الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هنتنغتون ـ تصب مباشرة في الدور المساعد، الذي يمكن أن يلعبه الدين على الساحة الدولية وخاصة في تعريف عدو أميركا الجديد وهو الإسلام (1).
علاقة الدين بالدولة الأمريكية الحديثة
خلال هذا الكتاب عرضنا لمواقف كثير من الرؤساء والساسة الأمريكيين، حيث لاحظنا أثر الدين في تشكيل مواقفهم تجاه قضية اليهود وإقامة إسرائيل، وسنلاحظ بعد ذلك أيضاً كيف أن الدين لعب دوراً رئيساً في تشكيل مواقف الدولة الأمريكية من كثير من القضايا، مثل قضية الهنود الحمر، والزنوج، والعلاقة مع العالم الخارجي، وهذا يوضح الدور الذي لعبه الدين في الدولة الأمريكية منذ تأسيسها وحتى الآن.
فقد اعتمد الرؤساء الأمريكيون بدءاً من (جورج واشنطن) فصاعداً على الحس الديني، ليس للتأثير على عقول أبناء الشعب فحسب، بل على أفئدتهم أيضاً، لتأييد الأهداف الرئاسية. فالدين والسياسة شكلا نسيجاً متداخلاً عبر تاريخ الولايات المتحدة منذ الفترة الاستعمارية، وحتى وقتنا الحاضر (2)، حيث عملت الطبقة السياسية الأمريكية الحاكمه على استحضار الدين وجعله مكوناً أصيلاً في الممارسة والثقافة السياسية الأمريكية، وذلك في ظاهرة فريدة من نوعها في بلدان الديمقراطيات الغربية، التي فصلت منذ أمد بعيد بين الدين والدولة وبين الدين والمدرسة.
وهنا يرى البعض أن نقطة الامتزاج الروحي بين إيديولوجيا اليمين المتطرف الذي يمثل مصالح كبريات شركات السلاح والنفط في أمريكا، وبين المرجعيات الدينية المسيحية البروتستانيه المتهودة، قد وصلت إلى ذروتها في سبعينيات القرن العشرين المنصرم، إذ يأخذ في اعتباره الحقبة (الريجانيه)، التي بدأت مطلع الثمانينات من ذلك القرن، حيث أفسح هذا الحلف المقدس المجال إلى تنامي الشعور بالفوقية، وتبلور فكرة ونزعة السيطرة على العالم، باعتبار أن الأمة الأمريكية هي
(1) من نحن؟ تحديات الهوية الوطنية الأميركية: صموئيل هنتنغتون - ط1 2004 - الناشر: سيمون آند سيشتر - الولايات المتحدة ـ عرض/ علاء بيومي ـ الجزيرة نت 2ـ8ـ2004م
(2)
الولايات المتحدة من الخيمة إلى الإمبراطورية - إعداد ديب على حسن - مراجعة وتدقيق اسماعيل الكردي - ص295 - الناشر: الأوائل للنشر والتوزيع - ط1 2002
الأمة الأنقى والأميز والأرقى قيماً وحضارة، والأجدر بقيادة العالم على الطريقة الأمريكية الرائدة، في إشاعة الخير ومحاربة الشر (1).
