الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولًا تراجم أئمة التفسير الخمسة
1 - ابن جرير الطبري
هو محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب، أبو جعفر الطبري، ولد بآمل بطبرستان
(1)
سنة (224 هـ)، ونشأ بها، وكان أسمر، أعين، مليح الوجه، مديد القامة، فصيح اللسان، لم يتزوج أو يتسرى.
حفظ القرآن وله سبع سنين، وأَمَّ الناس وهو ابن ثمان سنين، وكتب الحديث وله تسع سنين، ورحل عن بلده لطلب العلم وله ست عشرة سنةً. أخذ العلم عن كبار علماء عصره، فأخذ عن علماء بلده طبرستان، ثم رحل إلى العراق والشام ومصر مرات، وسافر أثناء ذلك للحج سنة (240 هـ)، ثم رجع إلى بلده طبرستان، وعاد بعد ذلك إلى بغداد سنة (290 هـ)، إلى أن توفاه اللَّه عز وجل بها.
كان من أئمة أهل السُّنَّة، وعلى اعتقاد السلف من الصحابة والتابعين والأئمة، ولم يثبت ما نسب إليه من التشيع، وكتبه وسيرة حياته شاهدةٍ ببطلان ذلك
(2)
. وكان يقرأ في أول أمره بحرف حمزة (ت: 156 هـ)، ثم اختار لنفسه قراءة بعد ذلك؛ فصلها في كتابه "القراءات وتنزيل القرآن"، وفي مواضع كثيرة من تفسيره
(3)
. وتفقه في أول طلبه على مذهب الشافعي (ت: 204 هـ)، وأفتى به في بغداد عشر سنين، ثم اختار لنفسه ما
(1)
بلدان واسعة كثيرة يشملها هذا الاسم، وتسمى بمازندران، وتقع جنوب بحر الخزر (قزوين)، وشمال طهران عاصمة إيران اليوم. ينظر: معجم البلدان 3/ 244، وأطلس عمر بن الخطاب رضي الله عنه ص 142.
(2)
قال ياقوت (ت: 626 هـ) عمن نسب ابن جرير للرفض: "وكذب؛ لم يكن أبو جعفر رافضيًّا"، وكذا أبطل ذلك ابن حجر (ت: 852 هـ)، وغيرهما. ينظر: معجم البلدان 1/ 57، ولسان الميزان 5/ 100. ويقال: إن ابن جرير اثنان أحدهما شيعي، وإليه ينسب القول بجواز مسح القدمين في الوضوء، وجمع أحاديث غدير خم وطرق حديث الطير. . ينظر: البداية والنهاية، لابن كثير 14/ 849.
(3)
ينظر: 1/ 561، 2/ 214، 3/ 181، 678، 732، 5/ 51، 123، 6/ 398، 9/ 95.
أداه إليه اجتهاده مما دوَّنه في كتبه، وفصله بأحسن بيان في كتابه "لطيف القول في أحكام شرائع الإسلام"، حتى قيل:"ما عمل كتاب في مذهب أجود من كتاب أبي جعفر "اللطيف" لمذهبه"
(1)
، وعرف مذهبه بـ (الجريري)، وتفقه به جماعة، قال الذهبي (ت: 748 هـ): "وبقي مذهب ابن جرير إلى ما بعد الأربعمائة"
(2)
.
