الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع التفسير في عهد التابعين (العصر الأول للدولة العباسية)
أتباع التابعين هم الذين شافهوا التابعين وتتلمذوا على أيديهم
(1)
، وهم على ثلاث طبقات:
الأولى: طبقة كبار أتباع التابعين: تتضمن في الأصل طبقتين:
أ - الذين عاصروا صغار التابعين. وهم في الأصل من أقران صغار التابعين، لكن لم يحظوا بمشافهة أحد من الصحابة
(2)
.
ب - طبقة كبار أتباع التابعين.
الثانية: الطبقة الوسطى من أتباع التابعين.
الثالثة: طبقة صغار أتباع التابعين.
ويشغل عصرُ أتباع التابعين عهدَ الدولة العباسية في عصرها الأول، الذي يعتبر العصر الذهبي لها، حيث بلغت أوج قوتها وسلطانها. وقد تولى فيه من الخلفاء
(3)
:
- أبو العباس السفاح، عبد اللَّه بن محمد بن علي بن عبد اللَّه بن العباس (خلافته 132 - 136 هـ).
- أبو جعفر المنصور، عبد اللَّه بن محمد بن علي بن عبد اللَّه بن العباس (136 - 158 هـ).
- المهدي، محمد بن أبي جعفر المنصور (158 - 169 هـ).
(1)
ينظر: كتاب الثقات 6/ 1 - 2.
(2)
يلاحظ أنهم في مقابل المخضرمين من التابعين، وهم كبار التابعين الذين عاصروا عهد النبوة لكن لم ينالوا شرف لقيا النبي صلى الله عليه وسلم ورؤيته.
(3)
ينظر: تاريخ الخلفاء، ص 226 - 268.
وفي عهدهم كانت وفيات أغلب كبار أتباع التابعين
(1)
، وفيهم أعلام مفسريهم وهم: محمد بن السائب الكلبي الكوفي (ت: 146 هـ)، ومقاتل بن سليمان البلخي (ت: 150 هـ)، ومقاتل بن حيان البلخي (ت: 150 هـ)، وعبد الملك بن جريج المكي (ت: 150 هـ)، ومحمد بن إسحاق المدني (ت: 153 هـ)، وسفيان الثوري الكوفي (ت: 161 هـ)، وامتد العمر بمالك بن أنس المدني فتوفي عام (179 هـ)
(2)
.
وممن له مشاركة في التفسير منهم: أبو صخر المدني (ت: بين عامي 141 - 150 هـ)، وجعفر الصادق المدني (ت: 148 هـ)، وأبو سنان الكوفي (ت: بين عامي 151 - 160 هـ)، وأبو عمرو الأوزاعي الشامي (ت: 157 هـ)، والحسين بن واقد المروزي (ت: 159 هـ)، وزهير بن محمد (ت: 162 هـ)، والليث بن سعد المصري (ت: 175 هـ)
(3)
.
أما الطبقة الوسطى لأتباع التابعين فقد كانت أغلب وفياتهم في خلافة كل من: الهادي، موسى بن المهدي بن المنصور (169 - 170 هـ)، والرشيد، هارون بن المهدي بن المنصور (170 - 193 هـ)، ويلاحظ قلة المفسرين في هذه الطبقة فلم أجد ممن تصدى للتفسير وكان له تفسير اجتهاديٌّ بارز سوى اثنين: عبد الرحمن بن زيد بن أسلم المدني (ت: 182 هـ)، وسفيان بن عيينة المكي (ت: 198 هـ)
(4)
، وكذا الحال أيضًا ممن له مشاركة في التفسير، لعل من أعلامهم: عبد اللَّه بن المبارك (ت: 181 هـ)، والفضيل بن عياض المكي (ت: 187 هـ)
(5)
.
أما طبقة صغار التابعين الذين كان أغلب وفياتهم في عهد كل من: الأمين، محمد بن هارون الرشيد (193 - 198 هـ)، والمأمون، عبد اللَّه بن هارون الرشيد (198 - 218 هـ)، فقد ندر التفسير الاجتهادي لديهم، حتى أني لم أجد فيهم إمامًا مبرزًا له آثار اجتهادية عديدة فيه سوى يحيى بن سلَّام القيرواني البصري الأصل (ت: 200 هـ)
(6)
، أما أغلب أعلامهم فقد اقتصروا على نقل تفسير السلف قبلهم من الصحابة والتابعين وتابعيهم، وروايته وتدوينه؛ كعبد الرزاق الصنعاني (ت: 211 هـ)، ومحمد بن يوسف الفريابي (ت: 212 هـ)، وآدم بن أبي إياس (ت 220 هـ).
