الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
الحمد للَّه والصلاة والسلام على رسول اللَّه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
فَتَتَباين كثير من الآراء المعاصرة في قضية نقد مرويات التفسير والمغازي بين من يرى التساهل في التعامل معها، ومن يرى التشدد في ذلك؛ ويحشد كل فريق لتقرير رأيه من آراء النقاد وتطبيقاتهم ما يقوي قوله، بلا تحرير في الغالب لمعنى التشدد أو التساهل، وبلا بيان في الغالب لدرجات ومناطات التشدد أو التساهل.
بل وصل الأمر عند البعض إلى تصوير القضية بأن فيها منهجين متغايرين؛ منهج يعتمد التشدد في التعامل مع المرويات وهو منهج المحدِّثين بحسب تصورهم، ومنهج يعتمد التساهل مع المرويات وهو منهج المفسرين بحسب تصورهم، وتلا ذلك تطبيقات عملية منطلقة من المنهج الذي يعتقد كل فريق من المعاصرين صحته، من مثل تجريد كتب التفسير وغيرها من الآثار الضعيفة وإخراج صحيح التفسير، وتناول أسانيد كتب التفسير وغيرها بالحكم على كل إسناد من أسانيدها وبيان اتصاله أو انقطاعه، أو من دعوات معاكسة ترى ضرورة التساهل مع تلك المرويات وإغضاء الطرف عنها.
والبحث إذ يشير لهذا التباين وذلك الاختلاف بين بعض المعاصرين = يقرر كذلك أن ليس ثمة اختلاف في تلك القضية، وأن بعض صور الاختلاف المدَّعى فيها بين بعض المعاصرين لم تؤثر على ذات القضية، ولم يكن له واقع لا في تنظيرات السابقين ولا تطبيقاتهم، وأن منشأ الاختلاف الجديد فيها راجع إلى إشكالات متعددة؛ من أبرزها: عدم استحضار الصورة الكاملة لمنهج المحدثين في التعامل مع كافة المرويات، والاكتفاء بالنظر إلى بعض جزئياته دون بعض، وتعميم بعض إطلاقات الأئمة في بعض الرواة أو المرويات على كافتها، وتقزيم المنهج الممتد الأرجاء في الدراسة الظاهرية للإسناد، وقلة الخبرة بمسالك النقاد ونفوذ بصائرهم إلى الدقائق والخفايا.
والبحث إذ يعالج تلك القضية؛ فمن الضروري بيانه أن بعض منطلقاته خارجة عن
حدود ذلك الاختلاف، وأن محاكمة تلك المنطلقات لذلك الاختلاف المُحْدَث خروج به عن مساره وعدول به عن هدفه.
ذلك أن البحث وإن كان المقصود منه منذ البداية بيان منهجية التعامل مع مرويات التفسير، وبهذا التوجه بدأ؛ فإنه كشف عن أن منهج المحدثين في التعامل مع كافة المرويات منهج واحد لا تختلف كلياته الكبرى ومحاوره الكلية، ولكن تختلف آلياته وإجراءاته ومستويات تطبيقه وتنزيله من علم إلى علم؛ وهذا الاختلاف في مستويات التطبيق والتنزيل هو أمارة دقة المنهج وتكامله، وإن الزعم بأنه منهج واحد حتى في مستويات التنزيل والتطبيق والآليات والإجراءات زعم باطل، إذ فيه عدول تام عن المنهج، وغفلة تامة عن تمام إدراكه، وقصور ضخم في تصوره بَلْه تطبيقه وإعماله، ولذا سيكون مثار تعجب البعض أثناء تناول قضية ثبوت الأخبار خاصة = أن مرويات التفسير لم يكن لها -من وجهة نظرهم- ذلك البروز الذي يتناسب مع كون البحث منعقد لأجلها، وأن البحث يغرِّد بعيدًا عنها، وحقيقة الأمر بخلاف ذلك؛ وإنما مرد ذلك إلى أن فقه منهج ثبوت الأخبار هو الأصل والميزان الذي مَنْ ضَبَطَهُ ضبط كل ما تحته من قضايا ومسائل؛ ذلك أن من المشكلات البحثية الكبرى أن يسلط نظر البحث على جزئيات المسائل ويغفل بحث الكليات الكبرى والأطر المفصلية التي تقوم الجزئيات لخدمتها وتحقيقها.
