الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محمدًا مكتوب في التوراة أنه نبي تجده اليهود مكتوبًا عندهم في التوراة كما هو مكتوب في القرآن أنه نبي"
(1)
.
ثالثًا: ما يربطون الآية به من القصص:
ورد في القرآن قصص كثير، وبعضها مما كانت أحداثه مصاحبة لوقت نزوله، ومنها ما كان قبل النبوة
(2)
.
ويلاحظ أن بعض أسباب النزول قد تكون من قصص الآي؛ كالخبر الوارد عن ابن عباس (ت: 68 هـ) في سبب نزول قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223]، وهذا إذا كان من أسباب النزول الصريحة، فإنه يلحق بها، وليس هو المراد هنا.
وهذه القصص إما أن تكون واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإما أن تكون مما تناقله العرب من أخبارهم، وإما أن تكون من أخبار بني إسرائيل.
فإن كان الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل التفسير، فإنه يلحق بالتفسير النبوي من حيث القبول؛ كالخبر الوارد في قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} [الأحزاب: 69].
أخرج البخاري (ت: 256 هـ) عن أبي هريرة رضي الله عنه (ت: 57 هـ)، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إن موسى كان رجلًا حَيِيًّا سِتِّيرًا لا يرى من جلده شيء استحياء منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل، فقالوا: ما يستتر هذا التستر إلا من عيب بجلده؛ إما برص، وإما أُدْرَةٌ، وإما آفة. وإن اللَّه أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى، فخلا يومًا وحده، فوضع ثيابه على الحجر، ثم اغتسل، فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها، وإن الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى عصاه، وطلب الحجر، فجعل يقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر، حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل، فرأوه عريانًا أحسن ما خلق اللَّه، وأبرأه مما يقولون.
وقام الحجر، فأخذ ثوبه، فلبسه، وطفق بالحجر ضربًا بعصاه، فواللَّه إن بالحجر
(1)
تفسير الطبري، ط. الحلبي 26/ 12.
(2)
وطريقة ورود القصص في القرآن على قسمين: فمنها ما يأتي فيها شيء من التفصيل؛ كقصة آدم، وموسى، وهود، ويوسف عليهم السلام، وقصة أصحاب الكهف، وقصة صاحب الجنتين، وقصة ذي القرنين.
ومنها ما تكون فيها الإشارة العابرة إلى القصة، كخبر الذي أوتي الآيات فانسلخ منها، وقصة الجسد الذي فتن به سليمان عليه السلام، وخبر المجادلة، وخبر الأنفال، وخبر النسيء في الأشهر الحرم الذي كان يعمله كفار العرب، وغيرها.
لَنَدَبًا من أثر ضربه ثلاثًا أو أربعًا أو خمسًا، فذلك قوله:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} [الأحزاب: 69] "
(1)
.
وإن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قصة توافق ما ورد في القرآن من دون أن ينص على أنها تفسير للآية، فإن حمل الآية عليها -وإن كان الارتباط بينهما واضحًا- من اجتهاد المفسر، وذلك كاجتهاده في ربط القصص التي لم ترد عنه صلى الله عليه وسلم، أيًّا كان مصدرها.
ومن القصص التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم، وربطها بعض المفسرين من الصحابة بما ورد من الخبر عن قصة بعض الأقوام؛ قصة أصحاب الأخدود التي رواها الإمام مسلم بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"كان ملك فيمن كان قبلكم، وكان له ساحر، فلما كبر قال للملك: إني قد كبرت، فأبعث إلي غلامًا أعلمه السحر، فبعث إليه غلامًا يعلمه، فكان -في طريقه إذا سلك- راهب، فقعد إليه، وسمع كلامه، فأعجبه، فكان إذا أتى الساحر؛ مر بالراهب، وقعد إليه، فإذا أتى الساحر ضربه، فشكى ذلك إلى الراهب، فقال: إذا خشيت الساحر، فقل: حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك، فقل: حبسني الساحر. . . " إلى أن ورد فيها: "فقال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، قال: وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد، وتصلبني على جذع، ثم خذ سهمًا من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس، ثم قل: باسم اللَّه رب الغلام، ثم ارمني، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني، فجمع الناس في صعيد واحد، وصلبه على جذع، ثم أخذ سهمًا من كنانته، ثم وضع السهم في كبد القوس، ثم قال: باسم اللَّه رب الغلام، ثم رماه، فوقع السهم في صدغه، فوضع يده في صدغه في موضع السهم، فمات، فقال الناس: آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام، فأتى الملك، فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر؟ ! قد واللَّه نزل بك حذرك، قد اَمن الناس، فأمر بالأخدود في أفواه السكك، فخدت، وأضرم النيران، وقال: من لم يرجع عن دينه، فأحموه فيها أو قيل له: اقتحم، ففعلوا حتى جاءت امرأة، ومعها صبي لها، فتقاعست
(1)
أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء من صحيحه، باب:{وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ} [البقرة: 58] رقم الحديث (3404).
