الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الملك، فيكلمني من وراء سبعة ستور، وينضح أثري بالماء إذا انصرفت عنه، غير أني لا أرى أحداً يقوم بها مقامي، فأنا محتمل ذلك لكم".
فهذه الرواية تنفي أن يكون الحارث ارتجل القصيدة بين يدي عمرو ابن هند، وليس فيها ما يدل على أن القصيدة مقولة في غير تفكير وأناة.
*
الأقواء في بيت لابن حلّزة:
قال المؤلف في (ص 170): "وليس فيها من مظاهر الارتجال إلا شيء واحد هو هذا الإقواء الذي تجده في قوله:
فملكنا بذلك الناس حتى
…
ملك المنذر بن ماء السماء
فالقافية كلها مرفوعة إلا هذا البيت، ولكن الإقواء كان شيئاً شائعاً حتى عند الشعراء الإسلاميين الذين لم يكونوا يرتجلون في كل وقت".
لم يتفق الرواة على هذا البيت من القصيدة، ولم يأت في النسخة التي كتب عليها التبريزي، ولا النسخة التي كتب عليها أبو عبدالله الزوزني، وإنما هو شيء يرويه الأصمعي عن حرد بن المسمعي، حكى ابن الأنباري في "شرح المعلقات" عن الأصمعي: أنه قال: "أنشدني هذا البيت حرد بن المسمعي، وقال: لا يضرّه إقواؤه، قد أقوى النابغة في قصيدته الدالية، وعاب عليه أهل المدينة، فلم يغيره".
*
المقايسة بين قصيدتين:
قال المؤلف في (ص 171): "نقول: إن قصيدة الحارث أمتن وأرصن من قصيدة ابن كلثوم. وقد نظمتا في عصر واحد، إن صح ما يقول الرواة، فهما مسوقتان إلى عمرو بن هند، فاقرأ هذه الأبيات للحارث، وقارن بينها في اللفظ والمعنى، وبين ما قدمنا لك من شعر عمرو". وساق المؤلف من
القصيدة ثمانية أبيات أولها:
ملك أضرع البرية لا يو
…
جد فيها لما لديه كفاء
ثم قال: "وانظر إلى هذه الأبيات يعيّر فيها الشاعر تغلب بإغارات كانت عليهم لم يتتصفوا لأنفسهم من أصحابها"، وساق تسعة أبيات أولها:
أعلينا جناح كندة أن يغـ
…
ـنم غازيهم ومنّا الجزاءُ
ثم قال: "فأنت ترى أن بين القصيدتين فرقاً عظيماً في جودة اللفظ وقوة المتن وشدة الأسر، على أن هذا لا يغيّر رأينا في القصيدتين، فنحن نرجح أنهما منتحلتان، وكل ما في الأمر أن الذين كانوا ينتحلون كانوا كالشعراء أنفسهم يختلفون قوة وضعفاً وشدة وليناً".
الذي يعمد إلى قصيدتين مما يعزى إلى الجاهلية، ويتحدث في تزويرهما، شأنه لا يدخل في بحث سهولة النظم ومتانته إلا إذا قرر للشعر الجاهلي خطة من هاتين الخطتين، ثم يسقط القصيدتين من ناحية مخالفتهما للخطة المعهودة في شعر الجاهليين، وقد نفى المؤلف قصيدة عن عمرو بن قميئة، وأخرى عن مهلهل، وثالثة عن جليلة، واستعان على هذا النفي بما في هذه القصائد من سهولة ولين، وكنا حسبنا ساعتئذ أن ميزة الشعر الجاهلي في نظره أن يخرج في رصانة ومتانة، وعندما انتقل إلى الحديث عن قصيدة الحارث بن حلزة، وأخذ ينعتها بالرصانة والمتانة، سبق ظنّنا إلى أنه سيكفّ عنها بأسه، ويدعها لصاحبها كما سمحت نفسه بأن ترك قصيدتين:"طحا بك قلب"، و"هل ما علمت" لعلقمة، وما لبثنا أن انقلب على تلك الرصانة والمتانة، وساقها مساق السهولة واللين، وقال: الرصين المتين كالسهل اللين، كلاهما منحول، ليس من الجاهلية في شيء!.
يعطي ويمنع لا بخلاً ولا كرماً
…
وإنما خطرات من وساوسه
وإذا كانت المتانة كاللين لا تحمي الشعر من الرمي بالتزوير، فما هو الداعي إلى المقايسة بين القصيدتين من هذه الناحية؟ لا يبقى لهذه المقايسة وجه سوى أن المؤلف يريد أن يريك شاهداً على أنه ينقد الشعر، ويستطيع أن يميز لينه من خشنه.