الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"أملى علي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم هذه الآية {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ} [المؤمنون: 12]، إلى قوله {خَلْقًا آخَرَ} [المؤمنون: 14]. فقال معاذ بن جبل: فتبارك اللَّه أحسن الخالقين. فضحك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. فقال له معاذ: مم ضحكت يا رسول اللَّه؟! قال: "بها ختمت: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: 14]". قال ابن كثير (ت: 774 هـ) منتقدًا: "جابر بن يزيد الجعفي ضعيف جدًّا، وفي خبره هذا نكارة شديدة؛ وذلك أن السورة مكية، وزيد بن ثابت إنما كتب الوحي بالمدينة، وكذلك إسلام معاذ بن جبل إنما كان بالمدينة أيضًا"
(1)
.
ب - نقد أسانيد مرويات السلف، كما في قول ابن جرير (ت: 310 هـ): "وذلك قول يروى عن ابن عباس، تركنا ذكره؛ لأن في إسناده من لا نستجيز ذكره"
(2)
، وكذا قوله في قوله تعالى:{أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى} [الأنعام: 19]: "وقد ذكر أن هذه الآية نزلت في قوم من اليهود بأعيانهم، من وجه لم تثبت صحته"
(3)
، وعلق ابن عطية (ت: 541 هـ) على أثر لابن عباس رضي الله عنهما بقوله: "الإسناد في مثل هذا غير وثيق"
(4)
، وقال ابن تيميه (ت: 728 هـ) معلقًا على بعض الآثار في التفسير: "وهذا الحديث رواه الحاكم في مستدركه، وهذا مما أنكره عليه العلماء، فإن عبد الملك بن هارون من أضعف الناس، وهو عند أهل العلم بالرجال متروك، بل كذاب"
(5)
، وقال ابن القيم (ت: 751 هـ) عن قول ينسب لابن عباس رضي الله عنهما: "وهذا القول ضعيف جدًّا، وهو منقطع عن ابن عباس، والصحيح عنه خلافه"
(6)
، وقال ابن كثير (ت: 774 هـ) عن أثر متكرر في التفسير: "هذا الإسناد ضعيف لا يعتمد عليه، ورفع هذا الحديث منكر، وقد يكون من كلام الصحابي، أو من دونه، واللَّه أعلم. وكثيرًا ما يأتي بهذا الإسناد تفاسير فيها نكارة، فلا يغتر بها؛ فإن السند ضعيف"
(7)
.
5 - الاستدلال بآثار السلف والاعتماد عليها
(8)
:
وهذه ثمرة اعتقاد إمامة السلف في الدين والعلم، وكمالهم في الفضل والعقل،
(1)
تفسير القرآن العظيم 10/ 116.
(2)
جامع البيان 19/ 606.
(3)
جامع البيان 9/ 185.
(4)
المحرر الوجيز 1/ 180.
(5)
تفسيره 1/ 271.
(6)
تفسيره 1/ 171.
(7)
تفسير القرآن العظيم 2/ 38.
(8)
خصصت هذا المبحث بمزيد بيان لشدة تعلقه بمادة الموسوعة.
كما أنها أجل غاية حملت العلماء على جمع واستيعاب أقوال السلف، وتفهمها وتوجيهها، وفحصها ونقدها.
