الانتحال مقصوراً على العرب

- ‌ الاطلاع على تاريخ الأمم القديمة:

- ‌ مقارنة بين الأمم الثلاث: العربية، واليونانية، والرومانية:

- ‌ تكرار الشكوى من أنصار القديم:

- ‌ منهج ديكارت، ومنهج ابن خلدون:

- ‌ العبقرية لا وطن لها:

- ‌ المستقبل للحقائق والحجج:

- ‌السياسة وانتحال الشعر

- ‌ العرب لم يستطيعوا الخلوص من الدين:

- ‌ ظهور العرب على العالم بالإسلام:

- ‌ الدين والسياسة عند العرب:

- ‌ الإسلام عقيدة وشريعة ونظام:

- ‌ مكافحة الهجَّائين بسلاحهم:

- ‌ إسلام أبي سفيان:

- ‌ الخلافة حقيقة شرعية:

- ‌ خلافة أبي بكر قائمة على رضا الأمة:

- ‌ مقتل سعد بن عبادة الأنصاري:

- ‌ المقيمون من قريش والأنصار:

- ‌ إنشاد حسان للشعر في المسجد النبوي:

- ‌ سيرة عمر بن الخطاب متجلية:

- ‌ كتابة الأنصار لأشعارهم:

- ‌ حديث عن العصبيات:

- ‌ العصبية في عهد معاوية ويزيد:

- ‌ تشبيب عبد الرحمن برملة:

- ‌ يزيد بن معاوية:

- ‌ وقعة الحرَّة:

- ‌ أمانة صاحب "الأغاني

- ‌ قصيدة حسان في مدح الزبير:

- ‌ قصيدة النعمان بن بشير:

- ‌ ميل الأنصار إلى علي وتأييده:

- ‌ تهاجي ابن حسان وابن الحكم:

- ‌ عقوبة الشاعرين جزاء تهاجيهما:

- ‌ العصبية في بني أمية:

- ‌ رواية الشعر الجاهلي:

- ‌ قريش وانتحال الشعر:

- ‌ رواية ابن إسحق:

- ‌ القدماء ونقد الشعر:

- ‌ أثر السياسة في اصطناع الشعر الجاهلي:

- ‌ الشك في صحة الشعر الجاهلي:

- ‌الدين وانتحال الشعر

- ‌ شياطين الشعراء:

- ‌ وجود الجن حقيقة:

- ‌ حديث القرآن عن الجن:

- ‌ أشعار الجن

- ‌ النبي صلى الله عليه وسلم مكتوب في التوراة والإنجيل:

- ‌ محمد صلى الله عليه وسلم صفوة الإنسانية:

- ‌ انتحال البطون القرشية للأخبار والأشعار:

- ‌ قصة أبي بكر بن عبد الرحمن:

- ‌ الشعر المنسوب لآدم عليه السلام

- ‌ الاستشهاد على القرآن بالشعر:

- ‌ من يحق له أن يفسر القرآن

- ‌ المعتزلة والشعر الجاهلي:

- ‌ رواية الجاحظ للشعر:

- ‌ دين الإسلام هو ملة إبراهيم عليه السلام

- ‌ معنى الحنيفية:

- ‌ توحيد الله وإفراده بالعبادة:

- ‌ الإِسلام لم يجدد دين إبراهيم عليه السلام

- ‌ المعاني الدينية في الشعر الجاهلي:

- ‌ شعر أمية بن أبي الصلت:

- ‌ شبهة أن للقرآن مصادر من اليهودية والنصرانية:

- ‌ قصة النهي عن رواية شعر أمية بن أبي الصلت:

- ‌ انتحال شعر أمية بن أبي الصلت:

- ‌ الإِسلام والسيف والجزية:

- ‌ الإِسلام إصلاح لكل مزاج منحرف:

- ‌ تقسيم الشعر الجاهلي:

- ‌ شعر عديّ بن زيد:

- ‌ انتحال ولد السموأل للشعر:

