الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفسير، أو ما ينسبه لذلك الشخص؛ فالربيع بن أنس لم يرو في التفسير إِلا عن أبي العالية فقط، ليس له رواية عن غيره، وليس له عناية بغيره، كذلك السُّدِّي ليس له رواية -على الإطلاق- في التفسير إِلا عن عبد اللَّه بن عباس، وعن ابن مسعود شيئًا يسيرًا، وإن لم ينسبه فهو عنهما في الأغلب؛ فإن نفسه هو نفس عبد اللَّه بن عباس، وكذلك فإن جلَّ تفسيره من طريق أسباط بن نصر"
(1)
.
*
القرينة الثانية: الخطأ في التفسير فيما كان سبيل بيانه لغة العرب نادر أو مأمون الجانب:
إذا كان الخطأ هو الذي يحذر النقاد من تسلّله للرواية؛ فمن الطبيعي أن لواقع الزمن أثرًا في نسبة وقوع هذا الخطأ ونوعه في الآثار المروية، ولما كان معظم المروي في التفسير سبيل بيانه لغة العرب باعتبارها هي المعتمد عليها في بيان معانيه، وكانت أزمنة الرواية لا تزال الفصاحة فيها فاشية واللحن فيها مستبشعًا ظاهرًا ينكره العامة قبل الخاصة كان الخطأ من هذه الناحية نادرًا أو مأمون الجانب؛ فإن وقع كان ظاهرًا بل مفضوحًا، لا يروج على العامة فضلًا عمّن سواهم، فإن النقاد تساهلوا مع المرويات التفسيرية التي من هذا القبيل؛ لأن التشدد خفت دواعيه أو زالت بالأمن من الخطأ. قال البيهقيّ:"وإنما تساهلوا في أخذ التفسير عنهم، لأن ما فسروا به ألفاظه تشهد لهم به لغات العرب، وإنما عملهم في ذلك الجمع والتقريب فقط"
(2)
.
قال الطريفي: "تفسير الضعفاء موافق لوجوه اللغة في الغالب، وبالسبر لمرويات الضعفاء في التفسير؛ فإنها -في الغالب- لا تخالف وجهًا من وجوه العربية؛ فإن خالفت وجهًا فإنها تُحْمَل على الوجه الآخر، الذي لا يخالف نصًّا ولا حكمًا ولا أصلًا"
(3)
.
*
القرينة الثالثة: تعدد المفسرين القائلين بالمعنى الواحد:
وهذه القرينة تفيد في بيان ثبوت أصل المعنى عن السلف، فلا بد لمن يعالج مرويات التفسير من النظر الشامل للروايات قبل الحكم بنفي ثبوت معنى من المعاني
(1)
التقرير في أسانيد التفسير ص 71، 72.
(2)
دلائل النبوة للبيهقي 1/ 37.
(3)
التقرير في أسانيد التفسير ص 24.
المروية عن السلف في التفسير؛ إذ لا يصح نفي ثبوت المعنى عن جملة السلف لمجرد أن أسانيد كل رواية ضعيفة عمّن نسبت إليه، إذ كثيرًا ما تتعدد الأسانيد الواردة عن السلف في معنى آية، وهي على تعددها تأتي لمعنى واحد أو متقارب، وإن اختلفت الألفاظ المعبر بها عن هذا المعنى، فيُشْعِر تعدد الطرق أن لهذا المعنى أصلًا عن السلف، فالناظر في الأسانيد الواردة عن السلف لا يسوغ له أن يصرح بعدم ثبوت معنى عن السلف لمجرد ضعف كل رواية على حدة، بل ينبغي عليه أن يجمع الطرق والأسانيد ثم ينظر في المعنى الذي دل عليه مجموع هذه الروايات؛ فإن كان المعنى متحدًا أو متقاربًا -وهذا كثير- حكم بثبوت هذا المعنى عن السلف، إذ تعدد الطرق للمراسيل والمنقطعات التي هي الغالبة في التفسير، والنظر في الشواهد وما إلى ذلك مما يزيد في الطمأنينة إلى كثير من هذه الأخبار والنقولات.
وقد أشار إلى هذا شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: "ومعلوم أن المنقول في التفسير أكثره كالمنقول في المغازي والملاحم؛ ولهذا قال الإمام أحمد: "ثلاثة أمور ليس لها إسناد: التفسير والملاحم والمغازي"، ويروى: ليس لها أصل، أي: إسناد، لأن الغالب عليها المراسيل. . . والمراسيل إذا تعددت طرقها، وخلت عن المواطأة قصدًا أو الاتفاق بغير قصد؛ كانت صحيحة قطعًا، فإن النقل إما أن يكون صدقًا مطابقًا للخبر، وإما أن يكون كذبًا تعمد صاحبه الكذب أو أخطأ فيه؛ فمتى سلم من الكذب العمد والخطأ كان صدقًا بلا ريب.
فإذا كان الحديث جاء من جهتين أو جهات، وقد علم أن المخبرين لم يتواطؤوا على اختلاقه، وعلم أن مثل ذلك لا تقع الموافقة فيه اتفاقًا بلا قصد، علم أنه صحيح. . . وبهذه الطريقة يعلم صدق عامة ما تتعدد جهاته المختلفة على هذا الوجه من المنقولات، وإن لم يكن أحدها كافيًا؛ إما لإرسأله، وإما لضعف ناقله، ولكن مثل هذا لا تضبط به الألفاظ والدقائق التي لا تعلم بهذه الطريقة، بل يحتاج ذلك إلى طريق يثبت بها مثل تلك الألفاظ والدقائق. . . وهذا الأصل ينبغي أن يعرف فإنه أصل نافع في الجزم بكثير من المنقولات في الحديث والتفسير والمغازي، وما ينقل من أقوال الناس وأفعالهم وغير ذلك"
(1)
.
(1)
مقدمة في أصول التفسير ص 48، 53، بتصرف.