الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأن علياً لم تكن منزلته في الشعر بالتي تؤهله لأن يقف أمام الشعراء الذين هاموا في كل واد، وذهبوا في صناعة الشعر كل مذهب. وهذا ما نفهمه من مساق القصة نفسها، فإن طلب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يأذن لعلي في أن يقول شعراً، يومئ بطرف غير خفي إلى أن له في نظم الشعر سابقة.
واتفق الرواة على أن للإمام علي شعراً، وإنما يختلفون في مقدار ما ينسب له، فمنهم من يبلغ به إلى ديوإن (1)، ومنهم من يرجع به إلى بيتين، قال المازني: لم يصح أنه تكلم بشيء من الشعر غير هذين البيتين وهما:
تلكم قريش تمناني لتقتلني
…
فلا وربّك ما بروا ولا ظفروا
فإن هلكت فرهن ذمتي لهم
…
بذات ودقين لا يعفو لها أثر
وقال المبرد في "الكامل": ومن شعر علي الذي لا اختلاف فيه:
يا شاهد الله عليَّ فاشهد
…
إني على دين النبي أحمد
من شك في الله فإني مهتد
وهذا النظم وإن كان من الرجز قريب المأخذ، يدل على أن صوغه الكلام في غير الرجز من الأوزان ليس ببعيد.
*
الشعر المنسوب إلى قائل غير معروف:
قال المصنف في (ص 97): "فهذا أضفت إلى ما قدمنا: أنك تجد كثيراً من الشعر يضاف إلى قائل غير معروف، بل غير مسمّى، فتراهم يقولون مرة: قال الشاعر، وأخرى: قال الأول، وثالثة: قال الآخر، ورابعة: قال رجل
(1) يقال: إن هذا الديوان للشريف المرتضى صاحب الدرر والغرر "حسن الصحابة"(ص 102).
من بني فلان، وخامسة: قال أعرابي، وهلم جرّا- نقول: إذا لاحظت هذا كله، عذرت القدماء والمحدثين إذا اعتقدوا أن العرب كلهم شعراء". ثم قال:"وإن أكثر هذا الشعر الذي يضاف إلى غير قائل، أو إلى قائل مجهول، إنما هو شعر مصنوع موضوع انتحل انتحالاً لسبب من هذه الأسباب التي نحن بإزائها، ومنها القصص".
قد يضاف الشعر المصنوع إلى قائل غير معروف، أو غير مسمّى، وقد يظن الذي يقرأ شيئاً من كتب الأدب ترويحاً للخاطر، وتسلية للنفس: أن هذا الشعر غير مصنوع. أما أهل العلم، فإنهم لا يثقون بما يمر على أسماعهم من شعر ينسب إلى قائل غير معروف، أو غير مسمّى، وإنك لتجدهم يأخذون في شرط الاحتجاج بالشعر أن يكون قائله معروفاً بأنه عربي فصيح، فهذا ابن الأنباري يقول في كتاب "الإنصاف":"لا يجوز الاحتجاج بشعر أو نثر لا يعرف قائله؛ مخافة أن يكون ذلك الكلام مصنوعاً، أو لمولَّد، أو لمن لا يوثق بكلامه". وأورد ابن النحاس في "التعليقة" بيتاً استشهد به الكوفيون على جواز إظهار "أن" بعد "كي"، وقال في ردّه: إن هذا البيت لا يعرف قائله. وأورد شطر بيت استشهد به الكوفيون أيضاً على جواز دخول اللام في خبر "لكن"، وقال في ردّه عن هذا البيت: لا يعرف قائله، ولا أوله، ولم يذكر منه إلا هذا، ولم ينشده أحد ممن وثّق في اللغة، ولا عُزي إلى مشهور بالضبط والإتقان. وأورد الفراء شاهداً على خفض ياء المتكلم في نحو كاتبيَّ، فردّه الزجّاج، وقال: ليس يعرف قائل هذا الشعر من العرب، ولا هو مما يحتج به في كتاب الله تعالى. وكثيراً ما يهمل المؤلفون اسم قائل البيت المستشهد به، إما لشهرته، أو لأنه مروي لشاعرين، أو لنسيانه وقت التأليف، مع الوثوق بأنه مسموع من العرب، وكتاب سيبويه مملوء