إن منهج المحدّثين منهج متكامل؛ وليس من الصواب ادعاء الانفصام بينه وبين المرويات المتعلقة بالتفسير والمغازي والفضائل وخروجها عن إطاره وشروطه، وليس من الصواب كذلك إجراؤه على نمط واحد مع كافة المرويات المرتبطة به والداخلة تحت نطاقه، وتعميم إطلاقات نُقَّاده وأحكامهم على كافة المرويات دون التنبه لمواطن تلك الإطلاقات وسياقاتها، ولا لكيفيات تنزيلها؛ ذلك أن حال الناقد البصير بالمنهج مع الرواية كحال الطبيب الحاذق الذي يختلف توصيفه للمرض الواحد باختلاف الأشخاص واختلاف البلدان واختلاف الأحوال، واختلاف درجة المرض قوة وضعفًا؛ بل ربما اختلاف التوصيف للشخص الواحد من وقت إلى وقت ومن حال إلى حال؛ وإنما الصواب في ذلك كله إعماله وفق منهجيته الدقيقة التى تنساب مع كل رواية بحسبها وتتعامل معها بميزان دقيق يناسبها.
وقد تأملت تلك القضية فظهر لي أن معاقد الخطأ في تناولها راجعة إلى عدة أمور؛ أهمها:
1 -
عدم مراعاة منهج المحدِّثين بصورته الكاملة، التي كان من نتائجها:
أ- تحويل القضية من ساحة المنهج المتكامل في التعامل مع المرويات إلى ساحة الدراسة الظاهرية للإسناد وحصر القضية فيها.
ب- تصوير قضية منهج التعامل مع أسانيد التفسير بأن فيها منهجًا للمحدِّثين يختلف تمامًا عن منهج المفسرين، وذلك عارٍ تمامًا من الصواب؛ بل كبار المفسرين الذين صنفوا في التفسير -وعلى مصنفاتهم المعول في معظم مرويات التفسير كابن جرير وابن أبي حاتم- لم يخالفوا منهج المحدثين في أسسه وكلياته، وفي فهمه وتطبيقاته في مصنفاتهم التفسيرية.
ج- عدم مراعاة الظروف المحتفة بنشأة الإسناد وأثرها في تفاوت درجات الإسناد بالنسبة للمرويات، وأثر ذلك التفاوت على التعامل معها.
د- عدم مراعاة الانفكاك بين مقام ثبوت الرواية عن قائلها ومقام مضمون الرواية.
2 -
عدم التنبه لغرض المصنفين من إيراد المرويات الضعيفة.
ولذا؛ فعلى المتصدي لنقد الأخبار أو تحقيق الكتب مراعاة تلك الأشياء مجتمعة، والنظر إلى تلك الجوانب مكتملة حتى تتحقق له الفائدة المرجوّة من عمله. وبمقدار النقص في النظر لتلك الجوانب تكون صورة المنهج النقدي مشوّشة وغير مكتملة وينعكس ما فيها من خداج على التطبيقات العملية.
وقد أراد البحث تسليط النظر على تلك الجوانب مكتملة؛ فجاءت خطته مقسّمة على مقدمة وفصلين:
الفصل الأول: جهات النظر في التعامل مع الخبر؛ ويتضمن ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: جهة الثبوت.
المبحث الثاني: جهة المعنى.
المبحث الثالث: جهة أغراض المصنفين.
الفصل الثاني: مرويات التفسير: المحددات والقرائن وتطبيقات المحررين؛ وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: المحددات العامة للتعامل مع مرويات التفسير.
المبحث الثاني: القرائن المختصة بمرويات التفسير وأثرها.
المبحث الثالث: تطبيقات المنهج عند المفسرين المحررين.