الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 - حسن فهمهم:
إن من نظر في أقوال الصحابة في التفسير متدبرًا لهذه الأقوال، ومتفهمًا لمراميها، وعلاقتها بتفسير الآية، فإنه سيتبين له ما آتاهم اللَّه من حسن البيان عن معاني القرآن، من غير تكلف في البيان، ولا تعمق في تجنيس الكلام، بل تراهم يلقون الألفاظ بداهة على المعنى، فتصيب منه المراد.
وكان مما عزّز لهم حسن الفهم: ما سبق ذكره من الأسباب التي دعت إلى الرجوع إلى تفسيرهم من: مشاهدة التنزيل، ومعرفة أحوال من نزل فيهم القرآن، وكونهم أصحاب اللسان الذي نزل به القرآن، مع ما لهم من معرفة بأحوال صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم مما كان يعينهم على فهم المعنى المراد، وكذا حسن الاستنباط.
ولا ريب أن قولهم في التفسير أولى بالقبول من تفسير من بعدهم، فهم أعلم الأمة بمراد اللَّه؛ فعليهم نزل، وهم أول من خوطب به من الأمة، وقد شاهدوا تفسيره من الرسول صلى الله عليه وسلم علمًا وعملًا، وهم العرب الفصحاء على الحقيقة، فلا يعدل عن تفسيرهم ما وجد إليه سبيل
(1)
.
إن هذه المزية توجب على دارس التفسير أن يرجع إلى أقوالهم، وأن يفهم تفسيراتهم، ليعتمد عليها في التفسير، ويبني عليها مسائل الآيات وفوائدها.
5 - سلامة قصدهم:
لم يقع بين الصحابة خلاف يؤثر في علمهم، بحيث يوجه آراءهم العلمية إلى ما يعتقدونه، وإن كان مخالفًا للحق، بل كان شأن الخلاف بينهم إظهار الحق، لا الانتصار للنفس أو المذهب الذي ذهب إليه.
لقد ظهر فيمن بعدهم من أصحاب العقائد الباطلة؛ كالخوارج، والمرجئة، والجهمية، والمعتزلة، وغيرهم مجانبة الحق، وكثر الخلاف بسبب كثرة الآراء الباطلة، مما جعل القرآن عرضةً لتحريف معناه، إذ يصرفه أصحاب هذه المذاهب الباطلة إلى مذاهبهم، وهذا مما سلم منه جيل الصحابة، فلم يتلوث بمثل هذه الخلافات.
(1)
ينظر: إغاثة اللهفان لابن القيم 1/ 240.
ولهذا جاء تفسيرهم بعيدًا عن مشكلات التأويل المنحرف، وصرف اللفظ القرآني إلى ما يناسب المذهب، أو غيرها من الانحرافات في التفسير.
وإذا تبيَّنت لك قيمة تفسير الصحابي، فانظر إلى واقع بعض من يَدْرُس التفسير أو يُدَرِّسه، فإنك ستجده لا يُعنى بإيراد أقوالهم، وكثيرًا ما تراه يكتفي بأن ينسب التفسير إلى المتأخرين من اللغويين والمفسرين، ويتقوَّى بهم؛ كالزجاج (ت: 311 هـ)، والزمخشري (ت: 538 هـ)، وابن عطية (ت: 542 هـ)، والقرطبي (ت: 671 هـ)، وأبي حيان (ت: 745 هـ)، وابن كثير (ت: 774 هـ)، والآلوسي (ت: 1270 هـ)، وغيرهم، ويتجاهل أن ما ذكروه إنما هو قول لأحد الصحابة.
إن في هذا المسلك ما يقطع على طالب العلم شرف الوصول إلى علوم هؤلاء الصحابة وأفهامهم، بل قد يجعله ينظر إلى أقوالهم نظر المقلل من شأنها، ويرى أن تفسيراتهم سطحية، لا عمق فيها، ولا تقرير! !
وهذا خطأ محض، ومجانبة الصواب، وإنما كان سبيل أهل العلم الراسخين فيه أنهم (يتكثرون بموافقة الصحابة)، وانظر كم الفرق بين أن يقال: هذا قول ابن عباس (ت: 68 هـ) في الآية، أو أن يقال: هذا قول الزجاج (ت: 311 هـ)، أو قول ابن عطية (ت: 542 هـ) أو قول غيرهم في الآية؟
فانظر إلى من ستميل نفسك، وأي قول سيطمئن له قلبك؟