ومن جليل ما يتنبه إليه هنا: أن تعظيم هؤلاء الأئمة للسلف، والاستدلال بآثارهم، واعتقاد تقدمهم على من بعدهم في كل علم ودين ليس أثرًا من الإيمان بالنصوص الموجبة لذلك فحسب؛ وإنما جاء نابعًا أيضًا من مقتضيات ومزايا توفرت لعلومهم ولم تتوفر لمن بعدهم، أو لم تكن فيمن بعدهم كما كانت فيهم؛ كمعاصرة النزول، ومشاهدة قرائن التنزيل، وسليقية اللغة، وشدة حرصهم على تعرف ألفاظ القرآن ومعانيه، ونحو ذلك. فدلالة العقل، ومقتضى الفطرة، والعادة المطردة أيدت مقتضى النصوص في تقرير هذا الأصل العلمي المنهجي، ومن نقول الأئمة في بيان ذلك قول ابن تيمية (ت: 728 هـ): "التفسير الثابت عن الصحابة والتابعين إنما قبلوه لأنهم قد علموا أن الصحابة بلغوا عن النبي صلى الله عليه وسلم لفظ القرآن ومعانيه جميعًا، كما ثبت ذلك عنهم، مع أن هذا مما يعلم بالضرورة عن عادتهم؛ فإن الرجل لو صنف كتاب علم في طب أو حساب أو غير ذلك، وحفظه تلامذته، لكان يعلم بالاضطرار أن هممهم تشوق إلى فهم كلامه ومعرفة مراده، وأن بمجرد حفظ الحروف لا تكتفي به القلوب، فكيف بكتاب اللَّه الذي أمر ببيانه لهم، وهو عصمتهم، وهداهم، وبه فرق اللَّه بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والرشاد والغي، وقد أمرهم بالإيمان بما أخبر به فيه، والعمل بما فيه، وهم يتلقونه شيئًا بعد شيء، كما قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً} الآية [الفرقان: 32]، وقال تعالى: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} [الإسراء: 106]، وهل يتوهم عاقل أنهم كانوا إنما يأخذون منه مجرد حروفه وهم لا يفقهون ما يتلوه عليهم، ولا ما يقرؤونه، ولا تشتاق نفوسهم إلى فهم هذا القول، ولا يسألونه عن ذلك، ولا يبتدئ هو بيانه لهم! ! هذا مما يعلم بطلانه أعظم مما يعلم بطلان كتمانهم ما تتوفر الهمم والدواعي على نقله"
(1)
، وقال:"بل من المعلوم أن رغبة الرسول في تعريفهم معاني القرآن أعظم من رغبته في تعريفهم حروفه؛ فإن معرفة الحروف بدون المعاني لا تحصل المقصود، إذ اللفظ إنما يراد للمعنى"
(2)
، وقال أيضًا: "من المحال أن تكون القرون الفاضلة؛ القرن الذي بعث فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم،
(1)
بغية المرتاد ص 330.
(2)
مجموع الفتاوى 5/ 157.
كانوا غير عالمين وغير قائلين في هذا الباب بالحق المبين؛ لأن ضد ذلك إما عدم العلم والقول، وإما اعتقاد نقيض الحق، وقول خلاف الصدق، وكلاهما ممتنع؛ أما الأول: فلأن من في قلبه أدنى حياة، وطلب للعلم، أو نهمة في العبادة يكون البحث عن هذا الباب، والسؤال عنه، ومعرفة الحق فيه أكبر مقاصده، وأعظم مطالبه. .؛ وليست النفوس الصحيحة إلى شيء أشوق منها إلى معرفة هذا الأمر، وهذا أمر معلوم بالفطرة الوجدية، فكيف يتصور مع قيام هذا المقتضي -الذي هو من أقوى المقتضيات- أن يتخلف عنه مقتضاه في أولئك السادة، في مجموع عصورهم، هذا لا يكاد يقع في أبلد الخلق، وأشدهم إعراضًا عن اللَّه، وأعظمهم إكبابًا على طلب الدنيا، والغفلة عن ذكر اللَّه تعالى، فكيف يقع في أولئك! وأما كونهم كانوا معتقدين فيه غير الحق أو قائليه، فهذا لا يعتقده مسلم، ولا عاقل عرف حال القوم"
(1)
. وسيأتي مزيد بيان لهذا في مستند أقوال السلف فيما يأتي.