وله تصانيف كثيرة فائقة الجودة والتحرير؛ حتى وصف غير واحد منها بأنه: لم يصنف مثله. قال تلميذه الفرغاني (ت: 362 هـ): "إن قومًا من تلاميذ ابن جرير حصلوا أيام حياته منذ بلغ الحلم إلى أن توفي وهو ابن ست وثمانين، ثم قسموا عليها أوراق مصنفاته، فصار منها في كل يوم أربع عشرة ورقةً، وهذا شيء لا يتهيأ لمخلوق إِلا بحسن عناية الخالق"، ونقل الخطيب (ت: 463 هـ): "أن ابن جرير مكث أربعين سنةً يكتب في كل يوم منها أربعين ورقةً"، وقال الجياني (ت: 498 هـ): "هو أكثر أهل الإسلام تصنيفًا"، وعن جودة تأليفه وحسن بيانه يقول الذهبي (ت: 748 هـ): "ولأبي جعفر في تآليفه عبارة وبلاغة". ومن أشهر تلك المصنفات:
1 -
"جامع البيان عن تأويل آي القرآن"، وقد سماه بذلك ابن جرير (ت: 310 هـ) في تاريخه
(3)
، وهو كذلك في بعض إجازاته به
(4)
. وقد بدأت فكرة تأليفه منذ صباه، حيث قال:"حدثتني به نفسي وأنا صبي"
(5)
، ويقول عن نفسه:"استخرت اللَّه تعالى في عمل كتاب التفسير، وسألته العون على ما نويته ثلاث سنين قبل أن أعمله، فأعانني"
(6)
، وقد شرع في إملاءه سنة (270 هـ) ببغداد، وكان عزم أول أمره على البسط والاستيعاب، ثم عدل عن ذلك لما رأى من ضعف همة الطلاب، فقد روى الخطيب (ت: 463 هـ): "أن أبا جعفر الطبري قال لأصحابه: أتنشطون لتفسير القرآن؛ قالوا: كم يكون قدره؟ قال: ثلاثون ألف ورقة. فقالوا: هذا مما تفنى الأعمار قبل تمامه. فاختصره في نحو ثلاثة آلاف ورقة. ثم قال: تنشطون لتاريخ العالم من آدم إلى وقتنا هذا؟ قالوا: كم قدره؟ فذكر نحوًا مما ذكره فى التفسير، فأجابوه بمثل ذلك، فقال: إنا للَّه ماتت الهمم. فاختصره في نحو مما اختصر التفسير"
(7)
، وقد أشار إلى قصد الاختصار في مقدمته حيث قال في منهج تأليفه: "بأوجز ما أمكن من
(1)
معجم الأدباء 6/ 2458.
(2)
سير أعلام النبلاء 8/ 92.
(3)
1/ 89.
(4)
ينظر: معجم الأدباء 6/ 2444.
(5)
معجم الأدباء 6/ 2453.
(6)
المرجع السابق.
(7)
تاريخ بغداد 2/ 550.
الإيجاز في ذلك، وأخصر ما أمكن من الاختصار فيه"
(1)
.
وانتشر عنه الكتاب بعد ذلك واشتهر، وأملاه مرات، منها ما أملاه من سنة (283 هـ) إلى سنة (290 هـ)، وقرئ عليه أيضًا في أواخر حياته سنة (306 هـ)
(2)
. وقد طبع مرات عديدةً واختصر، وكتبت فيه الأبحاث الوافرة.
وقد اجتهد ابن جرير (ت: 310 هـ) في تحرير تفسيره غاية التحرير، قال عبد العزيز بن محمد الطبري:"قال أبو عمر الزاهد -غلام ثعلب- وكان معروفًا زمنًا طويلًا بمقابلة الكتب: سألت أبا جعفر عن تفسير آية، فقال: قابل بهذا الكتاب من أوله إلى آخره. قلت: فقابلت، فما وجدت فيه حرفًا واحدًا خطأً في نحو ولا لغة"
(3)
. وما إن فرغ ابن جرير (ت: 310 هـ) من تدوين تفسيره وإقرائه حتى انتشر عنه شرقًا وغربًا، وتنافس الناس في نسخه وتحصيله، واشتهر به مؤلفه غاية الاشتهار، وعرف به فضله في العلم وإمامته، قال ابن كامل (ت: 350 هـ): "حمل هذا الكتاب مشرقًا ومغربًا، وقرأه كل من كان في وقته من العلماء، وكل فضله وقدمه"
(4)
، بل صار هذا التفسير معيارًا توزن به التفاسير، قال ابن حزم (ت: 456 هـ): "من مصنفات بقي بن مخلد كتاب (تفسير القرآن)، وهو الكتاب الذي أقطع قطعًا لا أستثني فيه أنه لم يؤلف في الإسلام مثله، ولا تصنيف محمد بن جرير الطبري، ولا غيره"
(5)
.
