الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيًا الحسن البصري (ت: 110 هـ)
(1)
هو الحسن بن أبي الحسن، البصري، أبو سعيد، مولى زيد بن ثابت، وقيل غير ذلك، واسم أبي الحسن يسار، يقال: إنه من سبي ميسان، سكن المدينة، وأُعتق فيها، وتزوج في خلافة عمر، فوُلد له بها الحسن عام 21 هـ. واسم أم الحسن: خيرة، مولاة أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها.
نشأ الحسن بوادي القرى فانفتق لسانه بالفصاحة والبعد عن العجمة واللحن، وعاصر خلافة عثمان بالمدينة وسمعه يخطب، وشهد يوم الدار وله 14 سنة، ثم حُبِّب إليه الجهاد في مقتبل شبابه فرحل إلى خراسان مجاهدًا في خلافة معاوية، ثم اتجه إلى العلم، واستقر في البصرة، حتى صار عالمها ومفتيها، إلى توفي بها عام 110 هـ.
*
منزلته في العلم والتفسير:
تقدم أنَّ الحسن نشأ بالمدينة ورأى علي بن أبي طالب، وطلحة بن عبيد اللَّه، وعائشة، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم، لكن لم يصح سماعه إلا من بعضهم كأنس بن مالك، وعمران بن حصين، والمغيرة بن شعبة، وسمرة بن جندب، وأبي بكرة الثقفي، والنعمان بن بشير، وجابر، وذلك لأنه لم يطلب الحديث في صباه، وإن كان يروي عن كثير من الصحابة لكن كثيرًا منها مرسل، قال الذهبي: "وكان يدلس ويرسل ويحدث بالمعاني، ومناقبه كثيرة ومحاسنه غزيرة، كان رأسًا في العلم والحديث، إمامًا مجتهدًا كثير الاطلاع، رأسًا في القرآن وتفسيره، رأسًا في الوعظ والتذكير، رأسًا في الحلم والعبادة، رأسًا في الزهد والصدق، رأسًا في
(1)
ينظر في ترجمته: طبقات ابن سعد 7/ 156، تهذيب الكمال 6/ 97، سير أعلام النبلاء 4/ 563، تهذيب التهذيب 1/ 134، تفسير التابعين 1/ 200.
الفصاحة والبلاغة، رأسًا في الأيد والشجاعة"
(1)
. كما كان رحمه الله مقرئا فذًّا رأسًا في الإقراء.
وتفسير الحسن يبلغ الذروة من حسن البيان وقوة التأثير، وقد تناقله أهل العلم فيما بينهم، حتى وصلتنا آثاره فبلغت في الموسوعة (3272) أثرًا، ولعل من أهم أسباب تقدمه وبلوغه هذه المرتبة
(2)
مما يلي:
1 -
فصاحته، وحسن تعبيره، وقوة تأثيره في الأسماع: ولا شك أن مثل تلك المواعظ أدعى لانتشارها وشيوعها وحرص الناس على سماعها وتناقلها، ومن هنا كانت أقوال الحسن مصادر لكتب في عدة فنون كالزهد واللغة والأدب وغيرها.
2 -
تصدره للتعليم، وحرصه على نشره، وتصديه للتفسير والوعظ، والتذكير بين العامه: ولا شك أن مثل ذلك أدعى للتناقل والانتشار.
3 -
حرصه على كتابة العلم: ومن هنا جاء عنه "أنه كان لا يرى بكتاب العلم بأسًا، وقد كان أملى التفسير فَكُتِب"
(3)
.
4 -
قوة الاستنباط والاجتهاد في التفسير: وهذا ظاهر من استطراده فى تفسير الآية واتخاذها سبيلًا للوعظ والترهيب والترغيب.
5 -
تفننه في مختلف العلوم والفنون: فهو المقرئ والفقيه والمفسر والعالم بلغة العرب وغريبها، ولا شك أن الجامع لهذه العلوم أقدر على الاجتهاد والاستنباط، خصوصًا إذا جمع مع ذلك الفصاحة والتعبير المؤثر.
6 -
البعد عن الفتن: حيث عاصر كثيرًا من الفتن التي عصفت بالأمة، خصوصًا فتنة ابن الأشعث التي خرج فيها عامة قراء الكوفة والبصرة وعلمائهما، لكنه نهى عن ذلك، وإن كان أُجبِر على الخروج بعد ذلك لكنه تمكن أن ينجو منهم، ومن هنا بقي في موضعه يعلم ويدعو ويعظ، بينما سقط كثير ممن خرج في الفتنة أو تخفى وطورد.
7 -
طول عمره: حيث توفي عام 110 هـ وله 88 سنة، أمضاها في تعليم الناس وإرشادهم.
8 -
تداعي كبار نقلة التفسير وغيرهم على نقل تفسيره وحِكَمِه: يأتي على رأسهم
(1)
تاريخ الإسلام 3/ 26.
(2)
ينظر: تفسير التابعين 1/ 220.
(3)
جامع بيان العلم وفضله 1/ 323.
يحيى بن سلّام، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وغيرهم، حتى ربما استطردوا فنقلوا حِكَمه ومواعظه التي هي خارجة عن معنى التفسير.
ومع تقدم الحسن في التفسير لكن لم تبلغ مرويات تفسيره مبلغ الطبقة الأولى في المرويات، ولذلك أسباب لعل من أبرزها:
1 -
عدم تخصص أحد تلاميذه بالرواية عنه: كما وقع لابن عباس ومجاهد وقتادة، إضافة إلى أن بعض من نقل عنه نسخة من تفسيره كان من كبار المبتدعة، وهو عمرو بن عبيد
(1)
.
2 -
اشتغاله بالفقه والأحكام وتصدره للفتوى وتنوع علومه، مما جعله غير متفرغ للتفسير بخاصة، ولا شك أن من كان كذلك كان إنتاجه التفسيري أقل.
3 -
تأخره في طلب العلم وعدم حرصه على الرحلة لطلبه، وقلة أسفاره حتى قيل أنه لم يحج إلا مرتين، وبالتالي قلة مشايخه، مما فوَّت عليه إدراك كبار علماء الأمة بالتفسير خصوصًا ابن عباس، فقد ذُكر أن الحسن لم يصح سماعه منه
(2)
.
(1)
نقل من هذه النسخة يحيى بن سلام لكن لا يكاد غيره ينقل عنها.
(2)
ينظر: سير أعلام النبلاء 4/ 566.