الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، وتأويله وتنزيله، ومكيه ومدنيه، وما أريد به، وفيما أنزل"
(1)
، وقال ابن فارس (ت: 395 هـ): "وفي كتاب اللَّه جلَّ ثناؤه ما لا يعلم معناه إلا بمعرفة قصته"
(2)
.
والعقل يشهد بأن أحوال النزول خير ما يستعان بها على تعيين المراد من المعاني، قال الواحدي (ت: 468 هـ) عن أسباب النزول: "هي أوفى ما يجب الوقوف عليها، وأولى ما تصرف العناية إليها، لامتناع معرفة تفصيل الآية، وقصد سبيلها، دون الوقوف على قصتها، وبيان نزولها"
(3)
، وقال ابن دقيق العيد (ت: 702 هـ): "بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني الكتاب العزيز"
(4)
، وقال ابن تيمية (ت: 728 هـ): "معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية، فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب"
(5)
.
ومن أمثلة استناد الأئمة الخمسة إلى أحوال النزول في بيان القرآن قول ابن عطية (ت: 541 هـ) -مستندًا إلى إجماع أهل التأويل، وقصة الآية-:"وقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} الآية [النساء: 51]، ظاهرها يعم اليهود والنصارى، ولكن أجمع المتأولون على أن المراد بها: طائفة من اليهود. والقصص يبين ذلك"
(6)
. وفي سورة آل عمران قال ابن كثير (ت: 774 هـ): "هي مدنية، لأن صدرها إلى ثلاث وثمانين آية منها نزلت في وفد نجران، وكان قدومهم في سنة تسع من الهجرة"
(7)
.
8 - الإسرائيليات:
والمقصود بها: ما نقل عن كتب بني إسرائيل في أخبار أقوامهم، والأمم السابقة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، والمبدأ، والمعاد.
ولا يخفى أن الاستدلال بأخبار بني إسرائيل هو من جنس الاستدلال بأخبار العرب وأحوالهم التي نزل فيها القرآن، ومن ثم فما ذكر في (قصص الآي) في
(1)
الفقيه والمتفقه 2/ 331.
(2)
الصاحبي ص 42.
(3)
أسباب نزول القرآن ص 96.
(4)
البرهان في علوم القرآن 1/ 22. وينظر: الإتقان 1/ 190.
(5)
مجموع الفتاوى 13/ 339.
(6)
المحرر الوجيز 2/ 579.
(7)
تفسير القرآن العظيم 3/ 5.
أحوال النزول: من صحة الاستدلال بها لتمام بيان المعنى، وتعيين المراد، وإزالة الشبه والإشكالات يقال مثله في الإسرائيليات، بل أكثر؛ وذلك لمزيد عناية الشريعة بهذا النوع من الأخبار، وقد تجلت تلك العناية في صور؛ منها: بيان الموقف العام من أقوالهم وأخبارهم، وقد جاء ذلك نصًّا في قوله تعالى:{وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [العنكبوت: 46].
ثم: الإذن لهذه الأمة في أن تحدث عن بني إسرائيل، وقد جاء ذلك صريحًا في قوله صلى الله عليه وسلم:"حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج"
(1)
، قال مالك بن أنس (ت: 179 هـ): "المراد جواز التحدث عنهم بما كان من أمر حسن، أما ما علم كذبه فلا"
(2)
، وقال الشافعي (ت: 204 هـ): "المعنى: حدثوا عن بني إسرائيل بما لا تعلمون كذبه، وأما ما تجوزونه فلا حرج عليكم في التحدث به عنهم"
(3)
.
مع إرشاد الأمة إلى الموقف مما لا تعلم صدقه أو كذبه من أخبارهم، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم:"ما حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا باللَّه ورسوله. فإن كان باطلًا لم تصدقوه، وإن كان حقًا لم تكذبوه"
(4)
؛ فأباح بذلك الانتفاع بهذا النوع من الأخبار على غير سبيل القطع والجزم.
فكل هذا يدل على مزيد عناية الريعة بهذا الباب من الأخبار؛ حيث أحاطت ما ينقل منها بضوابط تحفظ ما فيها من الحق، وتحتاط له، وتبطل ما فيها من الباطل، في غاية من العدل والإنصاف، مع الانتفاع بما لا يعلم كذبه منها.
ومن أمثلة استناد الأئمة الخمسة إلى الإسرائيليات ما في قوله تعالى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ} [آل عمران: 93]، حيث رجح ابن جرير (ت: 310 هـ) وابن عطية (ت: 541 هـ) أن ذلك تحريم إسرائيل العروق ولحوم الإبل على نفسه، استنادًا إلى الإسرائيليات، وتاريخ اليهود وواقعهم، فقال ابن جرير (ت: 310 هـ): "وأولى هذه الأقوال بالصواب، قول ابن عباس الذي رواه الأعمش، عن حبيب، عن سعيد عنه: أن ذلك: العروق ولحوم الإبل.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه 4/ 170 (3461).
(2)
فتح الباري 6/ 575.
(3)
المرجع السابق. وينظر: أحكام القرآن، لابن العربي 3/ 347.
(4)
أخرجه أبو داود في سننه 4/ 238 (3644)، وعبد الرزاق في مصنفه 6/ 110 (10160)، وأحمد في مسنده 28/ 460 (17225)، وإسناده حسن. وله شاهد مختصر عند البخاري في صحيحه 6/ 20 (4485).