(1)
يلاحظ طول مدة هذه الطبقة مقارنة بمن بعدها، وذلك لأنها في الأصل طبقتان كما تقدم.
(2)
سيأتي التعريف بهم في الدراسة التالية عن مفسري السلف ومراتبهم في التفسير.
(3)
تنظر تراجم هؤلاء وأثرهم في التفسير في كتاب: تفسير أتباع التابعين: عرض ودراسة، ص 216 - 250.
(4)
سيأتي التعريف بهما في الدراسة التالية عن مفسري السلف ومراتبهم في التفسير.
(5)
تنظر ترجمته وأثره في التفسير في كتاب: تفسير أتباع التابعين، ص 252.
(6)
سيأتي التعريف به في الدراسة التالية عن مفسري السلف ومراتبهم في التفسير.
بدأت الدولة العباسية والأحوال مضطربة، وانتقضت عليها عدة جهات خصوصًا المغرب والأندلس، كذلك ظهر في عمقها حركات مناوئة قوية، أشهرها حركة محمد بن عبد اللَّه بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب بالمدينة وأخيه إبراهيم بالبصرة عام 145 هـ، إِلا أن أبا جعفر المنصور تمكن من القضاء عليها بعد أن كادت تقضي عليه
(1)
، وكان لتلك الحركة أثر على أهل العلم حيث أيدها كثير منهم كمالك بن أنس في المدينة، وأبي حنيفة بالكوفة، وغيرهما
(2)
، ولا شك أنهم تأثروا بعواقبها، كذلك كان من أشد من تأثر بجبروت أبي جعفر المنصور سفيانُ الثوري الذي ظل آخر حياته متخفيًّا متنقلًا هربًا منه، وذلك لأنه كان ينكر على أبي جعفر ظلمه وجوره، إلى أن انتقل إلى مكة وظل متخفيًّا حتى توفي المنصور.
ثم استقرت الأمور في أواخر عهد المنصور ثم المهدي والرشيد، ونشطت المجالس والرحلات العلمية في شتى أرجاء البلاد الإسلامية؛ خصوصًا في مكة والمدينة والكوفة والبصرة، ونشأ أعلام التفسير والحديث والفقه.
من جهة أخرى كان لظهور الدولة العباسية وانتقال الخلافة إلى العراق أثر في رحلة العلماء إليها، كمقاتل بن سليمان الذي انتقل من خراسان واستقر بها متنقلًا بين بغداد والبصرة، كذلك رحل إليها بعض أعلام المدينة كمحمد بن إسحاق، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وربيعة الرأي، وغيرهم.
هذا وقد بلغت الحركة العلمية ذروتها في عصر الدولة العباسية، تَمثَّل ذلك في معالم بارزة، من أهمها:
1 -
اتساع العلوم بأنواعها من علوم القرآن والحديث والفقه وغيرها، وأصبح لها مبادئ وأسس وقواعد مدونة، ومتخصصون في كل منها، بل تكاملت علوم كانت ناشئة في أواخر القرن الأول، يظهر هذا جليًّا في علوم العربية، التي استقرت على يدي جهابذة أهل اللغة في هذا العصر كالخليل بن أحمد الفراهيدي (ت: 175 هـ)، وسيبويه (ت: 180 هـ)، والكسائي (ت: 183 هـ)، والفراء (ت: 207 هـ)، وأبي عبيدة معمر بن المثنى (ت: 209 هـ)، وغيرهم.
2 -
ظهور المذاهب الفقهية الكبرى التي أضحى لها أتباع مقلدون، كمذهب أبي حنيفة (ت: 150 هـ)، ومالك بن أنس (ت: 179 هـ)، ومن المذاهب المندثرة: مذهب الأوزاعي
(1)
ينظر: سير أعلام النبلاء 7/ 89.
(2)
ينظر: تاريخ الخلفاء ص 229.