الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الضلالة، قوله في البقرة:{وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [البقرة: 15]؛ يعني: في ضلالتهم، نظيرها في يونس:{فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [11]؛ يعني: في ضلالتهم يعمهون، وقال في ق:{رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ} [27]؛ يعني: ما أضللته. وقال في الصافات: {بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ} [30]؛ يعني: ضالين، وقال في ص:{هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ} [55]؛ يعني: للضالين لشر مآب: مرجع، مثلها في {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} [النبأ: 1].
الوجه الثاني: طغيان؛ يعني: عصيان، فذلك قوله:{اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [النازعات: 17]، يعني: إنه عصى اللَّه، وقال أيضًا في طه:{وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ} [81]، يعني: لا تعصوا اللَّه في رفع المن والسلوى.
والوجه الثالث: الطغيان؛ يعني: الارتفاع والكثرة، فذلك قوله في الحاقة:{إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ} [11]؛ يعني: لما كثر الماء وارتفع {حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} [الحاقة: 11].
والوجه الرابع: الطغيان؛ يعني: الظلم، فذلك قوله في النجم:{مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} [17]، وقال في الرحمن:{أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ} [8]، يعني: لا تظلموا"
(1)
.
وهذه التفسيرات التي ذكرها مقاتل بن سليمان للفظ الطغيان تفسيرات سياقية؛ أي: المراد بالطغيان في هذا السياق فحسب، وإن كانت لفظة الطغيان المأخوذة من مادة طغى تدل على معنى لغوي واحد، وهو تجاوز الحد
(2)
، ثم ينظر في نوع التجاوز حسب السياق الذي ترد فيه، فعدل عن تفسير اللفظ بمدلولها اللغوي المباشر إلى بيان المراد منها في ذلك السياق.
وكان تفسير السلف مقتصرًا على بيان معاني الألفاظ دون ما زاد على ذلك من ذكر لطائف هذه اللغة أو غير ذلك مما زاده المتأخرون.
الموازنة بين تفسير السلف باللغة وتفسير اللغويين:
العلاقة بين تفسير السلف باللغة وتفسير اللغويين لا تخرج عن أحوال:
الأول: أن يتوافق قولهم مع أقوال الصحابة والتابعين، وهذا كثير.
(1)
الوجوه والنظائر في القرآن الكريم ص 214.
(2)
قال ابن فارس: "الطاء والغين والحرف المعتل أصل صحيح منقاس، وهو مجاوزة الحد في العصيان. . . ". مقاييس اللغة، مادة:(طغى).
الثاني: أن يكون تفسيرهم اللغوي مبطلًا لتفسير السلف اللغوي، وهذا قليل جدًّا، وتفسيرهم هذا لا يقبل.
قال أبو عبيدة (ت: 210 هـ): " {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً} [يوسف: 31]: أفعلت من العتاد، ومعناه: أعدت لهن متكًا؛ أي: نمرقًا تتكئ عليه.
وزعم قوم أنه الأترج، وهذا أبطل باطل في الأرض، ولكن عسى أن يكون مع المتكأ أترج يأكلونه، ويقال: ألق له متكًا"
(1)
.
وهذا الاعتراض من أبي عبيدة (ت: 210 هـ) غير مقبول، وكلام من فسر من السلف لا يخرج عن احتمالين:
- الاحتمال الأول: أن يكون من لغة العرب مما لم يعرفه أبو عبيدة.
- الاحتمال الثاني: أن يكون مما أعد الأترج، وأشار إلى وجوده السكين، فالسكين لا تعطى لتخريق المجلس، وإنما لتقطيع الفاكهة
(2)
.
الثالث: أن يكون في تفسيرهم اللغوي إضافة من قبيل التنوع، وهذا إذا كانت الآية تحتمله، فإنه يصح تفسير اللفظ القرآني به.
جاء في كتاب "العين": "والعَرْفُ: ريحٌ طيّبٌ، تقول: ما أطيب عَرْفَهُ، قال اللَّه عز وجل: {عَرَّفَهَا لَهُمْ} [محمد: 6]؛ أي: طيَّبها"
(3)
.
والوارد عن مفسري السلف: عرَّفها: بيَّنها لهم، حتى إن الرجل ليأتي منزله منها إذا دخلها كما كان يأتي منزله في الدنيا، لا يشكل عليه ذلك.
والمعنيان متغايران، لكنهما غير متناقضين، والآية تحتملهما على سبيل التنوع.
(1)
مجاز القرآن 1/ 108 - 309.
(2)
قال الطبري: "وحكى أبو عبيد القاسم بن سلام قول أبي عبيدة، ثم قال: والفقهاء أعلم بالتأويل منه. ثم قال: ولعله بعض ما ذهب من كلام العرب، فإن الكسائي كان يقول: قد ذهب من كلام العرب شيء كثير انقرض أهله.
والقول في أن الفقهاء أعلم بالتأويل من أبي عبيدة كما قال أبو عبيد لا شك فيه، غير أن أبا عبيدة لم يبعد من الصواب في هذا القول، بل القول كما قال من أن من قال لِلْمُتَّكَأِ هو الأترج، إنما بين الْمُعَدَّ في المجلس الذي فيه الْمُتَّكَأُ، والذي من أجله أعطين السكاكين؛ لأن السكاكين معلوم أنها لَا تُعَدُّ لِلْمُتَّكَأِ إِلَّا لتخريقه، ولم يعطين السكاكين لذلك. ومما يبين صحة ذلك القول الذي ذكرناه عن ابن عباس، من أن الْمُتَّكَأَ هو المجلس".
(3)
كتاب العين 2/ 122.