الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سفيان أنه في يد تلك الفرقة التي تسمّى: الأنصار حتى يقول؛ لعل هذا السلطان يعود إلى قريش، ولو قال المؤلف: لعل هذا السلطان الذي انتقل من عبدة الأوثان إلى عبّاد من خلق الأوثان أن يعود إلى عبدة الأوثان، لكان خطؤه قريباً، وشبهته محتملة.
*
الخلافة حقيقة شرعية:
قال المؤلف في (ص 51): "ولعل النبي لو عُمّر بعد فتح مكة زمناً طويلاً، لاستطاع أن يمحو تلك الضغائن، وأن يوجه نفوس العرب وجهة أخرى؛ ولكنه توفي بعد الفتح بقليل، ولم يضع قاعدة للخلافة، ولا دستورًا لهذه الأمة التي جمعها بعد فرقة. فأي غرابة في أن تعود هذه الضغائن إلى الظهور، وفي أن تستيقظ الفتنة بعد نومها، وفي أن يزول هذا الرماد الذي كان يخفي تلك الأحقاد؟ ".
تحدث النبي عليه السلام عن الإمامة والإمام في أحاديث يرويها البخاري ومسلم وغيرهما، وقد شرع القرآن للخلافة قاعدة في قوله:{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38].
وزادها النبي عليه السلام بياناً؛ إذ ترك للأمة حريتها في انتخاب من ترى فيه الكفاية للقبض على مقاليد أمرها، حتى تكون السيرة المقتدى بها في كل عهد، أما طريقة أخذ الآراء، فموكولة إلى اجتهاد أهل الحل والعقد، ككل مصلحة أرشد إليها الإسلام، وفوض في وسائلها إلى اجتهاد الآراء.
فالخلافة حقيقة شرعية، ونظام كافل لحياة الأمة الاسلامية، ومن يدرس التاريخ بروية وأناة، يدرك بوضوح أن الخلافة رفعت الشرق مكاناً
عاليًا، وأنه لم يفقد سيادته ومنعته إلا حين اختل نظامها، وسارت في غير سبيلها، وليس في سنّة الخلافة ما تضيق عنه الدساتير المعقولة، أو يمس الحرية المطمئنة، ولعل الذين عجلوا إلى التنكر لها لم يجدوا في مخيلاتهم إلا شبح الخلافة المشربة بروح استبدادية، ولو بحثوا فيها من حيث حقيقتها المشروعة، ونظروا سيرتها يوم مثلها الصلّيق أو الفاروق، لوجدوا في سعة نطاقها ما يحفظ حقوق الأمم، ويطابق مقتضيات كل عصر.
ترك النبي عليه الصلاة والسلام القرآن، وما يُبينه من عمل متواتر، أو حديث صحيح، وفي القرآن وما يبينه من السنّة أحكم دستور لقوم يعقلون.
لم يرد الإسلام أن يضع الناس في حرج، فيرسم لهم نظم الإدارة، أو يبين لهم دستورًا على نمط هذه الدساتير التي تتغير على حسب العصور، وتختلف باختلاف البلاد، والذي يليق بحكمة التشريع السماوي أن ينص على بعض الأحكام القائمة على مصالح ثابتة عامة، ويضع أصولاً عالية يستنبط منها كل شعب ما يطابق مصالحه، ويلائم عوائده. وهذا ما يفهمه الراسخون في العلم، وهذا ما يسير عليه الأئمة المجتهدون.
فلو عُمّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة زمناً طويلاً، لم يزد على بناء هذا التشريع لبنة، ولم يبدُ له أن يسن دستوراً كدساتير هذه الدول لا يلبث أن تكبر عنه بعض العصور، فيكون غُلّاً في أعناقها، أو تصغر عنه، فيكون ثوباً فضفاضاً.
أما الضغائن التي ظهرت، والفتن التي استيقظت، فلم يكن منشؤها نقصًا في التشريع كما يزعم المؤلف، بل سببها قلة العلم بالتشريع، وعدم القدرة