الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيًا تعامل أئمة التفسير الخمسة مع آثار السلف
يمكن إجمال طريقة تعامل الأئمة الخمسة مع آثار السلف في التفسير من خلال خمسة عناصر:
1 - تعظيم آثار السلف
.
2 -
جمعها واستيعابها.
3 -
توجيهها.
4 -
نقدها.
5 -
الاستدلال بها والاعتماد عليها.
وفيما يأتي بيان ذلك، مع التنبه إلى أمرين:
أولهما: أن هذه العناصر شائعة في كلام الأئمة الخمسة وتطبيقاتهم في التفسير، وعليها قامت تفاسيرهم، ولا تغيب عن الناظر في أي موضع من كتبهم، وإنما قصدنا فيما يأتي إلى الإشارة بنماذج للإيضاح من داخل الموسوعة، مع ما تفيده من إثبات المنهج العام للأئمة في هذا الباب.
ثانيهما: أن هناك نوعًا من التفاوت غير القادح في أصل المنهج العام للأئمة الخمسة في التعامل مع آثار السلف من حيث الجملة؛ فابن جرير (ت: 310 هـ) مثلًا فاق غيره في الجمع والسرد والترجيح والتعليل، وابن عطية (ت: 541 هـ) فاق غيره في التوجيه، وابن تيمية (ت: 728 هـ) تميز في نقد الأقوال، واستيعاب الأدلة، وتنويعها، وابن القيم (ت: 751 هـ) برز في جانب التوجيه، والجمع بين الأقوال، وابن كثير (ت: 774 هـ) أبرز جانب الاستدلال بالسُّنَّة، وهكذا.
1 -
تعظيم آثار السلف:
انعقدت كلمة الأئمة الخمسة على تعظيم السلف، والإقرار بفضلهم، واعتقاد
تقدمهم على من بعدهم في كل دين وعلم وخير وهدى، وذلك ظاهر من تفاسير الأئمة للآيات التي أثنت على السلف، مع نصوص من صريح كلامهم، ومن أصرح ذلك نقل ابن تيمية (ت: 728 هـ) الإجماع على فضل السلف على من بعدهم في كل فضيلة، حيث قال:"من المعلوم بالضرورة لمن تدبر الكتاب والسُّنَّة وما اتفق عليه أهل السُّنَّة والجماعة من جميع الطوائف: أن خير هذه الأمة في الأعمال والأقوال والاعتقادات وغيرها من كل فضيلة، أن خيرها القرن الأول، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه، وأنهم أفضل من الخلف في كل فضيلة؛ من علم وعمل وإيمان وعقل ودين وبيان وعبادة، وأنهم أولى بالبيان لكل مشكل. هذا لا يدفعه إِلا من كابر المعلوم بالضرورة من دين الإسلام"
(1)
، وقال ابن القيم (ت: 751 هـ): "وحقيق بمن كانت آراؤهم بهذه المنزلة أن يكون رأيهم لنا خيرًا من رأينا لأنفسنا، وكيف لا وهو الرأي الصادر من قلوب ممتلئة نورًا وإيمانًا وحكمةً وعلمًا ومعرفةً وفهمًا عن اللَّه ورسوله ونصيحةً للأمة، وقلوبهم على قلب نبيهم، ولا واسطة بينهم وبينه، وهم ينقلون العلم والإيمان من مشكاة النبوة غضًا طريًّا لم يشبه إشكال، ولم يشبه خلاف، ولم تدنسه معارضة، فقياس رأي غيرهم بآرائهم من أفسد القياس"
(2)
، وقال ابن عطية (ت: 541 هـ): "كل ما أخذ عن الصحابة فحسن متقدم"
(3)
. وفي قوله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 54] قال ابن جرير (ت: 310 هـ): "دلالة ظاهر هذه الآية تدل على أنها تقريظ للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم"
(4)
، وقال في قوله تعالى:{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100]: "رضي اللَّه عن جميعهم لما أطاعوه، وأجابوا نبيّه إلى ما دعاهم إليه من أمره ونهيه"
(5)
، وقال ابن عطية (ت: 541 هـ): "قال عامر بن شراحيل الشعبي: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ} من أدرك بيعة الرضوان. {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} يريد سائر الصحابة، ويدخل في هذا اللفظ
(1)
مجموع الفتاوى 4/ 158.
(2)
إعلام الموقعين 1/ 64.
(3)
المحرر الوجيز 1/ 23.
(4)
جامع البيان 7/ 157.
(5)
جامع البيان 11/ 642.