قال ابن حجر: "قوله: فذلك قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا} [الأحزاب: 69]: لم يقع هذا في رواية همام، وروى ابن مردويه من طريق عكرمة عن أبي هريرة، قال: قرأ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى} الآية، قال: إن بني إسرائيل كانوا يقولون: إن موسى آدر، فانطلق موسى إلى النهر يغتسل. فذكر نحوه". فتح الباري 6/ 504.
أن تقع فيه، فقال لها الغلام: يا أمه، اصبري، فإنك على الحق"
(1)
.
فهذه القصة -كما ترى- ليس فيها أنها تفسير لقصة أصحاب الأخدود التي وردت في قوله تعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [البروج: 4 - 8]، مع أنه يتضح أنها مما يفسر هذه الآيات، وأن حملها عليها إنما كان من عمل المفسَّر
(2)
.
ولا شك أن تفسير الآية بما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم هو أولى ما تفسر به.
وإذا كان هذا هو الحال مع القصص الواردة عن المعصوم التي لم يشر إلى أنها تفسر آية ما، فإن غيرها مما يؤخذ من بني إسرائيل أو غيرهم من باب أولى أن يكون ربطها بالقرآن من باب الرأي واجتهاد المفسَّر. وهذا أصل مهم يحسن التنبه له، والاعتناء به.
والمقصود هنا أن الصحابة قد ورد عنهم حمل بعض الآيات التي وردت فيها قصص أو إشارة إليها على بعض القصص الواردة عن بني إسرائيل أو غيرهم، ويحتمل أن يكون ما فسروا به من هذه القصص مأخوذًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون مأخوذًا عن غيره.
وقد كان في حملهم عليها ضروب:
- فضرب منها أتى بذكر الخبر مجملًا.
- وضرب منها ذكر ما ورد من الخبر الذي جاء في القرآن، وزاد عليه تفاصيل أخرى.
- وضرب منها حمله على قصة معروفة في كتب السابقين، وجعلها مفسرة للآية، وإن كان قد يقع فيها منازعة في كونها هي المعنية بما ورد في القرآن.
ومن أمثلة ذلك:
1 -
ما ورد في تفسير قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِين} [الأعراف: 175]، فقد ورد عن ابن مسعود
(1)
أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق، باب قصة أصحاب الأخدود، رقم الحديث (3005).
(2)
ورد في التفسير عن بعض الصحابة والتابعين أقاويل في أصحاب الأخدود غير هذا المذكور في الحديث، فقد ورد أنهم من النبط، وورد أنهم مجوس أهل كتاب. ينظر: الدر المنثور للسيوطي 15/ 333.
(ت: 32 هـ)، قال:"رجل من بني إسرائيل، يقال له: بَلْعَمُ بْنُ أَبُرَ"
(1)
.
وكذا ورد عن ابن عباس (ت: 68 هـ)، وزاد أنه أوتي كتابًا، فأخلد إلى شهوات الأرض ولذتها وأموالها، لم ينتفع بما جاء به الكتاب
(2)
.
ولم يرد عنهم تفاصيل قصة هذا الرجل، وهي مذكورة في كتب التفسير وغيرها، على اختلاف فيها كما هي العادة في مثل هذه الأخبار التي انقطع فيها السند، وعفى عليها الزمن من قصص الغابرين.
2 -
ما ورد من تفسير قوله تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} [القصص: 23].