وقد شهد العلماء من زمن ابن جرير (ت: 310 هـ) فمن بعده بجلالة هذا التفسير وتفرده وسبقه، فقال ابن خزيمة (ت: 311 هـ): "نظرت فيه من أوله إلى آخره، وما أعلم على أديم الأرض أعلم من ابن جرير"
(6)
، وقال أبو حامد الإسفرائيني (ت: 406 هـ): "لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل كتاب تفسير محمد بن جرير لم يكن ذلك كثيرًا"
(7)
، وقال الخطيب (ت: 463 هـ): "كتاب ابن جرير في التفسير لم يصنف أحد مثله"
(8)
، وقال ابن العربي (ت: 543 هـ): "ولم يؤلف في الباب -أي: أحكام القرآن- أحد كتابًا به
(1)
جامع البيان 1/ 7.
(2)
ينظر: جامع البيان 1/ 3، وتاريخ بغداد 2/ 551.
(3)
معجم الأدباء 6/ 2453.
(4)
معجم الأدباء 6/ 2452.
(5)
رسائل ابن حزم 2/ 178، ومعجم الأدباء 2/ 747.
(6)
تاريخ بغداد 2/ 551.
(7)
تاريخ بغداد 2/ 550.
(8)
المرجع السابق.
احتفال إِلا محمد بن جرير الطبري؛ شيخ الدين، فجاء بالعجب العجاب، ونشر فيه لباب الألباب، وفتح فيه لكل من جاء بعده الباب، فكل أحد غرف منه على قدر إنائه، وما نقصت قطرة من مائه"
(1)
، ووصف ابن تيمية (ت: 728 هـ) هذا التفسير بأنه: "من أجل التفاسير، وأعظمها قدرًا"
(2)
، وقال:"وأما التفاسير التي في أيدي الناس فأصحها تفسير محمد بن جرير الطبري؛ فإنه يذكر مقالات السلف بالأسانيد الثابتة، وليس فيه بدعة"
(3)
، وقال السيوطي (ت: 911 هـ): "وهو أجل التفاسير وأعظمها"
(4)
، وقال بعد أن عدد طبقات المفسرين ومناهجهم:"فإن قلت: فأي التفاسير ترشد إليه، وتأمر الناظر أن يعول عليه؟ قلت: تفسير الإمام أبي جعفر ابن جرير الطبري؛ الذي أجمع العلماء المعتبرون على أنه لم يؤلف في التفسير مثله"
(5)
.
2 -
"تاريخ الأمم والملوك"، ويسمى "تاريخ الرسل والملوك"، المعروف بـ "تاريخ الطبري"، قال عنه ابن المغلس (ت: 323 هـ): "ما عمل أحد في تاريخ الزمان وحصر الكلام فيه مثل ما عمله الطبري"، وقال القفطي (ت: 624 هـ): "هو أجل كتاب في بابه"، وقد بناه على كتاب "المبتدأ والمغازي" لابن إسحاق (ت: 152 هـ)
(6)
.
3 -
"تهذيب الآثار"، قال عنه الخطيب (ت: 463 هـ): "لم أر سواه في معناه، إِلا أنه لم يتمه"، وقال القفطي (ت: 624 هـ): "وهو كتاب أعيا العلماء إتمامه"، وقال ابن كثير (ت: 774 هـ): "هو من أحسن كتبه، ولو كمل لما احتيج معه إلى شيء".
وهذه الثلاثة أجل كتبه، ومن أكبرها، وله غيرها كثير
(7)
.
أما مكانته عند العلماء فقد كانت بالمحل الأسمى؛ ومما وصف به ما قاله أبو العباس ثعلب (ت: 291 هـ): "ذاك من حذاق مذهب الكوفيين"
(8)
، قال ابن مجاهد (ت: 324 هـ): "وهذا كثير من أبي العباس ثعلب، لأنه كان شديد النفس، قليل الشهادة
(1)
المسألك في شرح موطأ مالك 1/ 102. وينظر: أحكام القرآن 1/ 19.
(2)
مجموع الفتاوى 13/ 361.
(3)
مجموع الفتاوى 13/ 385.
(4)
الإتقان في علوم القرآن 6/ 2342.
(5)
المرجع السابق 6/ 2346.
(6)
ينظر: معجم الأدباء 6/ 2446.
(7)
ينظر: الفهرست ص 287، وتاريخ بغداد 2/ 548، ومعجم الأدباء 6/ 2457.
(8)
ولأبي جعفر (ت: 310 هـ) كتاب في النحو على مذهب الكوفيين، كما في معجم الأدباء 1/ 191.