الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حيث تقيم بعض القبائل الأخرى؛ كقيس، أو تميم. ولكن المفسرين بحثوا في طريق الرواية، فعرفوا أن رحلتهم الشتائية كانت إلى اليمن، ورحلتهم الصيفية كانت إلى الشام. إذاً لم يفهم المؤلف من القرآن أن لقريش اتصالًا اقتصاديًا بالروم والحبشة أو الفرس، وإنما تلقنه من المفسرين أو المؤرخين.
ثم إن الآية وردت على قدر الحكمة التي استدعت ورودها، ودارسو الشعر الجاهلي يعرفون ما دلت عليه الآية بتفصيل، إذ يجدون في هذا الشعر وما يتصل به من الأخبار أن هاشمًا وعبد شمس والمطلب ونوفلاً كانوا يسمون: المتجرين، فهاشم كان يؤالف ملك الشام، فأمن به في تجارته إلى الشام، وعبد شمس كان يؤالف إلى الحبشة، والمطلب كان يرحل إلى اليمن، ونوفل كان يرحل إلى فارس، وفي هؤلاء الإخوة يقول شاعرهم:
يا أيها الرجل المحوّل رحله
…
هلّا نزلت بآل عبد منافِ
الآخذون العهد من آفاقها
…
والراحلون لرحلة الإيلاف
فإن عاد المؤلف وقال: إني لا أثق بهذا الشعر، ولا بما يتصل به من خبر، قلنا له: لا تخلط قولاً بآخر، فإنك تقول عليهم في هذا الموضع: إنهم يتصورون العرب في عزلة وانقطاع؛ لأن الشعر الجاهلي يمثلهم كذلك، فأريناك أن ما بين أيديهم من الشعر يضع في نفوسهم الصورة التي ترميهم بجهلها، أما كون الطريق الذي جاءت هذه الصورة من ناحيته صحيحاً أو خرباً، فذلك ما لم يخطر له ذكر في هذا المقام.
*
عجز المؤلف:
قال المؤلف في (ص 22): "وسيرة النبي تحدثنا أن العرب تجاوزوا بوغاز باب المندب إلى بلاد الحبشة، ألم يهاجر المهاجرون الأولون إلى هذه
البلاد؟ وهذه السيرة نفسها تحدثنا بأنهم تجاوزوا الحيرة إلى بلاد الفرس، وبأنهم تجاوزوا الشام وفلسطين إلى مصر، فلم يكونوا إذن معتزلين، ولم يكونوا إذن بنجوة من تأثير الفرس والروم، والحبش والهند، وغيرهم من الأمم المجاورة لهم".
عنوان الفصل الذي يخوض فيه المؤلف: "مرآة الحياة الجاهلية يجب أن تلتمس في القرآن"، وقد ذهب فيه إلى أنه اطلع في القرآن على أن العرب قبل الإسلام كانوا على دين، وكانت فيهم طبقة ذات ثروة وجاه، وذكاء وعلم، أو طبقة كان النبي عليه الصلاة والسلام يجادلهم ويجاهدهم، ثم ادّعى أن الذين يدرسون الحياة العربية في هذا الشعر الجاهلي يعتقدون أن العرب قبل الإسلام كانوا أمة معتزلة عن العالم الخارجي، وادّعى أن القرآن يعطي صورة ستدهشهم، وهي أن العرب كانوا على اتصال قوي بمن حولهم من الأمم، وأورد في بيان مأخذ هذه الصورة آية {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ} [الروم: 1، 2]، وآية {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} [قريش: 1].
فإذا كان موضوع الفصل "مرآة الحياة الجاهلية تلتمس في القرآن"، وكان موضوع البحث الأخير أن القرآن يعطي صورة يدهش لها الذين يعتقدون أن العرب كانت أمة معتزلة، فما وجه الاستدلال بما في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي ليست بقرآن؟ ثم لماذا يذكر في نتيجة البحث: أن العرب لم يكونوا بنجوة من تأثير الهند، ولم يأت ذكر للهند فيما استشهد به من القرآن أو السيرة، أو أقوال المفسرين؟.
عجز المؤلف عن انتزل هذه الصورة المدهشة من القرآن وحده، فأضاف إليها نبذة من السيرة، وأخرى من أقوال المفسرين، ولم يكفه هذا