بهذا التبسيط الشنيع لثنائية الخير والشر، اختزلت الطبقة الأمريكية الحاكمة فكرة العالم إذ شطرته إلى شطرين وفرزته إلى قسمين: قسم أخيار، وقسم أشرار. فوضعت في القسم الأول كل من يخضع لمشيئتها ويناصرها ويقلدها، ووضعت في القسم الثاني كل من تتغاير رؤاه معها، وكل من يبدي حرصاً وعقلانية على صيانة مصالحه. ورغم أن بعض رؤساء أمريكا السابقين حاولوا إدخال معتقداتهم الشخصية في طريقة ممارسة الحق الإمبريالي الأمريكي، وهذا ما كان (جيمي كارتر) قد فعله، وكذلك (رونالد ريغان)، الذي أطلق المصطلح الديني القديم المعروف، حول قوى الخير مقابل قوى الشر لوصف الاتحاد السوفيتي، بأنه (إمبراطورية الشر). إلا أن (جورج بوش الابن) يحاول الآن المزج بين تمسكه بالمسيحية المتشددة، ورغبته في وضع نظام عالمي جديد يقوم على المصالح الأمريكية، منطلقاً من فكرة: أن قدر الولايات المتحدة هو أن تشن الحرب للوصول إلى السلام، وهو ما تسميه الولايات المتحدة مفهوم (الحرب الوقائية). ولكن هل هذه النزعة العدوانية هي حقاً وليدة تلك الحقبة السبعينية من القرن العشرين، أم أن لها جذورها الممتدة عميقاً في بنية العقل والثقافة الأمريكية (بما في ذلك المكون الديني).
يقول الدكتور (حامد سلطان): "يبدو ظاهراً أن المبدأ الذي ساد نظام الإمبراطورية الرومانية، هو مبدأ خضوع الشعوب لروما، لا مبدأ (التنظيم العالمي) كما يدعي البعض، وهو يقوم على السيطرة المادية الخالصة. أما استناده إلى السيطرة الدينية والروحية فقد اجتاز مراحل نشير إليها في إيجاز. فمن المفهوم أن المسيحية عندما بدأت زحفها الروحي على روما، صادفت عقبات كثيرة ومقاومة شديدة من الحاكمين، والمسيحية دين يقوم في الأصل على فكرة السلام الخالصة، ومن تعاليمها الثابتة النهي عن القتل والتحذير من القيام به. والأناجيل الأربعة مجمعه على أن من يقتل بالسيف، بالسيف يُقْتَل. لذلك كان طبيعياً أن يرفض الرومانيون الذين دخلوا في المسيحية في المراحل الأولى أن يقوموا بأداء الخدمة
(1) حول علاقة الدين بالدولة الأمريكية الحديثة / محمد الصياد الخليج 15/ 2/2 .. 3م عدد8672
العسكرية في روما، أو أن ينخرطوا في الجيش الروماني، أو أن يشتركوا في الحروب، التي كانت تشنها الإمبراطورية الرومانية. وعلى اثر ذلك قام صراع عنيف بين دعاة المسيحية المسالمة ورجال الحكم في روما، وكان هذا الصراع في الحق صراعاً بين الروحية والمادية، وقد دام هذا الصراع قرابة أربعة قرون. ولكن ابتداء من القرن الرابع للمسيح عليه السلام بدأ رجال الدين المسيحي يتقهقرون ويحاولون التوفيق بين روح المسالمة المسيحية من جهة، وروح السيطرة العسكرية من جهة أخرى. وأخرج القديس (ايزيدور) والقديس (امبرواز) بعض النظريات في هذا الشأن، على أن الداعية الذي كان له الأثر الحاسم في إيجاد هذا التوفيق هو القديس (أوغسطين) الذي أخرج في هذا الشأن مؤلفين أولهما هو (العقيدة المخالفة)، والثاني هو (مدينة الرب)(1).
ويبدو واضحاً لمن يتفحص هذين المؤلفين، أن صاحبهما دعا المسيحيين إلى التخلي نهائياً عن فكرة المسالمة، التي قام على دعامتها الدين المسيحي في الأصل. وليس هنا مقام التفصيل في شأن نظرية أوغسطين، ويكفينا أن نذكر أن هذا القديس قام في مؤلفه الأول، بتسويغ فكرة الحرب وفق الحجج التاليه:
1) أن الحرب هي عمل من أعمال القضاء العادل المنتقم. فهي تقوم لإنزال العقاب بالعدل، ومن ثم فليس هناك ظلم يقع من جانب من يقوم بالحرب العادله.
2) أن الحرب هي لمصلحة المنهزمين، لأنها ترجع بهم إلى حال السعادة في السلام.
