الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدين وانتحال الشعر
أتى المؤلف في صدر الفصل على أن العواطف والمنافع الدينية، ليست أقل من العواطف والمنافع السياسية أثراً في تكلف الشعر وانتحاله، وإضافته إلى الجاهليين، وزعم أن هذا الانتحال المتأثر بالدين ربما ارتقى إلى أيام الخلفاء الراشدين.
ثم قاد في (ص 69): "ولو أن لدينا من سعة الوقت وفراغ البال ما يحتاج إليه هذا الموضوع، للهونا وألهينا القارئ بنوع من البحث لا يخلو من فائدة علمية أدبية قيمة، وهو أن نضع تاريخًا لهذا الانتحال المتأثر بالدين".
رأيتم المؤلف كيف عقد فصلاً تحت عنوان: "السياسة وانتحال الشعر"، ولم يستطع أن يسوق في ذلك الفصل الطويل شعرًاا نتحل لدل سياسي، وأضيف إلى الجاهليين، وها هو ذا يعقد فصلاً آخر تحت عنوان:"الدين وانتحال الشعر"، ثم لا تجدونه يضرب لكم مثلاً صحيحاً فوق ما عرفتموه من ضروب الشعر التي تحدث عنها الأقدمون.
يقول المؤلف: ربما ارتقى عصر الانتحال المتأثر بالدين إلى أيام الخلفاء الراشدين. ولعل القراء يتيقنون حرص المؤلف على تشويه سمعة العرب لعهد أولئك الخلفاء بوجه خاص، فلا يفوتهم أنه لو لمست يده شعراً انتحل لذلك العهد، لطار به فرحًا، وكتبه كما كتب عنوان الفصل بأحرف ممتازة.
وحشوُه هذا الفصلَ بما تقرؤونه من لهوالحديث، دليل على أنه لو ملك من سعة الوقت وفراغ البال أكثر من هذا الذي يملك، لم يزد على أن يلهو أو يلهي القراء بنوع من البحث لا يخرج عن هذه الدعاية المتصلة بالمعمل الذي خرج منه "ذيل مقالة في الإسلام دا، ثم لا يخلو من تحريف حقائق تاريخية، أو أدبية قيمة.
أنكر المؤلف في (ص 69) كل ما يروى من الشعر الذي قيل في الجاهلية ممهدًا للبعثة النبوية، وكل ما يتصل به من الأخبار، وزعم أنها "تروى لتقنع العامة بأن علماء العرب وكهانهم، وأحبار اليهود ورهبان النصارى كانوا ينتظرون بعثة نبي عربي يخرج من قريش أو من مكة".
كان لحماة حقائق الإسلام في المناظرة موقفان: موقف مع المخالفين، وهؤلاء إنما كانوا يناضلونهم في أصول العقائد، ويحاكمونهم إلى النظر والحجج العقلية البحتة. وموقف مع موافقيهم في الأصول، ومناظرة هؤلاء إنما تكون في ظل تلك الأصول، فتجري المناظرة في نظام، وتنتهي في الغالب بسلام.
وقد خرج في هذا العصر طائفة يقولون بأفواههم: إنهم مسلمون بقلوبهم، جاحدون بعقولهم، فإذا أنكروا رواية، أو فرعًا يتصل بالدين، لا تدري أتحاصرهم تحت ظل الأصول المقررة، أم ترجع بهم إلى النظر الصرف، وتعود بهم إلى البحث في الإيمان بالله وكتبه ورسله؟.
ينكر المؤلف كل ما يروى من الشعر والأخبار الممهدة للبعثة النبوية، وإنكارها على هذا الوجه إنما تسمعه ممن ربط قلبه على نفي النبوة، إذ ليس من المحتمل عنده أن يقال فيها شعر، أو يرد عنها خبر قبل أن يدعيها صاحبها.