وقد أقام الأئمة الخمسة تفاسيرهم على اعتماد أقوال السلف أصلًا في فهم معاني القرآن؛ يحتكم إليه، ويعتمد عليه، وتوزن به الأقوال صوابًا وخطأً، وقبولًا وردًّا؛ فقد قرر ابن جرير (ت: 310 هـ) في مقدمة تفسيره أن ضابط إصابة الحق في التفسير: عدم الخروج عن أقوال السلف؛ فقال: "أحق المفسرين بإصابة الحق في تأويل القرآن الذي إلى علم تأويله للعباد السبيل أوضحهم حجةً فيما تأول وفسر. .، كائنًا من كان ذلك المتأول والمفسر، بعد ألا يكون خارجًا تأويله وتفسيره ما تأول وفسر من ذلك عن أقوال السلف من الصحابة والأئمة، والخلف من التابعين وعلماء الأمة"
(2)
.
بل جعل الخروج عن أقوال السلف شاهدًا كافيًا على خطأ ذلك القول، كما في قوله:"وذلك قول لقول أهل التأويل مخالف، وكفى بخروجه عن قول أهل العلم من الصحابة والتابعين، فمن بعدهم من الخالفين، على خطئه شاهدًا"
(3)
.
وبيَّن في كثير من المواضع من تفسيره عدم جواز القول بخلاف قول السلف وإن كان محتملًا، ومن قوله في ذلك:"وهذه الأقوال وإن كانت غير بعيدات المعنى مما تحتمله الآية من التأويل، فإن تأويل أهل التأويل من علماء سلف الأمة بخلافها؛ فلذلك لم نستجز صرف تأويل الآية إلى معنًى منها"
(4)
، ورد قولًا وقال: "وهذا قول
(1)
مجموع الفتاوى 5/ 7.
(2)
جامع البيان 1/ 89.
(3)
جامع البيان 7/ 116.
(4)
جامع البيان 2/ 138.
مخالف تأويل من ذكرنا تأويله من أهل العلم في تأويل {الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ} [البقرة: 177]، وإن كان صحيحًا على مذهب العربية"
(1)
، وعلل ذلك بأن انحصار أقوال السلف في قولين فأكثر إجماع منهم على أن الصواب في أحدها، ومن شواهد ذلك قوله:"وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية ما قاله ابن عباس. .؛ لأنه لا خلاف بين جميع أهل التأويل أن تأويل ذلك غير خارج عن أحد الوجهين اللذين وصفت. .، فإذ كان لا قول في تأويل ذلك إِلا أحد القولين اللذين وصفت، ثم كان أحدهما غير موجودة على صحته الدلالة من الوجه الذي يجب التسليم له صح الوجه الآخر"
(2)
، وقوله:"وهذا قول لا نعلم له قائلًا من متقدمي العلم قاله وإن كان له وجه؛ فإذا كان ذلك كذلك، وكان غير جائز عندنا أن يتعدى ما أجمعت عليه الحجة، فما صح من الأقوال في ذلك إِلا أحد الأقوال التي ذكرناها عن أهل العلم"
(3)
، ومن ثم كان ابن جرير (ت: 310 هـ) يتقي ما لم يسبقه إليه أحد من السلف، كما في قوله عند قوله تعالى:{وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} [مريم: 25]: "وقد كان -لو أن المفسرين كانوا فسروه كذلك-: وهزي إليك رطبًا بجذع النخلة. بمعنى: على جذع النخلة وجهًا صحيحًا، ولكن لست أحفظ عن أحد أنه فسره كذلك"
(4)
.
واعتمد ابن عطية (ت: 541 هـ) أقوال السلف في استدلاله في مواضع، كما في قوله:"ولفظ الآية إنما يعطي طلب المغفرة، وهكذا تأوله من ذكرناه من الصحابة"
(5)
.