3) أن الحروب تقوم من أجل ضمان السلام (2).
وعندما ظهرت حركة الاصلاح الدينى على يد مارتن لوثر واخذت بالتفسير الحرفي للكتاب المقدس، واصبحت التوراة جزء اساسي منه بما تحتوية من معتقدات ومواقف تبرر الحرب والقتل، انعكس ذلك مباشرة على اتباعها، وتحول المسيح عيسى عليه السلام من رسول المحبة والسلام، إلى مسيح يهودي يأتمر بوصايا يهوه ورب الجنود. وبهذا الانقلاب الديني، كانت البروتستانتية في التاريخ الأوروبي، وما
(1) أحكام القانون الدولي في الشريعة الإسلامية ـ الدكتور حامد سلطان ص102 - طبعة دار النهضة العربية عام (1968م) القاهرة
(2)
الحرب الأمريكية الجديدة ضد الإرهاب - من قسم العالم إلى فسطاطين - اسعد أبو خليل ص34
تفرع عنه في العالم الجديد، حركة انقلاب سياسية /لاهوتية/ فكرية/ اجتماعية، مازال العالم يشهد مسار ما تمخضت عنه صوب جائحة عالمية، لا يستطيع أحد أن يتنبأ بما قد تتسبب فيه من دمار ومعاناة ومذابح (1)، بسبب تبنيها المعتقدات اليهودية العنصرية الحاقدة، التى لعبت دوراً رئيساً في نشوء الارهاب والاجرام البريطاني الأمريكي تجاه العالم؟.
وهكذا فإن الجذور الدينية للمواقف الأمريكية تجاه الحرب والسلام توجد في الكتب المقدسة المسيحية واليهوديه. وقد أدت هذه الكتب إلى ظهور ثلاث رؤى للحرب: الحرب المقدسة، والحرب العادلة والسلامية، حيث أن المسيحية كان لها السيادة في تشكيل المواقف على النحو التالي: إلى أن جاء حكم (قسطنطين)، ظلت السلامية هي الموقف السائد للمسيحية، وإلى جانب هذا الموقف يمكن ملاحظة موقفين آخرين معاديين للسلام، حيث ينص مذهب الحرب العادلة على جواز مشاركة المسيحيين في الحرب، وجواز إجبارهم على ذلك ما دامت الحرب تعلنها السلطة الصحيحة، ويتم فيها الالتزام بقواعد أخلاقية. وظهرت فكرة الحرب المقدسة، أو الحرب الصليبية خلال القرون الوسطى، حيث كان منهج الحرب المقدسة أو الحرب الصليبية، هو أحد المظاهر المهمة للمواقف في الولايات المتحدة تجاه الحروب، ومصطلح الحرب المقدسة كما هو مستخدم هنا، يعني حرب مقدسة يشنها الصالحون نيابة عن الرب ضد الكفار والمهرطقين سياسياً أو دينياً (2).
وفي ظل هذا التبرير الديني الجاهز للحرب، تحت مسميات مختلفة لم يكن مستغرباً أن نجد أمريكا تبرر حروبها المختلفة بنفس المبررات، حتى أن (ريشارد لاند) رئيس مفوضيه الحرية الأخلاقية والدينية لكنائس (بابست) في الولايات الجنوبية، برر الحرب على العراق في أحد مقالاته على خلفية أسباب دينيه بقوله:"قيادة حرب عادلة هي عمل مسيحي يقوم على الإيثار، فالأشرار يجب أن يعاقبوا، والأخيار يجب أن يكافئوا، لقد جاء وقت العنف". كما أن التيارات الأصولية المتطرفة بدأت تنادي بصورة متزايدة بوجوب شن حرب صليبيه ضد الإسلام، رغم أن عدداً من
(1) المسيحية والتوراة - شفيق مقار ص71.
(2)
الدين والسياسة في الولايات المتحدة ـ ج1ـ مايكل كوربت ـ جوليا ميشتل كوربت ص122