- ‌القصص وانتحال الشعر

- ‌ العناية بدرس فن القصص:

- ‌ القرآن يهدي للتي هي أقوم:

- ‌ نظرة علماء العربية إلى الأدب:

- ‌ وضع الأحاديث:

- ‌ الشركة القصصية:

- ‌ الشعر في "سيرة ابن هشام

- ‌ الأمة العربية ليست كلها شاعرة:

- ‌ شعر الإمام علي:

- ‌ الشعر المنسوب إلى قائل غير معروف:

- ‌ الشعر الصادر عن العرب:

- ‌ إنكار رواية ابن إسحاق للشعر:

- ‌ مقدرة القدماء على النقد:

- ‌ قصة الزبّاء:

- ‌ أخبار العرب وآدابهم:

- ‌ حرب البسوس:

- ‌ عاد وثمود:

- ‌ تبع وحمير وسيل العرم:

- ‌الشعوبية وانتحال الشعر

- ‌ قصة إسماعيل بن يسار:

- ‌ شعر الأعشى، وعدي بن زيد:

- ‌ أبيات أبي الصلت بن ربيعة:

- ‌ أبيات إسماعيل بن يسار:

- ‌ واقعة ذي قار:

- ‌ علماء اللغة والأدب والكلام والفلسفة:

- ‌ أبو عبيدة معمر بن المثنى:

- ‌ علماء الموالي والإِسلام:

- ‌ الشعوبية والزندقة:

- ‌ خير العلم ما حمل عن أهله:

- ‌ انفراد الجاحظ بالرواية:

- ‌الرواة وانتحال الشعر

- ‌ رواة الأدب:

- ‌ حديث الأربعاء:

- ‌ حمّاد الراوية، وخلف الأحمر:

- ‌ القدماء من الزنادقة وإخوانهم في هذا العصر:

- ‌ رواية المفضل الضبّي:

- ‌ قصيدة الحطيئة في مدح أبي موسى:

- ‌ قصة حمّاد مع المهدي:

- ‌ خلف ووالبة بن الحباب:

- ‌ الراوية أبو عمرو الشيباني:

- ‌ إيجار الراوية نفسه للقبائل:

- ‌ الراوية أبو عمرو بن العلاء:

- ‌ الأصمعي واصطناع الشعر:

- ‌ معانقة الكذب للزندقة:

- ‌ فصحاء الأعراب:

- ‌ قصة داود وأبي عبيدة:

- ‌ انتحال الشعر وتلفيقه في حياة المسلمين:

- ‌ نقد الرواية والرواة:

- ‌الكتاب الثالثالشعر والشعراء

- ‌قصص وتاريخ

- ‌ السخط على الرأي:

- ‌ نية الانحراف عن الأدب:

- ‌ القابض على الماء:

- ‌ عناية العرب برواية الشعر وإنشاده:

- ‌ كلحم خنزير ميت، حرام في حرام:

- ‌ نوبة أنصار القديم وأنصار الجديد:

- ‌ حديث قيس بن الملوّح:

- ‌ الطيب والخبيث في كتب الأدب:

- ‌ أداة حاكية، وكتب ومقالات متحركة:

- ‌ الملكات الناقدة:

- ‌ نقد خرافات في أفواه العجائز:

- ‌ قوة الحافظة عند القدماء والمعاصرين:

- ‌ عقول المحدثين والقدماء:

- ‌امرؤ القيس

- ‌ قبيلة امرئ القيس:

- ‌ ترجمة امرئ القيس:

- ‌ امرؤ القيس وعبد الرحمن بن الأشعث:

- ‌ شعر امرئ القيس:

- ‌ قصيدة امرئ القيس في السموأل:

- ‌ قصيدة الأعشى في شريح بن السموأل:

- ‌ قصة ذهاب امرئ القيس إلى القسطنطينية:

- ‌ امرؤ القيس: يمنيّ الأصل، نجدي المولد والنشأة:

- ‌ شعر امرئ القيس في أخواله:

