الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابعًا الربيع بن أنس (ت: 139 هـ)
(1)
الربيع بن أنس بن زياد البكري البصري ثم الخراساني المروزي، من بكر بن وائل من أنفسهم، وكان من أهل البصرة، ثم نزل مرو هاربًا من الحجاج، فمكث فيها إلى أن ظهرت دعوة بني العباس، فطُلب فاختفى، ثم سجنه أبو مسلم الخراساني تسعة أعوام، حتى مات في سجنه -فيما ذُكر-، وذلك في خلافة أبي جعفر المنصور عام 139 هـ، وقيل: عام 140 هـ.
سمع: أنس بن مالك، وقال ابن سعد: لقي ابن عمر، وجابرًا رضي الله عنه.
كما أخذ عن أبي العالية الرياحي، وأكثر عنه، حتى كان راويته الذي روى أغلب علمه وحفظه لمن بعده، وتقدم في ترجمة أبي العالية أن علمه ذهب لعدم وجود من يروي عنه، إِلا ما رواه الربيع.
كذلك أخذ عن الحسن البصري، وفي ذلك يقول:"اختلفت إلى الحسن عشر سنين -أو ما شاء اللَّه من ذلك- فليس من يوم إِلا وأنا أسمع منه شيئًا لم أسمعه قبل ذلك"
(2)
.
روى عن الربيع: سليمان التيمي، والأعمش -وهما من أقرانه-، وليث بن أَبي سليم، ومقاتل بن حيان، والحسين بن واقد، وسفيان الثوري، وأبو جعفر الرازي، وعبد اللَّه بن المبارك، وآخرون.
وكان عالم مرو في زمانه.
*
مكانته في التفسير وآثاره:
قال عنه ابن خلفون: "كان عالمًا بتفسير القرآن"
(3)
. وقال الذهبي: "روى كثيرًا
(1)
تنظر ترجمته في: الطبقات الكبرى لابن سعد 7/ 370، الجرح والتعديل 3/ 42، تهذيب الكمال 9/ 61، إكمال تهذيب الكمال 4/ 329، تاريخ الإسلام 3/ 646، سير أعلام النبلاء 6/ 170.
(2)
الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 3/ 42.
(3)
إكمال تهذيب الكمال 4/ 329.
من التفسير والمقاطيع"
(1)
.
وقد أخذ التفسير عن أبي العالية فأكثر عنه كما تقدم، وروى أغلب تفسير أبي العالية، لكن الملاحظ أن كثيرًا من تفسيره الاجتهادي يكاد يطابق تفسير أبي العالية، فتجد الطبري -مثلًا- يرويه بسنده إلى الربيع موقوفًا عليه، بينما يرويها ابن أبي حاتم عن الربيع عن أبي العالية
(2)
. مما جعل البعض يكاد يجزم بأن جميعه عن أبي العالية وليس للربيع فيه إِلا الرواية والنقل دون الدراية والاجتهاد، ومن هنا عدَّ الربيع من الرواة وليس من المفسرين
(3)
، لكن يبقى الأمر على ظاهره، والأصل أن القول يُنسب إلى قائله، حتى يصرِّح بأنه يرويه عن غيره، والعمل على ذلك عند كبار نقَلَة التفسير المأثور كابن جرير الطبري؛ الذي نسب أغلب تلك الآثار إلى الربيع
(4)
، وعلى القول أنها لأبي العالية فطالما أنه تبنى تلك الآراء فهي من قوله أيضًا وتُنسب إليه. وقد حاول الثعلبي عند ذكر مصادر تفسيره التخلص من هذا الإشكال فنسب النسخة التفسيرية التي يرجع إليها من تفسيريهما إليهما معًا فقال:"تفسير أبي العالية والربيع" ثم ساق سنده إلى أبي جعفر الرازي عن الربيع عن أبي العالية
(5)
.
