الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابعًا: ما يرويه أتباع التابعين عن التابعين:
وحكمه حكم تفسير التابعي؛ إلا أنه بالنسبة للراوي من قبيل المنقول، وإن كان بالنسبة لقائله رأي.
وهذا له أمثلة كثيرة لا حصر لها؛ لأن الأصل فيما روي عن الصحابة أن يكون من طريق التابعين، وما روي عن التابعين أن يكون من طريق أتباع التابعين، ووجود الانقطاع في السند لا يضعف هذا الأصل، واللَّه أعلم.
وما يكون طريقه الرواية المحضة كهذا، فإنه لا يمكن أن يكون فيه رأي؛ لأن الناقل ينقل ما بلغه فقط.
النوع الثاني: تفسير السلف بالرأي:
1 -
ما يكون له عندهم أكثر من وجه في المعنى.
2 -
ما يحكونه من أسباب النزول غير الصريحة
(1)
.
3 -
ما يربطون الآية به من القصص.
أولًا: ما يكون له أكثر من وجه عندهم
(2)
:
هذا النوع من التفسير يرد عنهم كثيرًا، ووجوه التفسير قد تكون راجعةً إلى معنى واحد، وقد تكون راجعة إلى أكثر من معنى، والمقصود هنا ما كان راجعًا إلى أكثر من معنى؛ لأنه هو الذي يرد عليه الاحتمال، واختيار أحد المحتملات دون غيرها إنما يكون بالرأي والاجتهاد، وسبب هذا الاختلاف قد يكون مرجعه اللغة، وقد يكون السياق، وقد يكون التمثيل بالنزول غير الصريح، وقد يكون باختلاف المصدر المعتمد عليه في التفسير، وقد يكون غير ذلك. والمقصود هنا أن هذا الاختلاف يكون بسبب الرأي، ومن أمثلة ذلك عن الصحابة:
1 -
تفسير قوله تعالى: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا} [العاديات: 1]، فقد ورد فيه قولان:
الأول: أنها الخيل، ورد ذلك عن ابن عباس (ت: 68 هـ).
(1)
وضعنا في الموسوعة تحت نزول الآية كل ما عبر عنه بالنزول، وإن كان المراد به تفسير الآية؛ فلم نقتصر فيه على أسباب النزول؛ فلينتبه لذلك. (لجنة تحرير الموسوعة).
(2)
وقوع الاحتمال هو الأصل الذي يوجب الاختلاف، وما سيأتي من الفقرتين بعده، فإنها يمكن أن تندرج فيه؛ إذا كان فيها تعدد في احتمال المعنى.
الثاني: أنها الإبل، ورد ذلك عن ابن مسعود (ت: 32 هـ)، وعلي بن أبي طالب (ت: 40 هـ)، وابن عباس (ت: 68 هـ).
وقد ورد عن ابن عباس ما يدل على رجوعه عن أن العاديات: الخيل، قال الطبري (ت: 310 هـ): "حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا أبو صخر، عن أبي معاوية البجلي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس؛ حدثه قال: بينما أنا في الحجر جالس؛ أتاني رجل يسأل عن العاديات ضبحًا، فقلت له: الخيل حين تغير في سبيل اللَّه ثم تأوي إلى الليل، فيصنعون طعامهم، ويورون نارهم.
فانفتل عني، فذهب إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو تحت سقاية زمزم، فسأله عن العاديات ضبحًا، فقال: سألت عنها أحدًا قبلي؟
قال: نعم. سألت عنها ابن عباس، فقال: الخيل حين تُغِيرُ في سبيل اللَّه.
قال: اذهب فادعه لي، فلما وقفت على رأسه قال: تفتي الناس بما لا علم لك به، واللَّه لكانت أول غزوة في الإسلام لبدر، وما كان معنا إلا فرسان: فرس للزبير وفرس للمقداد، فكيف تكون العاديات ضبحًا؟ !
إنما العاديات ضبحًا من عرفة إلى مزدلفة إلى منى.
قال ابن عباس: فنزعت عن قولي، ورجعت إلى الذي قال علي رضي الله عنه"
(1)
.
2 -
في قوله تعالى: {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} [الطور: 6]، ورد تفسيرات عن الصحابة:
الأول: المسجور بمعنى: الْمُوقَدِ، وورد هذا عن علي بن أبي طالب (ت: 40 هـ).
الثاني: الْمَمْلُوءُ، وورد هذا عن ابن عباس (ت: 68 هـ).
الثالث: المحبوس، وورد هذا عن ابن عباس أيضًا
(2)
.
ويأتي هذا النوع كثيرًا في تفسير التابعين وأتباعهم كذلك، وقد لا يأتي في الآية إلا حكاية أقوالهم، وقد تكون مع أقوال الصحابة، وتكون مخالفة لها، لكن على سبيل التنوع.
ومن الأمثلة الواردة عنهم ما يأتي:
1 -
في المراد بأهل الكتاب في قوله تعالى: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ
(1)
تفسير الطبري، ط. الحلبي 30/ 272 - 273.
(2)
تفسير الطبري 22/ 458 - 460.
دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64]، قولان عن التابعين وأتباعهم:
الأول: أنها نزلت في يهود الذين كانوا حول المدينة، ورد ذلك عن قتادة (ت: 117 هـ)، والربيع (ت: 139 هـ)، وابن جريج (ت: 105 هـ).
الثاني: أنها نزلت في وفد نصارى نجران، ورد ذلك عن محمد بن جعفر بن الزبير (ت: ؟ 11 هـ)، والسدي (ت: 128 هـ)، وابن زيد (ت: 182 هـ)
(1)
.
الآية تحتمل القولين، كما قال الطبري (ت: 310 هـ): "وإنما قلنا عنى بقوله: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ} أهل التاكبين؛ لأنهما جميعًا من أهل الكتاب. ولم يخصص جل ثناؤه بقوله: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ} بعضًا دون بعض، فليس بأن يكون موجهًا ذلك إلى أنه مقصود به أهل التوراة بأولى منه بأن يكون موجهًا إلى أنه مقصود به أهل الإنجيل، ولا أهل الإنجيل بأولى أن يكونوا مقصودين به دون غيرهم من أهل التوراة.
وإذ لم يكن أحد الفريقين بذلك بأولى من الآخر؛ لأنه لا دلالة على أنه المخصوص بذلك من الآخر، ولا أثر صحيح، فالواجب أن يكون كل كتابي معنيًّا به؛ لأن إفراد العبادة للَّه وحده، وإخلاص التوحيد له واجب على كل مأمور منهي من خلق اللَّه. وأهل الكتاب يعم أهل التوراة وأهل الإنجيل؛ فكان معلومًا بذلك أنه عني به الفريقان جميعًا"
(2)
.
2 -
في قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [الأنعام: 93]، ورد عدد من الأقوال:
الأول: عن عكرمة (ت: 105 هـ): أن قوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ} نزلت في مسيلمة.
وقوله: {وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} نزلت في عبد اللَّه بن سعد بن أبي سرح.
الثاني: عن السدي (ت: 128 هـ) أنها كلها نزلت في عبد اللَّه بن أبي سرح.
(1)
تفسير الطبري، ط. الحلبي 3/ 302.
(2)
تفسير الطبري، ط. الحلبي 3/ 302 - 303.
أقول: يحمل كلام السلف على التمثيل، ومن ثم لا يكون في الأمر اختلاف ولا أقوال متعددة، بل يكون راجعًا إلى معنى واحد.