- ‌ معلقة امرئ القيس:

- ‌ اختلاف الرواة في ألفاظ القصيدة:

- ‌ أبيات لامرئ القيس:

- ‌ تقسيم القصيدة إلى ثلاثة أقسام:

- ‌ الحديث عن القسم الثاني من القصيدة:

- ‌ الحديث عن القسم الثالث من القصيدة:

- ‌ امرؤ القيس و (هوميروس):

- ‌ امرؤ القيس وعلقمة:

- ‌علقمة

- ‌ معاصرة امرئ القيس لعلقمة:

- ‌عبيد

- ‌ عبيد بن الأبرص:

- ‌ قول ابن سلام في شعر عبيد:

- ‌ قصيدة عبيد:

- ‌ الكيد للحقيقة والتاريخ:

- ‌ قصيدتان لعلقمة:

- ‌عمرو بن قميئة

- ‌ عمرو بن قميئة، مهلهل، جليلة:

- ‌ قصة ابن قميئة وقصيدته في عمه:

- ‌ أبيات لابن قميئة:

- ‌ العودة لقصة حرب البسوس:

- ‌مهلهل

- ‌ المتقدمون من الشعراء:

- ‌جليلة

- ‌عمرو بن كلثوم

- ‌ قصيدة عمرو بن كلثوم:

- ‌ قصة قتل عمرو بن كلثوم لعمرو بن هند:

- ‌ اختلاف الرواة في أبيات من قصيدة ابن كلثوم:

- ‌ ألا لا يجهلن أحد علينا:

- ‌ كيف كان شعراء ربيعة يتحدثون

- ‌الحارث بن حلزة

- ‌ الأقواء في بيت لابن حلّزة:

- ‌ المقايسة بين قصيدتين:

- ‌طرفة بن العبد

- ‌ مطلع قصيدة طرفة:

- ‌ سهولة الألفاظ وغرابتها في الشعر الجاهلي:

- ‌ أبيات طرفة في وصف الناقة:

- ‌ الحديث عن اللهو واللذة والإلحاد:

- ‌ نقد الرواة لشعر طرفة:

- ‌المتلمّس

- ‌ المتلمس أحد شعراء بني ضبيعة:

- ‌نتيجة البحث

- ‌ طريقة المؤلف في درس الشعر الجاهلي:

- ‌ نتيجة البحث:

- ‌ شعر مضر واليمن وربيعة:

- ‌ هدم الآراء الحائرة والأقوال الخادعة:

- ‌ سبيل أهل العلم في الشعر الجاهلي:

- ‌ نفي الشعر الجاهلي لا يمس القرآن بسوء:

- ‌ عربية القرآن حكم مسمّط:

- ‌ عناية المسلمين بالشعر:

- ‌ إننا أمة بحث ونظر:

- ‌تر‌‌اجم الأعلام

- ‌ا

- ‌ ب

- ‌ت

- ‌ث

- ‌ج

- ‌ح

- ‌خ

- ‌د

- ‌ ذ

- ‌ر

- ‌ز

- ‌ س

- ‌ص

- ‌ ش

- ‌ط

- ‌ ض

- ‌ع

- ‌ف

- ‌ق

- ‌ل

- ‌ ك

- ‌م

- ‌ ن

- ‌و

- ‌ ه

- ‌ي

الفصل: ‌ الشعر القحطاني والعدناني:

*‌

‌ العاربة والمستعربة:

قال المؤلف في (ع 29): "وإن قصة العاربة والمستعربة، وتعلم إسماعيل العربية من جرهم، كل ذلك حديث أساطير، لا خطر له، ولا غناء فيه".

من الأمة العربية أقوام يدور حديثهم في الجزيزة، ويتناقل المؤرخون أثراً من أخبارهم؛ كعاد وثمود وطسم وجديس وجرهم، ولم يبق على وجه الجزيرة من ينتمي إلى هذه القبائل، وقد ذكر القرآن بعضها. كعاد وثمود، وقال في شأنهما:{وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى} [النجم: 50 - 51].