وقد سارت الموسوعة على نسبة التفسير إلى الربيع كما هي في المصادر، فبلغت آثار تفسيره الاجتهادية (878) أثرًا
(6)
، وهو عدد لا بأس به لكنه لا يرقى لأن يكون في الطبقات الأُوَل من مفسري السلف، مع أن الربيع طال به العمر ونزل في بيئة بِكْر يستطيع أن يبث بها علمه ويكثر، وهي مدينة مرو بخراسان، فما الأسباب التي أدت إلى ذلك؟ !
لعل من أبرز أسباب قلة تفسير الربيع بن أنس ما يلي:
(1)
تاريخ الإسلام 3/ 646.
(2)
ينظر -على سبيل المثال-: تفسير الآيات 26 - 33 من سورة البقرة في الموسوعة.
(3)
ينظر: تفسير التابعين 1/ 444 - 446.
(4)
يلاحظ أن ابن أبي حاتم الذي يروي تلك الآثار عن أبي العالية كثيرًا ما يثني بتلك الروايات عن الربيع معلقة، مما يدل على أنه يرى أيضًا نسبة الأثر إلى الربيع.
(5)
ينظر: تفسير الثعلبي، ط. دار التفسير 2/ 85 - 88.
(6)
يلاحظ أن أغلبها في الربع الأول من القرآن لا سيما في سورة البقرة، ولعل سبب ذلك هو أن ابن أبي حاتم يروي أغلب تلك الآثار عن أبي العالية، ثم يعلق نحوها عن الربيع، وقد ذكر في مقدمته أن كل ما يعلقه عن الربيع في سورة البقرة فهي مسندة بسنده الذي ذكره في المقدمة. ينظر: تفسير ابن أبي حاتم 1/ 15، وبهذا الصنيع روى عن أبي العالية والدي ومقاتل بن حيان.
1 -
كثرة اشتغاله بالرواية عن شيخه أبي العالية، بل اعتماده عليه في أغلب تفسيره، مما يدل على أن الربيع لم يجتهد كثيرًا في التفسير، وهو سبب كافٍ لأن يقل نتاجه التفسيري.
2 -
حصول بعض الفتن له: حيث غادر البصرة إلى خراسان هربًا من الحجاج، ولبث عدد سنين هناك، ثم سجن آخر حياته، قال أبو داود:"سجن بمرو ثلاثين سنة". قال الذهبي معقبًا على ذلك: "سجنه أبو مسلم تسعة أعوام، وتحيل ابن المبارك حتى دخل إليه، فسمع منه"
(1)
، وكوْن ابن المبارك لم يتمكن من الأخذ عنه إِلا بالحيلة يدل على أنه انقطع تمامًا عن طلبة العلم وعن بثِّ علمه.
3 -
عدم وجود رواة اختصوا بنقل آثاره وروايتها، إِلا ما كان من أبي جعفر الرازي
(2)
الذي نقل تفسيره وتفسير شيخه أبي العالية، ويكاد أغلب ما وجد من تفسيريهما منقول من طريق نسخته
(3)
.
(1)
سير أعلام النبلاء 6/ 170.
(2)
أبو جعفر الرازي: عيسى بن ماهان التيمي، مولاهم، مشهور بكنيته. من كبار أتباع التابعين، أصله من مرو، من قرية يقال لها برز، وهي القرية التي نزلها الربيع بن أنس أولًا، وبها سمع أبو جعفر من الربيع بن أنس، ثم تحول أبو جعفر بعد ذلك إلى الري، فمات بها في حدود عام 160 هـ، وكان يقدم بغداد والكوفة للحج فيسمعون منه، وهو صدوق سيئ الحفظ.
ينظر: طبقات ابن سعد 7/ 380، التقريب (8077).
(3)
تنظر أسانيد هذه النسخة عند: الطبري وابن أبي حاتم والثعلبي في كتاب أسانيد نسخ التفسير ص 110 - 112.