الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان يتلوه النبي وعشيرته من قريش، فقرأته كما كانت تتكلم، فأمالت حيث لم تكن تميل قريش، ومدت حيث لم تكن تمد، وقصرت حيث لم تكن تقصر، وسكنت حيث لم تكن تسكن، وأدغمت أو أخفت أو نقلت حيث لم تكن تدغم ولا تخفي ولا تنقل. فهذا النوع من اختلاف اللهجات له أثره الطبيعي اللازم في الشعر في أوزانه وتقاطيعه وبحوره وقوافيه بوجه عام".
كل نوع من اختلاف القراءات الثابتة يقبله العقل، ويسيغه النقل، وقد أريناك أن ما لا يقبله العقل، وهو اختلاف القراءتين المؤدي إلى تنافي المعنيين، غير موجود في القرآن، ولا يستطيع المؤلف وشركاؤه أن يظفروا له بمثل:{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82].
وأما ما يقوله من أن لهذه اللهجات أثرها الطبيعي اللازم في أوزان الشعر وتقاطيعه وقوافيه، فمقتضى إتقان البحث أن يضرب مُثُلاً من هذه اللهجات، وترى طلابه بالجامعة كيف لا تجد في هذه الأوزان والقوافي ما يصلح لأن يكون مظهراً لآثارها الطبيعية.
*
أوزان الشعر التي دوَّنها الخليل:
قال المؤلف في (ص 34): "ولسنا نستطيع أن نفهم كيف استقامت أوزان الشعر وبحوره وقوافيه كما دونها الخليل لقبائل العرب كلها، على ما كان بينها من تباين اللغات، واختلاف اللهجات".
لا يستطيع المؤلف أن يفهم كيف استقامت هذه الأوزان لقبائل العرب كلها مع تباين لغاتهم، واختلاف لهجاتهم! وهذه الشبهة من فصيلة شبهة (مرغليوث) التي أوردها في مقالة إنكار الشعر الجاهلي بقوله: "إن أول من
وضع هذه الأوزان الشعرية، وادعى أنه انتزعها من أشعار القبائل العربية: الخليل بن أحمد المتوفى سنة 170 هـ، وقد قام أحد معاصريه، وألف كتاباً أبطل به عمل الخليل" (1)، وقد تعرض (أدور براونلش) في رده على (مرغليوث) لهذه الشبهة، فقال: "وما ذكره (مرغليوث) من أن بعضهم نقض على الخليل صنعه في أوزان الشعر، فإنا بمراجعة كتاب الإرشاد نجد الذي ألف في النقض على الخليل لم يجد من العلماء قبولًا، أو -في الأقل- لم يجد قبولًا من ياقوت، وابن درستويه اللذين عدا (برزخاً) كاذباً، وبهذا سقطت شبهة (مرغليوث) كأن لم تكن".
أما شبهة المؤلف التي هي أخت شبهة (مرغليوث)، أو ابنة عمها، فتزاح من ساحة هذا البحث بأن الأوزان التي دونها الخليل ليست بالعدد القليل حتى يستبعد أن تكون أشعار هذه القبائل دائرة عليها، فالخليل جعل أصولها خمسة عشر وزناً، وهي: الطويل، والمديد، والبسيط، والوافر، والكامل، والهزج، والرجز، والرمل، والخفيف، والمنسرح، والسريع، والمضارع، والمقتضب، والمجتث، والمتقارب. وزاد عليها الأخفش وزناً آخر يسمونه: المتدارك، أو الخبب.
فالمجموع ستة عشر وزناً، وإذا لاحظت ما يكرونه على أنه فروع لهذه الأصول مما يسمونه: مجزوءًا، ومشطورًا، ومنهوكًا، ثم ما يدخلها من علل وزحافات جائزة أو مستحسنة، ارتفع حسابها إلى ما لا يضيق عن أي لغة أو لهجة عربية.
(1) الإرشاد "معجم الأدباء"(ج 2 ص 366).