فقد ورد عن الصحابة في تفسير هذه الآية تفاصيل، منها:
ما روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (ت: 23 هـ)، قال: "إن موسى عليه السلام لما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون، قال: فلما فرغوا أعادوا الصخرة على البئر، ولا يطيق رفعها إلا عشرة رجال، فإذا هو بامرأتين تذودان، قال: ما خطبكما؟ فحدثتاه، فأتى الحجر فرفعه
(3)
، ثم لم يستق إلا ذنوبًا واحدًا، حتى رويت الغنم"
(4)
.
(1)
تنظر الرواية عنه في: تفسير الطبري، تحقيق: شاكر 13/ 253 - 254.
(2)
ينظر في الرواية عن ابن عباس: تفسير الطبري، تحقيق: شاكر 13/ 154، 255، 269.
(3)
لطيفة: قال ابن أبي حاتم في تفسيره 9/ 2967: "رأيت الصخرة، وشبرت، فكان بأصبعي شبران ومائة".
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم في كتاب التفسير 9/ 2964، وقال عنه ابن كثير 6/ 227:"إسناد صحيح".
وقد رواه غيره، ذكرهم السيوطي في الدر المنثور 6/ 405، وزاد فيها عن هذا الذي ذكره ابن أبي حاتم، قال: "وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: إن موسى عليه السلام لما ورد ماء مدين؛ وجد عليه أمة من الناس يسقون، فلما فرغوا أعادوا الصخرة على البئر، ولا يطيق رفعها إلا عشرة رجال، فإذا هو بامرأتين، قال: ما خطبكما؟ فحدثتاه، فأتى الصخرة، فرفعها وحده، ثم استقى، فلم يستق إلا دلوًا واحدًا حتى رويت الغنم، فرجعت المرأتان إلى أبيهما، فحدثتاه، وتولى موسى عليه السلام إلى الظل، فقال: رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير، قال: فجاءته إحداهما تمشي على استحياء؛ واضعة ثوبها على وجهها، ليست بسَلْفَعٍ مِنَ الناس؛ خَرَّاجَةً وَلَّاجَةً، قالت: إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا، فقام معها موسى عليه السلام، فقال: لها امشي خلفي، وانعتي لي الطريق، فإني أكره أن تصيب الريح ثيابك؛ فتصف جسدك، فلما انتهى إلى أبيها، قص عليه، فقالت إحداهما: يا أبت استأجره؛ إن خير من استأجرت القوي الأمين، قال: يا بنية ما علمك بأمانته وقوته؟ قالت: أما قوته فرفعه الحجر، ولا يطيقه إلا عشرة رجال، وأما أمانته فقال: امشي =
وقد ورد تفاصيل أحْرى عن ابن مسعود (ت: 32 هـ)، وابن عباس (ت: 68 هـ) ذكرها المفسرون، وتتابع السلف على ذكرها أيضًا
(1)
.
3 -
ما ورد في تفسير قوله تعالى: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الحشر: 16]. روى الطبري (ت: 310 هـ) عن أمير المؤمنين علي (ت: 40 هـ)، قال: "إن راهبًا تعبّد ستين سنة، وإن الشيطان أرداه، فأعياه. فعمد إلى امرأة، فَأَجَنَّهَا
(2)
، ولها إخوة، فقال لإخوتها: عليكم بهذا القس، فيداويها.
فجاءوا بها، قال: فداواها، وكانت عنده، فبينما هو يومًا عندها إذ أعجبته، فأتاها، فحملت، فعمد إليها، فقتلها، فجاء إخوتها، فقال الشيطان للراهب: أنا صاحبك، إنك أعييتني، أنا صنعت بك هذا، فأطعني أنجك مما صنعت بك، اسجد لي سجدةً، فسجد له، فلما سجد له قال: إني بريء منك، إني أخاف اللَّه رب العالمين، فذلك قوله:{كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الحشر: 16] "
(3)
.
وكذا ورد عن ابن مسعود (ت: 32 هـ)، وابن عباس (ت: 68 هـ) رضي الله عنهم.
ولا يلزم أن هذه القصة هي المرادة بعينها بهذه الآية، لكنها تصلح أن تكون تفسيرًا لها، فذكرها هؤلاء الكرام تفسيرًا لها، والربط -كما هو ظاهر- اجتهاد منهم، واللَّه أعلم.
