الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول التفسير في عهد كبار الصحابة (عصر الخلفاء الراشدين)
(1)
يمتد عصر الخلفاء الراشدين من خلافة أبي بكر الصديق عام 11 هـ إلى استشهاد علي بن أبي طالب وتولي ابنه الحسن الخلافة ثم تنازله لمعاوية عام 41 هـ، رضي الله عنهم أجمعين.
وهو أنصع عهود التاريخ الإسلامي بعد العهد النبوي، وأكثرها أثرًا وتأثيرًا، في عموم مناحي الحياة السياسية والدينية والعلمية، ومن ذلك التفسير وعلوم القرآن عمومًا، وسنتحدث عن تاريخ التفسير في عهود الخلفاء الأربعة بشيء من التفصيل فيما يلي.
1 - عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه (11 - 13 هـ):
تولى أبو بكر رضي الله عنه الخلافة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، التي حدث إثرها هزةٌ عنيفة للمسلمين بارتداد أغلب قبائل العرب، فكانت أول امتحان يُبتلى به الصحابة بعد وفاة حبيبهم صلى الله عليه وسلم، لكن سرعان ما تجاوزها خليفة المسلمين أبو بكر الصديق بحزمه وحنكته مع سائر الصحابة رضي الله عنهم، حيث انشغلوا بحرب المرتدين وتثبيت دعائم الدولة، وذلك في أقل من سنتين، ثم تفرغوا بعد ذلك لنشر الإسلام في الأمم والبلاد الأخرى، وانطلقوا فاتحين لقلوب العباد قبل فتح البلاد، لكن ما لبث أن توفي أبو بكر رضي الله عنه عام 13 هـ، بعد سنتين ونصف من مبدأ خلافته، وهي مدة قصيرة جدًّا ذات مشاغل عظيمة تنوء بها الجبال، تحمَّلها خليفة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والصحابة وقاموا بها حق القيام، ولا شك أن مثل تلك الأعمال العظام تشغل عن غيرها، لذا لم يكن هناك أثر واضح في التفسير في عهده، ولعل أبرز الأحداث التاريخية
(1)
أفدت كثيرًا في مسائل هذا المبحث من دروس د. مساعد الطيار على الشبكة العالمية عن تاريخ التفسير: http: //vb.tafsir.net/tafsir 30300/#.VIUpxfkrI 2 w
المتعلقة بالقرآن في عهده هو استشهاد عدد من قراء الصحابة رضي الله عنهم في حروب الردة
(1)
، وما ترتب على ذلك من أمره زيد بن ثابت بجمع القرآن في مصحف واحد، فكان من أجل أعماله المتعلقة بالقرآن أثناء خلافته رضي الله عنه.
ونظرًا لقصر مدة خلافته وانشغاله رضي الله عنه مع سائر الصحابة خلالها فقد قَلَّ المروي في التفسير عنهم جميعًا في ذلك العهد، ومن هنا فالمروي عن أبي بكر رضي الله عنه في التفسير قليل جدًّا
(2)
، ومن أشهر تلك المرويات
(3)
:
- ما رواه الشعبي أنه رضي الله عنه، قال في الكلالة:"أقول فيها برأيي، فإن كان صوابًا فمن اللَّه: هو ما دون الولد والوالد" قال: فلما كان عمر رضي الله عنه، قال: إني لأستحيي من اللَّه أن أخالف أبا بكرٍ
(4)
.
- وجاء عنه أنه قال: "أي أرضٍ تقلني، وأي سماءٍ تظلني، إذا قلت في القرآن ما لا أعلم"
(5)
.
وهذان الأثران عنه رضي الله عنه يفيدان درسًا تربويًّا، أنه ينبغي عدم التجرؤ على التفسير إلا بعلم يغلب على الظن صحته، وفي هذا تأصيل لما ينبغي أن يكون عليه المفسر.
- ومن أمثلة استدراكاته: ما رواه قيس بن أبي حازمٍ، عن أبي بكرٍ الصديق، أنه
(1)
وفيهم من كان من كبار قراء الصحابة، وربما كان لهم باع في التفسير كما هو الحال في الإقراء، منهم سالم مولى أبي حذيفة (ت: 12 هـ)، الذي قال عنه أبن عمر كما في صحيح البخاري 9/ 71:"كان سالم مولى أبي حذيفة يؤم المهاجرين الأولين، وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد قباء فيهم أبو بكر، وعمر، وأبو سلمة، وزيد، وعامر بن ربيعة"، وأثنى عليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه البخاري أيضًا 5/ 27، فقال:"استقرئوا القرآن من أربعة، من عبد اللَّه بن مسعود -فبدأ به- وسالم مولى أبي حذيفة، وأُبي بن كب، ومعاذ بن جبل". فربما كان ذِكره مع هؤلاء الثلاثة الذين هم من كبار علماء الصحابة إشارة إلى أنه مثلهم، وتقدمه في الصلاة بكبار المهاجرين يؤيد ذلك، ولا شك أن استشهاده مبكرًا طوى كثيرًا من علمه. واللَّه أعلم.
(2)
ولا يعني ذلك عدم علمه بالقرآن! كيف وهو أول الصحابة إسلامًا وأكثرهم مجالسةً للنبي صلى الله عليه وسلم؟ ! ولكن الأمر أنه توفي مبكرًا، ولم يتفرع في خلافته القصيرة ذات المشاغل العظيمة للتصدي للتعليم. وفي ذلك يقول السيوطي:"الرواية عن الثلاثة [يعني: أبا بكر وعمر وعثمان] نزرة جدًّا، وكان السبب في ذلك تقدم وفاتهم، كما أن ذلك هو السبب في قلة رواية أبي بكر رضي الله عنه للحديث، ولا أحفظ عن أبي بكر رضي الله عنه في التفسير إلا آثارًا قليلة جدًّا لا تكاد تجاوز العشرة". الإتقان 6/ 2325.
(3)
ينظر: دروس د. مساعد الطيار على الشبكة العالمية عن تاريخ التفسير http: //vb.tafsir.net 30300/#.viupxfkr 12 w
(4)
تفسير ابن جرير الطبري 6/ 457.
(5)
السابق: 1/ 72.