وهؤلاء يسمونهم: البائدة؛ لعدم بقاء جماعة معروفة تنتمي إليهم في البلاد العربية.

ويمتد بجنوب الجزيرة قبائل يقال لها: القحطانية، وبشمالها قبائل أخرى يقال لها: العدنانية، ووجدوا في كل من هاتين الأمتين رجالاً لهم عناية بأنساب القبائل، فأخذوا عنهم ما يذكرونه في أصل بني قحطان، وسمّوهم: المتعربة، وتلقوا منهم: أن هذه القبائل العدنانية تتصل بإسماعيل، فسمّوهم: المستعربة، وما تأيد من هذه الأخبار بقرآن، أو بحث حديث يستند إلى محسوس، حل منا محل العلم، وما كان حظه النقل عن أولئك الرواة فقط، نافاه حس أو عقل، أو سنة كونية، رددناه على ناقله خاسئاً، وإن لم يناف شيئاً من هذه الأصول، قصصناه عالمين بمبلغه من الظن، ودوّناه إلى أن نظفر بما نضعه في محله من أنباء هي أرجح منه وأقوى.

*‌

‌ الشعر القحطاني والعدناني:

قال المؤلف في (ص 29): "والنتيجة لهذا البحث كله تردنا إلى الموضوع

ص: 118

الذي ابتدأنا به منذ حين، وهو أن هذا الشعر الذي يسمونه: الجاهلي لا يمثل اللغة الجاهلية، ولا يمكن أن يكون صحيحاً؛ ذلك لأننا نجد بين هؤلاء الشعراء الذين يضيفون إليهم شيئاً كثيراً من الشعر الجاهلي قوماً ينتسبون إلى عرب اليمن، إلى هذه القحطانية العاربة التي كانت تتكلم لغة غير لغة القرآن، والتي كان يقول عنها أبو عمرو بن العلاء: إن لغتها مخالفة للغة العرب، والتي أثبت البحث الحديث أن لها لغة أخرى غير لغة العربية".

قد عرفت أن المؤلف نحا بعبارة أبي عمرو بن العلاء نحواً من التحريف؛ ليجد فيها من الشاهد لرأيه ما لا يجده حين يوردها على وجهها. وقلنا لك مرة، بل مرتين: إن أبا عمرو لا يريد إلا أن بينها وبين العدنانية اختلافاً، وذلك ما لا ينكره قديم أو جديد، ولم يقل: إن لغة اليمن مخالفة للغة العربية، بل سمى لغتهم عربية، وقال: وما عربيتهم بعربيتنا. وخضنا فيما يدل عليه البحث الحديث، وانتهينا إلى أنه لا يعترض الاعتقاد بأن فوارق اللغة القحطانية كانت حوالي القرن الأول قبل الإسلام خفيفة إلى حد أن قبلت الخروج في زيّ العدنانية بعده بسهولة.

هذا شأن الاختلاف بين اللغتين، أما تشابه الشعر القحطاني والعدناني، فله سبيل غير هذا السبيل، والرأي الذي يوافق إجماع الروايات، ويؤيده النظر، ولا يعترضه البحث الحديث: أن الشعراء في جنوب الجزيرة وشمالها أصبحوا من قبْل الإسلام ينظمون الشعر بلهجة واحدة، أو متقاربة، وإليك البيان:

من الواضح الذي تستحي أن تعزوه إلى كتاب، أو تقيم عليه شاهداً: أن لغة قريش كانت أفصح لغات العرب قاطبة، وسبب هذا التفوق: موقع

ص: 119

سوق عكاظ وذي المجاز ومجنّة من ديارهم؛ إذ كانت القبائل تفد عليها في موسم الحج، وتتخذ فيها معرضًا لمصنوعات القرائح، ونوادي للتفاخر بالأحساب والأنساب، أو التقاذف بالوعيد والهجاء، وهذا ما يضع لغات العرب بين يدي قريش، فتلقط منها ما يستخفه السمع، ويتسوغه الذوق، ومن المعقول أن تكون هذه المحافل الأدبية أفادت لغة قريش، وزادتها فصاحة على فصاحتها، وتقدمت بها على سائر لغات العرب شوطًا بعيداً.

