الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسعود (ت: 32 هـ)، وابن عباس (ت: 68 هـ) أن المراد بذلك الملائكة تلقي الذكر على الأنبياء، ولم يرد في طبقة الصحابة غير هذا القول، وهكذا سار عليه من جاء بعدهم، وقد حكى الإجماع في ذلك
(1)
ابن كثير (ت: 774 هـ)، قال:"يعني: الملائكة. قاله ابن مسعود وابن عباس ومسروق ومجاهد وقتادة والربيع بن أنس والسدي والثوري، ولا خلاف ههنا؛ فإنها تنزل بأمر اللَّه على الرسل"
(2)
.
2 -
تفسيرهم لقوله تعالى: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا} [الذاريات: 1]، فقد ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ت: 40 هـ)، وابن عباس (ت: 68 هـ) أنها الرياح
(3)
.
قال ابن كثير (ت: 774 هـ): "وهكذا فسرها ابن عباس وابن عمر وسعيد بن جبير والحسن وقتادة والسدي وغير واحد، ولم يحك ابن جرير ولا ابن أبي حاتم غير ذلك"
(4)
.
والأمر كما ترى، فإنه لم يرد قول آخر في معنى المراد بالذاريات في هذا الموطن، ومآل هذه الصورة من الحكاية لأقوالهم إلى الإجماع.
*
ثانيًا: ما لا يحتمل تفسيره إلا معنى واحدًا:
وهذا النوع حجة كذلك؛ لأنه لا يتصور فيه غير ما قيل، فهو لا يحتمل إلا معنى واحدًا، وهو شبيه بالإجماع، بل إنه يؤول إليه، وإن لم يحك الإجماع في ذلك، فالمتقدمون والمتأخرون ليس عندهم مجال في تعدد الاحتمالات في هذا النوع، وأمثلته كثيرة، فكل ما لا يحتمل إلا معنى واحدًا فالتفسير المذكور فيه حجة بلا ريب.
وهذا النوع قد يكون من باب التفسير اللغوي، وقد يكون من باب بيان المعنى الجملي للآية، وقد يكون من باب بيان المراد باللفظ من جهة سياقه، وأيًّا ما كانت
(1)
ينظر في دراسة هذا الإجماع: كتاب الإجماع في التفسير، لمحمد بن عبد العزيز الخضيري ص 443 - 446.
(2)
تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، تحقيق: سامي السلامة 8/ 297.
(3)
ينظر: تفسير الطبري، ط. الحلبي 26/ 185 وما بعدها، وتفسير القرآن العظيم، لابن كثير، تحقيق: سامي السلامة 7/ 414، والدر المنثور 7/ 614.
(4)
تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، تحقيق: سامي السلامة 7/ 414.
وقد ذكر ابن كثير تفسيرًا يرفعه عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال عنه:"فهذا الحديث ضعيف رفعه، وأقرب ما فيه أنه موقوف على عمر".
جهة بيانه، فإنه لا يكون له إلا معنى واحد فقط، ومن أمثلة ذلك: تفسيرهم لقوله تعالى: {لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2]، فقد ورد عن أبي الدرداء (ت: 32 هـ)، وابن مسعود (ت: 32 هـ)، وابن عباس (ت: 68 هـ)، تفسير الريب بالشك
(1)
.
ولا يوجد للريب معنى آخر
(2)
، فيقع احتماله
(3)
، لذا حكى بعض المفسرين الإجماع في ذلك
(4)
.
أما بقية أنواع تفسير السلف، وهي ما يرويه التابعون عن الصحابة، وما يرويه أتباع التابعين عن التابعين، وتفسير السلف بالرأي؛ فسأجعل الكلام في حجيتها في نقاط يترتب بعضها على بعض:
1 -
لا يوجد في القرآن لفظ لا معنى له، ولا لفظة مجهولة المعنى، بل كل ألفاظ القرآن معلومة المعنى.
2 -
نزل القرآن بلغتهم (العربية)، وليس فيه شيء من المعاني بغيرها.
