الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لغة الجنوب مخالفة للغة العربية، وذهب إلى أن اللغة الأدبية وحدت لهجات القبائل الشمالية، ولم يمنع مع هذا أن ينظم أناس من القحطانيين أشعاراً بهذه اللغة؛ لأن كثيراً منهم يتكلمون باللغتين، فقال:"إن اختلاف الشعر العربي عن نصوص المخطوطات الموجودة في جنوب بلاد العرب لا يدل إلا على أمر واحد، وهو أن سكان هذه الممالك الجنوبية لا نصيب لهم في صنع الشعر العربي، على أن هذا لا ينفي اشتراك بعض أشخاص منهم في وضع الشعرة لأن كثيراً من سكان جنوب بلاد العرب كانوا يتكلمون باللغتين قبل أن يظهر عامل التوحيد الإسلامي بأزمان عظيمة". ثم قال: "إن اختلاف لغة جنوب بلاد العرب عن لغة الشماليين ليست بالأمر المستغرب، ولا سيما إذا علمنا أن لغة الجنوب ليست بلهجة عربية، بل هي لهجة سامية، بينما لهجات العربية الشمالية المختلفة أمكن توحيدها في لغة أدبية راقية".
فهؤلاء الباحثون المتمرنون على منهج (ديكارت)، قد قرروا نظرية وجود لغة أدبية زمن الجاهلية، إلا أن من هؤلاء من يجعلها للعرب قاطبة عدنانية وقحطانية، ومنهم من يجعلها للقبائل العدنانية، ولا يمنع مع هذا أن ينظم بعض القحطانيين في هذه اللغة أشعاراً؛ حيث إن فيهم من هو قائم على اللغتين. وعلى أي حال، لا يستقيم لأحد أن ينكر شعراً يعزى لقيسي، أو رَبَعي، أو كِندي لمجرد ما يوجد بين لغات هذه القبائل أو لهجاتها من اختلاف.
*
اللهجة المتماثلة والأوزان المتشابهة في المطولات:
ذكر المؤلف المطولات أو المعلقات، وأصحابها:
وقال في (ص 33): "تستطيع أن تقرأ هذه القصائد السبع دون أن تشعر
فيها بشيء يشبه أن يكون اختلافاً في اللهجة، أو تباعداً في اللغة، أو تبايناً في مذهب الكلام. البحر العروضي هو هو، وقواعد القافية هي هي، والألفاظ مستعملة في معانيها كما تجدها عند شعراء المسلمين، والمذهب الشعري هو هو".
لا يشعر القارئ في هذه المطولات بشيء يشبه أن يكون اختلافاً في اللهجة؛ لأن للشعر والخطابة منذ عهد الجاهلية لغة واسعة النطاق، بعيدة ما بين الأطراف.
وليس كل ما تسمعه فيما يصوغه الفصحاء من شعر أو نثر هو لغة قبيلة واحدة، بل هو مستخلص من لغات شتى، وفي هذه اللغة الضارية في نواحي الجزيرة يمينًا ويسارًا نزل القرآن، وتفقهت فيه سائر القبائل، حتى القحطانية، من غير أن يحتاجوا في فهمه إلى ترجمان، ومن يسمّي هذه اللغات المهذبة لغة قريش، فلأن لغة قريش كانت المبدأ الذي شبت عليه هذه اللغة، وأخذت تجتني من لغات القبائل ما يخف وقعه على السمع والذوق واللسان، فأنت إذا قرأت قصيدة من هذه المطولات، قد تمر على كثير من لهجات القبائل، ولكنك لا تشعر بها؛ لأنها أصبحت بفضل هذه اللغة سائرة في شعر كندة وربيعة وقيس وتميم؛ كسيرها في شعر قريش.
ومن آثار وحدة اللغة الأدبية هذه المترادفات الفائقة كثرة، وهذه الكلمات التي تنقلها من معنى إلى معنى أو معان، وهذه الألفاظ التي يحق لك أن تنطق بها في هيئات متعددة، وقد تكون هذه الأوزان الشعرية متفرقة في لهجات القبائل، ووقع اختيار الفصحاء عليها، وأخذوا ينسجون في النظم على مثالها، فلا عجب أن تظهر هذه المطولات في لهجة متماثلة، وأوزان متشابهة، وأن