وإذا قامت في قلب الجزيرة لغة قبضت على أعنة الفصاحة، وكان للناطقين بها مظهر من مظاهر السؤدد، فمن سنّة تقليد الأفضل والأجود أن تنزل القبائل إلى محاكاة لهجة قريش، ونسج الكلام على منوالها، وأول من يسبق إلى هذا الشأن ذوو الفكر المنتج، والخيال الواسع، والمعاني الغزيرة، وهم الخطباء والشعراء.

فتقارب الشعراء في اللهجة جاء من جهة محاكاتهم بالشعر أفصح لهجة وأشهرها بين القبائل، وهي لغة قريش. قال أبو إسحاق الشاطبي في "شرح الخلاصة" (1):"فإن الحجازي قد يتكلم بغير لغته، وغيره يتكلم بلغته، وإذا جاز للحجازي أن يتكلم باللغة التميمية، جاز للتميمي أن يتكلم باللغة الحجازية، بل التميمي بذلك أولى". ومما قال في توجيه هذه الأولوية: "أن الحجازي أفصح، وانقياد غير الأفصح لموافقة الأفصح أكثر وقوعًا من العكس".

فرغبة الشعراء في أن يكون لشعرهم جولة في البلاد العربية بأسرها، ووجود لهجة تشهد القبائل موطنها، وتألفها أسماعهم، وترتاح لها نفوسهم،

(1) حكاه البغدادي في "خزانة الأدب"(ج 2 ص 134).

ص: 120

مما يحمل هؤلاء البلغاء على أن يحتذوا في شعرهم حذو هذه اللهجة الفائقة المألوفة.

فإذا قرأنا هذه المطولات، ورأينا فيها مطولة لشاعر كندي، ومطولات لشعراء من ربيعة، ولم نشعر فيها بشيء يشبه أن يكون اختلافاً في اللهجة، أو تباعدًا في اللغة، فالسبب ما لوحنا إليه من أن الاختلاف في أصله يسير، وأن هناك ما يسوق الشعراء إلى أن يتحروا بالشعر أفصح اللهجات، وأكثرها وقعًا على الأسماع.

ونحن نعلم أن قبائل اعتنقت الإسلام، وفيها بقية من حضارة، وعلم بالكتابة، فلا يصح أن يبلى شعرها الذي قيل في عهد جاهليتها، فلا بد أن ترث منه نصيباً مفروضًا، وأن يبقى في يدها ولو الشعر الذي قرب عهده، ولم يتوغل في الجاهلية أكثر من مئة سنة، ومن هؤلاء الذين تقلدوا الإسلام، ويجب أن يكونوا عارفين بلهجة شعرائهم، من شهدوا يوم أصبحت العرب أمة واحدة، وحين بدأت القبائل تراجع مآثر شعرائها، ومفاخر أحسابها.

ولا يخلو هؤلاء اليمانون العارفون بلهجة شعرائهم إما أنهم اشتركوا في هذا السباق، وقدموا للناس أشعار سلفهم بلهجتها الأولى، ولو فعلوا ذلك، لرأينا له في التاريخ أثراً، أو يحدثنا عنه التاريخ، وإن لم يرو لنا منه قافية، كما حدثنا عن أسد بن ناعصة المشبب بخنساء، وقال: إنه "كان صعب الشعر جداً، وقلما يروي شعره لصعوبته (1) "، وإما أن يكونوا قد طرحوا ما بأيديهم من الشعر القديم، ودخلوا السباق بشعر صاغوه في لهجة قريش، وعزوه إلى شعرائهم الأقدمين، ومن البعيد جداً أن يعدموا في هذا

(1)"التهذيب" للأزهري، مادة (نعص).

ص: 121