الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما الذين يعتقدون بأن نبوة أفضل الخليقة حق، فمن الجائز عندهم أن يسبقها شعر، أو خبر يتصل بها، وشأنهم أن يفحصوا ما يرد في هذا الصدد، ويضعونه بمنزلته من الوضع أو الضعف أو الصحة، وكذلك فعل علماء الإسلام، فحكموا على جانب مما كان من هذا القبيل بالوضع؛ كالأخبار والأشعار المعزوّة إلى قس بن ساعدة.
*
شياطين الشعراء:
قال المؤلف في (ص 70): "فقد يظهر أن الأمة العربية لم تكن أمة من الناس الذين ينتسبون إلى آدم ليس غير، وإنما كان لإزاء هذه الأمة الإنسية أمة أخرى من الجن كانت تحيا حياة الأمة الإِنسية، وتخضع لما تخضع له من المؤثرات، وتحس مثلما تحس، وتتوقع مثلما تتوقع، وكانت تقول الشعر، وكان شعرها أجود من شعر الانس، فأنت تعرف قصة عبيد وهبيد، وأنت تعرف أن الأعراب والرواة قد لهوا بعد الإِسلام بتسمية الشياطين الذين كانوا يلهمون الشعراء قبل النبوة وبعدها".
ينقل الرواة ومن يكتبون في الأدب العربي أن الشعراء في الجاهلية يقولون، أو يقال عليهم: إن لهم قرناء من الجن يلهمونهم الشعر. وممن روى هذا: الجاحظ، وسمّاه زعماً، فقال في "كتاب الحيوان" (1):"يزعمون أن مع كل فحل من الشعراء شيطاناً يقول ذلك الفحل على لسانه الشعر، ويقولون: اسم شيطان المخبل عمرو، واسم شيطان الأعشى مسحَل (2) "،
(1)(6 ص 77).
(2)
(ج 6 ص 69).
ونقل عن أبي إسحاق النظام كلاماً في أصل هذا الزعم ومنشئه، حتى قال:"ومما زادهم في هذا الباب، وأغراهم به، ومدّ لهم فيه: أنهم ليس يلقون بهذه الأشعار وبهذه الأخبار إلا أعرابياً مثلهم، صالا غبيًا لم يأخذ نفسه قط بتمييز ما يوجب التكذيب أو التصديق أو الشك، ولم يسلك سبيل التوقف والتثبت في هذه الأجناس قط، وأما أن يلقوا راوية شعر، أو صاحب خبر، فالرواة عندهم كلما كان الأعرابي أكذب في شعره، كان أظرف عندهم، وصارت روايته أغلب، ومضاحيك حديثه أكثر".
وممن تعرض لهذا من الكتاب المتقدمين على المؤلف: جرجي زيدان في "تاريخ آداب اللغة العربية"، فقال:"كان العرب يعتقدون أن لكل شاعر شيطاناً يوحي إليه المعاني، حتى لقد يتوهم الشاعر منهم أنه رأى شيطانه، وخاطبه، وأوحى إليه". وقال: "ومن غريب اعتقادهم في شياطين الشعراء: أن للشعر شيطانين، يدعى أحدهما: الهوبر، والآخر: الهوجل، فمن انفرد به الهوبر، جاد شعره، وصحّ كلامه. ومن انفرد به الهوجل، فسد شعره. وزاد ادعاؤهم ذلك حتى سموا شيطان كل شاعر باسم خاص به، فكان شيطان الأعشى يسمّى مسحل".
وتعرض لهذا أيضاً الأستاذ مصطفى صادق الرافعي في كتاب "آداب لغة العرب"؛ إذ عقد فصلاً في شعر الجن، فقال:"والقصاصون إنما قلدوا في ذلك الأعراب أيضاً، وذهبوا مذاهبهم، فللأعراب شعر كثير يزعمونه للجن، ويعقدون له الأخبار، وقد تناقله عنهم الرواة، وتظرفوا به في الأحاديث، وأمثلته كثيرة".
فمزاعم بعض الناس لرؤية الجن، وتلقيهم الأشعار عنهم، مما كتب