أما ابن تيمية (ت: 728 هـ) فقد تصدى لتقرير هذا الأصل العظيم في كثير من كلامه؛ فبيَّن أن الصحابة تلقوا بيان القرآن عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، كما في قوله:"يجب أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن لأصحابه معاني القرآن كما بيَّن لهم ألفاظه، فقوله تعالى ({لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] يتناول هذا وهذا"
(6)
، وقال:"بل من المعلوم أن رغبة الرسول في تعريفهم معاني القرآن أعظم من رغبته في تعريفهم حروفه؛ فإن معرفة الحروف بدون المعاني لا تحصل المقصود، إذ اللفظ إنما يراد للمعنى"
(7)
.
وبيَّن وجه اقتضاء ذلك من جهة العادة فقال: "التفسير الثابت عن الصحابة والتابعين إنما قبلوه لأنهم قد علموا أن الصحابة بلغوا عن النبي صلى الله عليه وسلم لفظ القرآن
(1)
جامع البيان 3/ 89.
(2)
جامع البيان 1/ 533.
(3)
جامع البيان 23/ 179.
(4)
جامع البيان 15/ 512.
(5)
المحرر الوجيز 1/ 411.
(6)
مجموع الفتاوى 13/ 331.
(7)
مجموع الفتاوى 5/ 157.
ومعانيه جميعًا، كما ثبت ذلك عنهم، مع أن هذا مما يعلم بالضرورة عن عادتهم؛ فإن الرجل لو صنف كتاب علم في طب أو حساب أو غير ذلك، وحفظه تلامذته، لكان يعلم بالاضطرار أن هممهم تشوق إلى فهم كلامه ومعرفة مراده، وأن بمجرد حفظ الحروف لا تكتفي به القلوب، فكيف بكتاب اللَّه الذي أمر ببيانه لهم، وهو عصمتهم، وهداهم، وبه فرق اللَّه بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والرشاد والغي، وقد أمرهم بالإيمان بما أخبر به فيه، والعمل بما فيه، وهم يتلقونه شيئًا بعد شيء، كما قال تعالى:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً} الآية [الفرقان: 32]، وقال تعالى:{وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} [الإسراء: 106]، وهل يتوهم عاقل أنهم كانوا إنما يأخذون منه مجرد حروفه وهم لا يفقهون ما يتلوه عليهم، ولا ما يقرؤونه، ولا تشتاق نفوسهم إلى فهم هذا القول، ولا يسألونه عن ذلك، ولا يبتدئ هو بيانه لهم! ! هذا مما يعلم بطلانه أعظم مما يعلم بطلان كتمانهم ما تتوفر الهمم والدواعي على نقله"
(1)
.
وبيَّن ذلك من جهة العقل والفطرة أيضًا فقال: "من المحال أن تكون القرون الفاضلة؛ القرن الذي بعث فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، كانوا غير عالمين وغير قائلين في هذا الباب بالحق المبين؛ لأن ضد ذلك إما عدم العلم والقول، وإما اعتقاد نقيض الحق، وقول خلاف الصدق، وكلاهما ممتنع؛ أما الأول: فلأن من في قلبه أدنى حياة، وطلب للعلم، أو نهمة في العبادة يكون البحث عن هذا الباب، والسؤال عنه، ومعرفة الحق فيه أكبر مقاصده، وأعظم مطالبه. .، وليست النفوس الصحيحة إلى شيء أشوق منها إلى معرفة هذا الأمر، وهذا أمر معلوم بالفطرة الوجدية، فكيف يتصور مع قيام هذا المقتضي -الذي هو من أقوى المقتضيات- أن يتخلف عنه مقتضاه في أولئك السادة، في مجموع عصورهم، هذا لا يكاد يقع في أبلد الخلق، وأشدهم إعراضًا عن اللَّه، وأعظمهم إكبابًا على طلب الدنيا، والغفلة عن ذكر اللَّه تعالى، فكيف يقع في أولئك! وأما كونهم كانوا معتقدين فيه غير الحق أو قائليه، فهذا لا يعتقده مسلم، ولا عاقل عرف حال القوم"
(2)
.
ثم بيَّن اللوازم الباطلة المترتبة على القول بجهل الصحابة ببعض معاني القرآن
(1)
بغية المرتاد ص 330.
