الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطاب رضي الله عنه في قول اللَّه تعالى: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} [التكوير: 7]، قال: هما الرجلان يعملان العمل فيدخلان به الجنة، وقال:{احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات: 22]، قال: ضرباءهم
(1)
.
ففسّر التزويج بالتصنيف، ثم حمل التزويج في آية {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} على معنى الزوجية في آية {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ} [الصافات:
22].
2 -
السُّنَّة:
وتفسير القرآن بالسُّنَّة نوعان، وذلك بالنظر إلى المفسر:
الأول: التفسير بالسُّنَّة المباشر "التفسير النبوي"، وهو: أن يعمد النبي صلى الله عليه وسلم إلى آية يذكرها في كلامه أو يشير إليها، ثم يبيِّن معناها أو يسألونه عما يخفى عليهم من القرآن، فيبيِّنه لهم، ومن أمثلة سؤالات الصحابة لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن التفسير، وسؤالات من بعدهم لهم عنه ما رواه مسلم في "صحيحه"، عن مسروق قال: "إنا سألنا عبد اللَّه عن هذه الآية: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169] فقال: أما إنا قد سألنا عن ذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال: أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع عليهم ربهم اطِّلَاعَةً، فقال: هل تشتهون شيئًا؟
فقالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا، ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا، قالوا: يا رب، نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى.
فلما رأى أن ليس لهم حاجة تُرِكُوا"
(2)
.
والقدر الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم من التفسير النبوي المباشر قليل جدًّا، والآثار المرفوعة إليه صلى الله عليه وسلم شاهدة بهذا.
وإن قال قائل: إن بعض العلماء حكى أن تفسير الصحابي مرفوع، وهذا يعني أنه تلقاه من النبي صلى الله عليه وسلم فالجواب عن ذلك من وجهين:
(1)
تفسير الطبري 24/ 141.
(2)
رواه الإمام مسلم في صحيحه، برقم (1887).
الأول: أنه قد ثبت اجتهاد الصحابة في بيان معاني القرآن، ولم يكونوا ينسبونها إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
الثاني: أن العادة الغالبة عليهم أنهم إذا كان معهم بيان نبوي لأي أمر من الأمور أن ينسبوه للنبي صلى الله عليه وسلم، ولما لم يقع هذا فيما فسروه أو اختلفوا فيه، مع كثرته دل ذلك على عدم وجود نص مباشر منه صلى الله عليه وسلم في كثير من الآيات
(1)
.
ومن أمثلة ذلك: ما رواه الطبري بسنده عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، حدثه قال:"بينما أنا في الحجر جالس، أتاني رجل يسأل عن {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا} [العاديات: 1]، فقلت له: الخيل حين تغير في سبيل اللَّه، ثم تأوي إلى الليل، فيصنعون طعامهم، وَيُورُونَ نارهم. فانفتل عني، فذهب إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو تحت سقاية زمزم، فسأله عن {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا} [العاديات: 1]، فقال: سألت عنها أحدًا قبلي؟ قال: نعم، سألت عنها ابن عباس، فقال: الخيل حين تغير في سبيل اللَّه، قال: اذهب فادعه لي؛ فلما وقفت على رأسه قال: تفتي الناس بما لا علم لك به، واللَّه لكانت أول غزوة في الإسلام لبدر، وما كان معنا إِلا فرسان: فرس للزبير، وفرس للمقداد فكيف تكون العاديات ضبحًا. إنما العاديات ضبحًا من عرفة إلى مزدلفة إلى منًى؛ قال ابن عباس: فنزعت عن قولي، ورجعت إلى الذي قال علي رضي الله عنه"
(2)
.
(1)
من ذلك ما روى مسلم بسنده عن عبد اللَّه بن عباس، أن عمر بن الخطاب، خرج إلى الشام، حتى إذا كان بِسَرْغَ لقيه أهل الأجناد: أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه، فأخبروه أن الوباء قد وقع بالشام، قال ابن عباس فقال عمر: ادع لي المهاجرين الأولين فدعوتهم، فاستثمارهم، وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام، فاختلفوا فقال بعضهم: قد خرجت لأمر ولا نرى أن ترجع عنه، وقال بعضهم: معك بقية الناس وأصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء، فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي الأنصار فدعوتهم له، فاستثمارهم، فسلكوا سبيل المهاجرين، واختلفوا كاختلافهم، فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي من كان هاهنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح، فدعوتهم فلم يختلف عليه رجلان، فقالوا: نرى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هذا الوباء، فنادى عمر في الناس: إني مصبح على ظهر، فأصبحوا عليه، فقال أبو عبيدة بن الجراح: أفرارًا من قدر اللَّه؟ فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة -وكان عمر يكره خلافه- نعم نفر من قدر اللَّه إلى قدر اللَّه، أرأيت لو كانت لك إبل فهبطت واديًا له عُدْوَتَانِ، إحداهما خصبة والأخرى جدبة؛ أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر اللَّه، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر اللَّه، قال: فجاء عبد الرحمن بن عوف، وكان متغيبًا في بعض حاجته، فقال: إن عندي من هذا علمًا، سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول:"إذا سمعتم به بأرض، فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بارض وأنتم بها، فلا تخرجوا فرارًا منه" قال: فحمد اللَّه عمر بن الخطاب ثم انصرف.
(2)
تفسير الطبري، ط. دار هجر 24/ 573.