= خلفي، وانعتى لي الطريق؛ فإني أكره أن تصيب الريح ثيابك، فتصف لي جسدك، فزاده ذلك رغبة فيه، فقال:{إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} [القصص: 27] إلى قوله: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} [القصص: 27]؛ أي: في حسن الصحبة والوفاء بما قلت، قال موسى عليه السلام:{ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ} [القصص: 28]، قال: نعم، قال:(اللَّه على ما نقول وكيل)، فزوجه، وأقام معه يكفيه، ويعمل له في رعاية غنمه، وما يحتاج إليه، وزوجه صَفُّورَا وأُخْتُهَا شَرْفَا، وهما التي كانتا تَذُودَانِ".
(1)
ينظر في هذه التفاصيل: تفسير الطبري، ط. الحلبي 20/ 54 وما بعدها، وابن أبي حاتم 9/ 2961 وما بعدها، وابن كثير 6/ 226 وما بعدها.
ومن الطرائف المذكورة عنهم ما ورد عن ابن مسعود، قال:"حثثت على جمل لي ليلتين حتى صبحت مدين، فسألت عن الشجرة التي أوى إليها موسى، فإذا شجرة خضراء ترف فاهوى إليها جملي، وكان جائعًا؛ فأخذها جملي، فعالجها ساعة، ثم لفظها، فدعوت اللَّه لموسى عليه السلام، ثم انصرفت". تفسير الطبري، ط. الحلبي 20/ 58.
(2)
أي: أصابها بالجنون.
(3)
تفسير الطبري، ط. الحلبي 28/ 49.
كما يلاحظ أنهم لم يرفعوا هذه القصة للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يشعر بأنهم مما تلقوه عن غيره. ولا ضير في حمل هذه الآية على هذه القصة التي هي تمثيل للمعنى الوارد في الآية، قال ابن كثير (ت: 774 هـ): "وقد ذكر بعضهم ههنا قصة لبعض عُباد بني إسرائيل؛ هي كالمثال لهذا المثل، لا أنها المرادة وحدها بالمثل، بل هي منه مع غيرها من الوقائع المشاكلة لها"
(1)
.
ولا يقال في مثل هذا المقام: إن هذه إسرائيلية فلا تقبل؛ لأن المعنى الذي تحمله هذه الإسرائيلية ليس غريبًا، ولا نكارة فيه توجب ردّه، وما دام الأمر كذلك، فإنه يفسر بها، ويوضح المعنى كما يوضح بغيرها، واللَّه أعلم.
وكثرت رواية القصص المجملة في القرآن في طبقة التابعين وأتباع التابعين، وإن كان بعض مفسريهم أقل من بعض، لكن الحكم هنا عن جملة المروي عنهم من تفاصيل قصص الآي.
ومما يلاحظ في بعض المروي عنهم أنه مليء بالغرائب، خصوصًا ما يرد عن السدي (ت: 127 هـ)، وابن إسحاق (ت: 150 هـ)، ووهب بن منبه (ت: 114 هـ)، والكلبي (ت: 146 هـ)، ومقاتل بن سليمان (ت: 150 هـ).
والأمثلة في هذا كثيرة، وسردها يطول، لكن اكتفي بمثال في هذا المقام، وهو ما ورد عنهم في تفسير قوله تعالى:{وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: 23 - 24]:
قال ابن جريج: حجرًا كان لا يطيقه إلا عشرة رهط.
قال شريح: انتهى إلى حجر لا يرفعه إلا عشرة رجال، فرفعه وحده.
قال السدي: رحمهما موسى حين {قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} فأتى إلى البئر فاقتلع صخرة على البئر كان النفر من أهل مدين يجتمعون عليها، حتى يرفعوها، فسقى لهما موسى دلوًا فأروتا غنمهما، فرجعتا سريعًا، وكانتا إنما تسقيان من فضول الحياض.
(1)
تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، تحقيق: سامي السلامة 8/ 75.
قال قتادة: تصدق عليهما نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم، فسقى لهما، فلم يلبث أن أروى غنمهما.
قال ابن إسحاق: أخذ دلوهما موسى، ثم تقدم إلى السقاء بفضل قوته، فزاحم القوم على الماء حتى أخّرهم عنه، ثم سقى لهما
(1)
.
* * *
(1)
ينظر: تفسير الطبري عند تفسير الآيتين المذكورتين 18/ 214.