(2)
مجموع الفتاوى 7/ 5.
الكريم، فقال:"ومن زعم أنه لم يبين لهم معاني القرآن، أو أنه بيَّنها وكتموها عن التابعين، فهو بمنزلة من زعم أنه بيَّن لهم النص على علي، وشيئًا آخر من الشرائع والواجبات، وأنهم كتموا ذلك، أو أنه لم يبين لهم معنى الصلاة والزكاة والصيام والحج، ونحو ذلك مما يزعم القرامطة أن له باطنًا يخالف الظاهر، كما يقولون: إن الصلاة معرفة أسرارهم، والصيام كتمان أسرارهم، والحج زيارة شيوخهم. .، ونحو ذلك من تفسير القرامطة"
(1)
، ومن ثم يتقرر أن العدول عن فهم السلف أصل الضلال والخطأ في تفسير القرآن الكريم، وقال في هذا:"أصل وقوع أهل الضلال في مثل هذا التحريف: الإعراض عن فهم كتاب اللَّه تعالى كما فهمه الصحابة والتابعون"
(2)
، وقال:"من عدل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئًا في ذلك، بل مبتدعًا"
(3)
.
وقد اعتنى ابن القيم (ت: 751 هـ) ببيان وجوب اعتماد الأقوال السلفية في فهم الدين، ففصل دلالة قوله تعالى:{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة: 100] في عشر صفحات، وذكر بعدها ستةً وأربعين وجهًا مستدلّا بها على هذا المعنى
(4)
، ومما قاله في ذلك:"فالصحابة أخذوا عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ألفاظ القرآن ومعانيه، بل كانت عنايتهم بأخذ المعاني من عنايتهم بالألفاظ؛ يأخذون المعاني أولًا، ثم يأخذون الألفاظ ليضبطوا بها المعاني حتى لا تشذ عنهم. قال حبيب بن عبد اللَّه البجلي، وعبد اللَّه بن عمر: "تعلمنا الإيمان، ثم تعلمنا القرآن، فازددنا إيمانًا"، فإذا كان الصحابة تلقوا عن نبيهم معاني القرآن كما تلقوا عنه ألفاظه لم يحتاجوا بعد ذلك إلى لغة أحد؛ فنقل معاني القرآن عنهم كنقل ألفاظه سواءً"
(5)
، وعلق على قول ابن تيمية (ت: 728 هـ): "إجماعهم لا يكون إِلَّا معصومًا، وإذا تنازعوا فالحق لا يخرج عنهم"
(6)
، فقال:"وهذا منصوص أبي حنيفة، ومذهب مالك، ونص عليه أحمد، والشافعي في القديم والجديد، وصرح به محمد بن الحسن، وإسحاق بن راهويه، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وهو قول جمهور الحنفية، وأصحاب مالك، وجمهور أصحاب أحمد"
(7)
، وقال: "وأئمة
(1)
بغية المرتاد ص 331.
(2)
درء تعارض العقل والنقل 5/ 383.
(3)
مجموع الفتاوى 13/ 361.
(4)
إعلام الموقعين 5/ 556.
(5)
مختصر الصواعق المرسلة ص 511.
(6)
مجموع الفتاوى 13/ 24.
(7)
إعلام الموقعين 5/ 550. وينظر: مجموع الفتاوى 20/ 14.
الإسلام كلهم على قبول قول الصحابي"
(1)
.
أما ابن كثير (ت: 774 هـ) فقد نقل في مقدمة تفسيره ما بيَّنه ابن تيمية (ت: 728 هـ) في هذا المعنى، وقرر صحة اعتماد أقوال السلف في التفسير
(2)
.
(1)
إعلام الموقعين 5/ 554. وينظر: بيان تلبيس الجهمية 6/ 401.
(2)
ينظر: مقدمة تفسير القرآن العظيم 1/ 7، 11 - 12.