الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذه الرواية تجعلك تتذكر فورا قصيدة (في انتظار البرابرة) للشاعر سي. بي. كفافي، والتي كتبها عام 1898م وتحمل نفس العنوان، ولكنك تستدعيها إن كنت قرأتها من قبل على نحو تلقائي (1).
"يتجه سكان مدينة قديمة إلى بواباتها بقيادة إمبراطورهم، لانتظار وصول البرابرة الغزاة، ولكن البرابرة لم يظهروا، ماذا كان يمكن أن يحدث؟ وما الذي يمكن القيام به؟
لم كل هذا الذهول المفاجئ، وهذا الارتباك؟
كم أصبحت ملامح وجوه الناس حادة
لماذا تخلو الشوارع والتقاطعات من المارة بسرعة
وكل يذهب إلى بيته غارقاً في التفكير لأن الليل أرخى سدوله ولم يأت البرابرة
وبعض رجالنا الذين وصلوا من الحدود قالوا
لم يعد هناك برابرة بعد الآن
والآن ماذا سيحدث لنا من دون برابرة
كان أولئك الناس نوعا من الحل."
وإذا لم يعد وجود للبرابرة في قصيدة الشاعر (كفافى)، إلا أنهم هنا في رواية (كوتزي) يتم خلقهم، حيث تتفتق عبقرية (المكتب الثالث)(المخابرات) والإمبراطورية عن خلق البرابرة، وليس انتظار مجيئهم تحت رحمة الصدف، فإذا كان البرابرة ضرورة فلابد من وجودهم أو إيجادهم (2).
القاضي والجنرال
تنسج الرواية على لسان قاض، لا يكشف المؤلف عن اسمه برغم أنه محور الأحداث، وتبدو كما لو أنه يتحدث لنا عن تجربته وفلسفته وأحداثه، ويدير القاضي
(1) في انتظار البرابرة - تأليف ج. م. كوتزي -ترجم: ابتسام عبد الله عرض- المركز الثقافي العربي / الدار البيضاء- ط2 - 2004 - عرض إبراهيم غرايبة--الجزيرة نت ـ24/ 6/2004 م
(2)
في انتظار البرابرة -المؤلف: ج. م. كوتزي -ترجمة: ابتسام عبد الله عرض- المركز الثقافي العربي / الدار البيضاء- ط2 - 2004 - عرض إبراهيم غرايبة--الجزيرة نت ـ24/ 6/2004 م
شؤون المدينة التي يعمل فيها منذ أكثر من ثلاثين سنة، وينظم الحياة والإدارة في المدينة على نحو يضمن مصالح المستوطنين والأصليين من الصيادين والرعاة، ويسعى في خدمة المدينة وتطويرها وحمايتها، والعمل على الكشف عن آثارها، ودراسة تاريخها وتوثيقه، وهو عمل لا يبدو أنه يشغل أحدا في الإمبراطورية، وربما يشغل إدارتها على نحو يهدف إلى طمس التاريخ واحتقاره وتجاهله، وجعله يبدو قسراً، وقد ابتدأ بلحظة قدوم المستوطنين. وبعد عقود طويلة تأسست فيها المدينة وقامت بعيداً عن مركز الإمبراطورية يأتي إليها العميد (غول) من (المكتب الثالث)، وهي تسمية نفهم من قراءة الرواية أنها تطلق على وكالة المخابرات في الإمبراطورية، ويجتمع بالقاضي في فندق المدينة. وينشغل القاضي بضيافة الضابط، ويحدثه عن الصيد والزراعة في المدينة ومحيطها باعتبارهما الموضوع الرئيس الذي يشغل أهل المدينة والسكان، سواء للمعيشة أو الهواية أو التجارة. ولكن العميد غول يبدو مشغولاً وغير مهتم بحديث القاضي، وكأنه لا يستمع إليه، ويظهر احتقاراً مكتوماً للقاضي ومغلفاً بقدر واهٍ ومزيف من الاحترام والمجاملة.
يخبر العميد غول القاضي بأنه يريد أن يذهب في حملة لملاحقة البرابرة في مناطقهم وتأديبهم، واعتقال المتمردين منهم الذين يسيئون إلى الإمبراطورية. وتعتقل قوة الطوارئ بقيادة غول رجلاً كهلاً وابنه الصبي من السكان الأصليين، ولكن لا يوجد سجن في المدينة، ولا يكاد توجد جرائم كبيرة، ويتعامل القاضي عادة مع الجنح والمخالفات بعقوبات من قبيل العمل التطوعي. ولكن غول يعتقد أن المعتقلين خطران وأنهما من المتآمرين على نظام الإمبراطورية، ويجب أن يعد لهما سجن وحراسة لئلا يهربا، فيوضعا في مستودع للحبوب تحرسه ثكنة عسكرية.
يحاول القاضي أن يفهم المشكلة من الرجل المعتقل، ويفهمه أنه متهم بتنظيم غارات على أهالي المدينة وممتلكاتهم، ولكن الرجل يؤكد أنه لا يعلم شيئاً عن الغارة، وقد اعتقل في طريقه إلى المدينة لمعالجة ابنه الصبي المريض. يحاول القاضي أن يفهم المسألة في حديثه مع العميد غول، فالعجوز وابنه المريض لا يقدران على الغارة، ولا يصلحان في ظروفهما أن يكونا جزءاً من فريق أو عصابة للإغارة، ولا يبدو أن لشخصين بسيطين مثلهما فائدة في التحقيق أو جمع المعلومات. ولكن غول الصامت غالباً يقول: يجب أن أستجوبهما. ويتعرض العجوز في الليل