وإذا كان لا يوجد فيه ما لا معنى له أو ما هو مجهول المعنى، فإن هذا يعني أن القرآن كله معلوم المعنى لكونه نزل بلغتهم.
ولهذا لا يوجد لفظة توقفوا -جميعًا- في تفسيرها، بل إن الحروف المقطعة -وهي لا تدخل في الألفاظ- قد تكلموا فيها، مما يدل على أنها ليس مما استأثر اللَّه بعلمه، بل هي مما يدخل تحت علمهم، وإلا لما تكلموا فيها.
3 -
هل يصح أن يقال: إن آية من الآيات لم يفهم معناها هؤلاء الكرام؟
(1)
ينظر: تفسير الطبري، تحقيق: شاكر 1/ 228، وفي تفسير ابن أبي حاتم خبر أبي الدرداء 1/ 34.
(2)
قال ابن فارس في مقاييس اللغة: "الراء والياء والباء أصيل يدل على شك، أو شك خوف، فالريب: الشك. قال اللَّه جلَّ ثناؤه: {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 1 - 2]؛ أي: لا شك. ثم قال الشاعر:
فقالوا: تركنا القوم قد حصروا به
…
فلا ريب أن قد كان ثم لحيم".
(3)
قد يظن بعضهم أن تحريرات بعض المتأخرين في مدلول اللفظ فيها مخالفة لما فسر به السلف، وليس الأمر كذلك، فقول الراغب الأصفهاني:"فالريب: أن تتوهم بالشيء أمرًا ما، فينكشف عما تتوهمه"، وهذا تعبير عن الريب لا يخالف تفسيره بالشك، بل هو نوع من التحرير في التعبير عن اللفظ، وهو مما اعتنى به المتأخرون.
(4)
قال ابن أبي حاتم: "ولا أعلم في هذا الحرف اختلافًا بين المفسرين؛ منهم: ابن عباس، وسعيد بن جبير، وأبو مالك، ونافع مولى ابن عمر، وعطاء بن أبي رباح، وأبو العالية، والربيع بن أنس، وقتادة، ومقاتل بن حيان، والسدي، وإسماعيل بن خالد". تفسير القرآن العظيم 1/ 34.
أو: هل يجوز أن يقع عندهم خطأ محض في فهم معنى من المعاني، بحيث يقال: إنهم أخطؤوا جميعًا في فهم هذه الجملة أو تلك؟
ولا ريب أن الجواب: إنه لا يصح ذاك ولا يجوز هذا؛ لأنه يلزم منه تجهيل الأمة بفهم كلام ربها، وأن هؤلاء المتقدمين لم يكونوا يفهمون معنى ذلك الكلام العربي الذي كان بلغتهم.
4 -
ومن ثم، فإنه إذا احتملت الآية أكثر من معنى، فإنه لا يتصور عدم وصولهم إلى معنى صحيح في الآية، ويصل إليه المتأخرون عنهم.
فإذا جاء قول للمتأخرين يلزم منه عدم وصول السلف إلى معنى صحيح، فإن هذا يدل على بطلان القول الحادث؛ لأنه يلزم منه أن هذه الطبقات الثلاث قد جهلت معنى الآية، ولم تعلم بها.
5 -
وإذا كان كذلك، فالحق لا يمكن أن يخرج عن أقوالهم، ويكون عند من جاء بعدهم، بل الحق متحقق في أقوالهم بيقين، ثم قد يأتي عند من جاء بعدهم معان جديدة صحيحة تحتملها الآية، وهي غير مبطلة لما ورد عنهم، والحكم فيما كان هذا حاله -من حيث العموم- مقبول، لكن لا يلزم أن يكون على إطلاقه في كل مثال، بل كل مثال يناقش حسب حاله من الآية.
وإذا صح هذا؛ كان القول بأن تفسير السلف حجة قولًا صحيحًا، واللَّه الموفق.
* * *
تاريخ تفسير السلف ومراحل تدوينه
إعداد د. خالد بن يوسف الواصل