الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع الإسناد وطبيعة علاقته بالمرويات من حيث الثبوت وعدمه
المتصدي لنقد الأخبار وفق منهج المحدثين بالإضافة لما سبق تقريره في الجانب الأول؛ ينبغي أن يكون على بصر كذلك قبل إصدار الحكم النقدي على الخبر بالثبوت وعدمه بكثير من المسائل المرتبطة بالإسناد، التي تكون الغفلة عنها موقعة في مخالفة منهج المحدثين في نقد الأخبار، وسيأتي بيان ذلك في مدخل وثلاثة فروع
(1)
:
*
مدخل: إطلالة على تاريخ الإسناد:
إن مراعاة الأنساق التاريخية والزمانية التي كان لها تأثير قوي في تطور العلم، وتطوير أدواته، واستحداث مستجداته أمر لا ينفك في أهميته عن مسائل العلم ذاته، بل هو أوجب وأهم؛ إذ لا يتم تصور كثير من مسائل الفن الواحد على وجهها، ولا يحصل تمام فهمها إلا بمعرفة المؤثرات التي ساهمت في تخليقها والأسس التي قامت عليها والتطورات التي لحقتها، وإن كثيرًا من الانفصام الحاصل بين صورة العلم في زمان ما وصورته في زمان آخر سببها الحقيقي عدم استحضار الأحوال التاريخية التي صاحبت كل مرحلة من مراحل الفن.
ومن هنا أراد البحث عند تناول الكلام عن مرويات التفسير الإلماح إلى أن لكل زمن أحداثه ووقائعه التي تلقي بظلالها على جُلّ ما فحِه فتطبعه بطابعها، أو تمسه بريحها، أو تدفعه إلى مواكبتها، لتحصل المعايشة بينها داخل هذا النطاق الزمني، وتلك سُنَّة من سنن اللَّه الجارية في خلقه في البلاد والأمم والأفراد والعلوم وغيرها.
وإن الناظر من بوابة الزمن إلى المراحل التي مرّت بها المرويات الشرعية عمومًا
(1)
فضل الإسناد وكلام أئمة السلف ونقاد الحديث عنه لا يخفى على القارئ الكريم؛ ولذا آثر البحث التخفف من ذكر الكلام عن فضله وأهميته لذيوع ذلك واشتهاره بحيث لا ينازع فيه إلا جاحد أو معاند.
وحديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم منها خاصة سيجد تلك العلاقة وذلك التأثير والتأثر باديًا؛ بل سيوقن عند النظر في الخلفيات والمآلات أن ذلك كان من أكبر الأسباب التي قدرها اللَّه لحفظ دينه، إذ كان العلماء في كل زمن يستحدثون من الوسائل والآليات والأدوات ما تقتضيه حاجة ذلك الزمن وما تفرضه أحداثه، وما تسلزمه مستجداته.
وإنه لا ينبغي إتيان البيوت من ظهورها؛ بل ينبغي إتيانها من أبوابها، ذلك أن التعامل مع المرويات في العلوم والفنون وإصدار الحكم على أسانيدها بالصحة والضعف والتسوية بينها في التعامل وادعاء أن ذلك منهج المحدثين فيه إتيان للبيوت من ظهورها؛ وإنما إتيانها من أبوابها يلزم كل طارق أن يعرف الواقع التاريخي، ويستوعب الظرف الزماني للإسناد من جهتين رئيستين:
أولها: من جهة نشأته واعتماده وسيلة لنقل المرويات.
ثانيها: من جهة تفاوت درجات وزمان اعتماده في العلوم الشرعية وآثار ذلك عليها.