الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبلوغهم في نقد شعر مهلهل هذا المبلغ، يجعلنا على ظنّ من أن هذا المقدار الذي يرويه الثقات لمهلهل بعيد عن أن يكون من المحمول عليه.
*
المتقدمون من الشعراء:
قال المؤلف في (ص 161): "ويحسن أن نظهرك على شيء من شعر مهلهل؛ لترى كما نرى أنه لا يمكن أن يكون أقدم شعر قالته العرب".
وساق قصيدة:
أليلتنا بذي حُسم أنيري
…
إذا أنت انقضيت فلا تحوري
ثم قال: "أليس يقع من نفسك موقع الدهش، أن يستقيم وزن هذا الشعر، وتطرد قافيته، وأن يلائم قواعد النحو وأساليب النظم، لا يشذ في شيء، ولا يظهر عليه شيء من أعراض القِدم، أو مما يدل على أن صاحبه هو أول من قصد القصيد، وطول الشعر؟ أليس يقع في نفسك هذا كله موقع الدهش، حين تلاحظ معه سهولة اللفظ ولينه، وإسفاف الشاعر فيه إلى حيث لا تشك أنه رجل من الذين لا يقدرون إلا على مبتذل اللفظ وسوقيه؟ ".
لا يعرف لإنشاء الكلام الموزون بداية، ولم يتفقوا في شاعر على أنه أقدم من نظم القصيد، وقد اختلفوا في أول من أطال الشعر، فادعت كل قبيلة لشاعرها أنه الأول:"ادعت اليمانية لامرئ القيس، وبنو أسد لعبيد ابن الأبرص، وتغلب لمهلهل، وبكر لعمرو بن قميئة، والمرقش الأكبر، وإياد لأبي دؤاد، وزعم بعضهم أن الأفوه الأودي أقدم من هؤلاء، وأنه أول من قصّد القصيد" هكذا يقول عمر بن شبة في "طبقات الشعراء"، ثم قال: "وهؤلاء النفر المدّعى لهم التقدم في الشعر يتقاربون. لعل أقدمهم لا يسبق
الهجرة بمئة سنة أو نحوها". وإذا كانوا معترفين بأن أصل نظم الشعر سابق على هؤلاء بقرون، وكان الذي ادعي لمهلهل إنما هو إطالة الشعر، لم يكن من الموقع في دهشة أن يستقيم وزن ما يقوله مهلهل، وتطرد قافيته، وأن يلائم قواعد النحو وأساليب النظم، بل الذي يقع في نفوسنا موقع الدهش أن يطعن في نسبة شعر إلى عربي قحّ بأنه مستقيم الوزن، مطرد القافية، ملائم لقواعد النحو! ولم يصف المؤلف أعراض الشعر لعهد إطالته، حتى ننظر إلى هذه القصيدة المعزوّة إلى مهلهل كيف لم تقم بها هذه الأعراض.
يذهب المؤلف إلى زعم اصطناع القصيدة من ناحية سهولتها ولينها، وهو مدفوع بأنه لا يعرف مهلهلاً، ولم يثبت له شيئاً من الشعر صعباً خشناً، حتى يتبيّن أن هذا الشعر السهل اللين لم يكن من منظومه.
وأما ما رماها به من الإسفاف، فكلمة هو قائلها، والقصيدة لائقة بمقام شاعر بليغ، وهذا الأصمعي يقول: لو قال مهلهل مثل قوله: "أليلتنا بذي حسم أنيري" خمس قصائد، لكان أفحلهم.
* * *