الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أو غير مخلصين".
مزية علماء الإِسلام في نقد رواة الحديث أوضح من نار على يفاع، ولم يكتفوا في قبول الحديث بتحقق عدالة الراوي، وذهب بهم الاحتياط إلى قواعد أحكموها؛ ليزنوا بها الحديث نفسه، ويستضيئوا بها في تمييز الصحيح من المصنوع.
وضع بعض الزنادقة أحاديث ليذهبوا ببهاء حكمة الإِسلام، ووضع بعض الأغبياء أحاديث ليزيدوه خيراً وشاهدَ كمالٍ فيما يزعمون، وبفضل ما عني به العلماء من نقد الرواة، والاحتياط لقبول الأحاديث، بقيت الشريعة محفوظة مما يصنع الماكرون، ومفصولة مما يضيفه إليها أصدقاؤها الجاهلون.
وإذا بقي من تلك الأحاديث ما يخطر على ألسنة العامة، وأشباه العامة من الخطباء، فذلك خلل التعليم، وعيب السكوت في موضع النهي عن المنكر، وما إصلاح ذلك الخلل، وعلاج هذا العيب من حماة العلم وأنصار الحق ببعيد.
*
الشركة القصصية:
أعاد المؤلف ما تحدث به ابن سلام عن ابن إسحاق:
ثم قال في (ص 95): "أليس من الحق لنا أن نتصور أن هؤلاء القصاص لم يكونوا يتحدثون إلى الناس فحسب، وإنما كان كل واحد منهم يشرف على طائفة غير قليلة من الرواة والملفقين، ومن النظام والمنسقين، حتى إذا استقام لهم مقدار من تلفيق أولئك، وتنسيق هؤلاء، طبعوه بطابعهم، ونفخوا فيه من روحهم، وأذاعوه بين الناس".
انساب المؤلف يتحدث عن القصص، حتى سرت إليه العدوى من
القصّاص، ومسه طائف من الخيال، فجعل يفرض أن هناك شركة مؤلفة باسم القصّاص، ولهذه الشركة مصانع لعمل الأخبار والأشعار، وكل واحد من أعضائها يقوم على مصنع من هذه المصانع، حتى إذا تهيأ مقدار في مصنع التلفيق، بعث به إلى مصنع التنسيق، وبعد أن ينسق في هيئة قصة أو شعر، يأتي أعضاء الشركة القصصية، ويطبعونه بطابعهم، وينفخون فيه من روحهم، ثم يأذنون بإصداره، فيحمل كل عضو ما استطاع، أو ما طاب له، ويذيعه بين الناس.
يسمّي المؤلف هذا الحديث الملفق المنسق فرضا، ويزعم أن لديه نصا يجيز له هذا الافتراض، وهو قول ابن إسحاق:"لا علم لي بالشعر، إنما أوتى به، فأحمله".
توجد هذه الشركة، ويبقى أمرها سراً مكتوماً إلى أن يجيء المؤلف بعد ألف سنة، فيجد رمزها في قول ابن إسحاق:"وإنما أوتى به، فأحمله".
عبارة ابن إسحاق خاصة بالشعر، وقد جاءت الرواية بأنه هو الذي كان يقترح على بعض الشعراء أن يضعوا له أشعاراً تناسب بعض أخبار السيرة.
روى الحافظ الذهبي في "ميزان الاعتدال": أن أبا عمرو الشيباني يقول: رأيت أبا إسحاق يعطي الشعراء الأحاديث يقولون عليها الشعر، ونقل عن أبي بكر الخطيب: أن أبا إسحاق كان يرفع إلى شعراء وقته أخبار المغازي، ويسألهم أن يقولوا فيها الأشعار؛ ليلحقها بها.
ذلك شأن ابن إسحاق، وقد عرف به بين علماء عصره، ودعوى أن هناك شركة ذات أعضاء وطابع، ولها مصانع للتلفيق، وأخرى للتنسيق،