الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فاستقرت الأمور، وعادت حركة الفتوحات في المشرق والمغرب، كما عادت الحياة العلمية تدب من جديد، خصوصًا في التفسير الذي شهد طفرة كبيرة، بتفرغ حبر الأمة وترجمان القرآن عبد اللَّه بن عباس رضي الله عنهما له، واعتزاله السياسة، فاستقر في مكة معلمًا للوافدين على حرم اللَّه، وكانت مجالسه التفسيرية منارًا لطلبة العلم من شتى الأرجاء، فتتلمذ على يديه في تلك المدة أعظم مفسري التابعين، ونشأت طبقة المكيين في التفسير الذين شغلوا مع شيخهم أغلب تفسير السلف، بل كانوا أعلم الناس به، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"وأما التفسير فإن أعلم الناس به أهل مكة؛ لأنهم أصحاب ابن عباس، كمجاهد وعطاء بن أبي رباح، وعكرمة مولى ابن عباس وغيرهم من أصحاب ابن عباس"
(1)
.
في جهة أخرى نجد تلاميذ ابن مسعود في الكوفة، تصدروا مجالسها علمًا وعملًا، وتعليمًا وأدبًا وسلوكًا بعد وفاة شيخهم، فكانوا مصداق ما قال عنهم علي بن أبي طالب حين رآهم فقال:"أصحاب عبد اللَّه سُرُج هذه القرية"
(2)
، حيث كانوا منارة للفقه والفتيا والتفسير كما قال عنهم؛ إلا أن بعضهم تورع عن التفسير ولم يخض فيه كثيرًا كما سيأتي بيانه. وهم طبقة الكوفيين الذين قال عنهم ابن تيمية بعد أن ذكر أعلم الناس بالتفسير أهل مكة:"كذلك أهل الكوفة من أصحاب ابن مسعود، ومن ذلك ما تميزوا به على غيرهم"
(3)
.
أما المدينة النبوية فكانت ولا زالت في ذلك العهد هي المهد الأول للتعليم الإسلامي، وأقام فيها عدد من كبار علماء الصحابة، توفي أغلبهم في ذلك العهد، يأتي على رأسهم: زيد بن ثابت (ت: 45 هـ)، وسعد بن أبي وقاص (ت: 55 هـ)، وأم المؤمنين عائشة (ت: 57 هـ)، وأبو هريرة (ت: 57 هـ)، وأبو موسى الأشعري (ت: 44 هـ)، وعمران بن حصين (ت: 52 هـ) بالبصرة، والحسن بن علي بن أبي طالب (49 هـ).
*
ثانيًا: عهد يزيد بن معاوية، وعبد اللَّه بن الزبير:
خلَف معاوية رضي الله عنه ابنُه يزيد عام 60 هـ، ليبدأ عهد جديد من الفتن والمحن والقلاقل التي كان أعظم بلاياها مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما عام 61 هـ، فازداد أوار الفتنة، وعاد الخلاف بين المسلمين أشد مما سبق، واتسع الخَرق
(1)
مقدمة في أصول التفسير ص 24.
(2)
أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 6/ 10.
(3)
مقدمة في أصول التفسير ص 24.
على الراقع، وما لبث أن توفي يزيد فجأة عام 64 هـ، فدعا عبد اللَّه بن الزبير رضي الله عنهما إلى نفسه وبويع بالخلافة، وتمكن من ضمِّ معظم الدولة الإسلامية تحت خلافته، وكادت الأمور أن تستوسق له، إلا أن بني أمية جمعوا صفوفهم بعد أن كاد أن يضمحل أمرهم، وولوا أمرهم مروان بن الحكم الذي ما لبث أن توفي عام 65 هـ بعد أن انتظمت له الشام ومصر، وخلفه ابنه عبد الملك بن مروان، ولا زال نجمه في صعود، بينما غدت الأمور تضيق على ابن الزبير رضي الله عنهما إلى أن حُصر في مكة وقُتل عام 73 هـ، فاستقل بالخلافة عبد الملك وآله، فكان ابن الزبير رضي الله عنهما آخر خليفة وحاكم من الصحابة، وحُقَّ لنا أن نؤرخ بمقتله انتهاء عهد الصحابة.
وقد توفي أغلب من بقي من علماء الصحابة في ذلك العهد أو قريبًا منه، يأتي على رأسهم أم المؤمنين أم سلمة (ت: 62 هـ) آخر أمهات المؤمنين وفاة، رضي الله عنهن جميعًا، وعبد اللَّه بن عمرو بن العاص (ت: 65 هـ)، وعبد اللَّه بن عباس (ت: 68 هـ)، والبراء بن عازب (ت: 72 هـ)، وعبد اللَّه بن الزبير (ت: 73 هـ)، وعبد اللَّه بن عمر (ت: 73 هـ)، وأبو سعيد الخدري (ت: 74 هـ)، وجابر بن عبد اللَّه (ت: 78 هـ)، وامتد العمر بأبي أمامة (ت: 86 هـ)، وسهل بن سعد الساعدي (ت: 88 هـ)، وأنس بن مالك (ت: 93 هـ)، رضي الله عنهم أجمعين.
كذلك توفي في ذلك العهد أغلب كبار التابعين المخضرمين ممن يُروى عنهم بعض التفسير؛ وجُلُّهم من تلاميذ ابن مسعود رضي الله عنه، كعلقمة بن قيس النخعي الكوفي (62 هـ)، والربيع بن خثيم الثوري الكوفي (62 هـ)، ومسروق بن الأجدع الهمداني الكوفي (63 هـ)، وأبي ميسرة عمرو بن شرحبيل الهمداني الكوفي (63 هـ)، وعَبيدة السلماني الكوفي (72 هـ)، ومرة بن شراحيل الهمداني الكوفي (76 هـ)، وعمرو بن مَيْمُون الأَوْدي الكوفي (74 هـ)، وأبي عبد الرحمن السُّلمي الكوفي (74 هـ)، والأسود بن يزيد النخعي الكوفي (75 هـ)، وشُرَيْح القاضي أبي أُمَيَّةَ بن الحارث الكنديّ (78 هـ)، كما توفي فيه أبو الأَسْود الدُّؤَلِي البصري (69 هـ)، وعُبَيْد بن عُمَيْر اللَّيْثِيُّ المكيّ الواعظ المفسر (74 هـ)، وامتد العمر بأبي وائل شَقِيق بن سَلَمة الأسدي (82 هـ)، وزِرُّ بن حُبَيش الأسدي الكوفي (83 هـ)، وأبو العالية رُفيع بن مهران الرياحي البصري (90 هـ) -أكثر كبار التابعين تفسيرًا-، ومُطَرِّف بن عبد اللَّه بن الشِّخِّير البصري (95 هـ)، وأبو رجاء عمران بن ملحان العطاردي البصري (105 هـ)، وغيرهم.