الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النظر الإسرائيلية والأمريكية المؤيدة لها. إذاً لا يمكن فهم هذا الإعلان من قبل كلينتون، إلا بالنظر إلى الخلفية الدينية السائدة في أمريكيا والتي يعتبر كلينتون جزءاً منها.
الخلفية الدينية لبل كلينتون
…
!!
سيعتبر الكثيرون الحديث عن الخلفية الدينية للرئيس بل كلينتون نوعاً من التعسف والتجنى في غير محله، وبالذات بعد التهم التي لاحقته بشأن علاقاته الغرامية مع (بولا جونز) و (مونيكا لوينسكى)، حيث سيقول هؤلاء كيف يمكن الحديث عن تدين كلينتون وهذه أفعاله؟!!. وللرد على ذلك نقول: إن ما قام به كلينتون لا يختلف في شيء عما قام الرئيس الأمريكي (كليفلاند)، الذي جاء إلى البيت الأبيض مجتازاً باب النجاح في الانتخابات التي جرت 1884م اجتيازاً عسيراً، بهامش ضيق من الأصوات بسبب الفضيحة التي طاردته، عندما اتهمته سيدة تدعي (ماريا هيلبين) بأنه أب لابنها دون زواج. حيث غفر الأمريكيون لـ (كليفلاند) ـ كما رأيناهم يغفرون لكلينتون ـ فضيحته مع (مونيكا)، وسمحوا لذلك المحامي المنتمي للحزب الديمقراطي (كليفلاند)، الذي عمل في الشرطة ـ قبل أن يصبح حاكما لولاية نيويورك ـ أن يصبح رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية (1).
كما أنه لا يختلف عما قام به كثير من رموز الكنيسة البروتستانتية في أمريكا، مثل (جيمى سواجارت) و (جيم بيكر) اللذين مارسا الزنا لمرات عديدة، ولما افتضح أمرهما لم يخجلا من ذلك، وذهبا إلى الكنيسة، وأعلنا التوبة أمام إتباعهم، وعلى الهواء مباشرة، وعادا بعد ذلك لممارسة الوعظ في الكنيسة مره أخرى، وكأن شيئاً لم يحدث. بل أن الأمر وصل إلى درجة أن بعض البروتستانت التحرريون ساموا علناً أشخاصاً يمارسون الشذوذ الجنسي جهاراً، فجعلوا منهم قساوسة، حيث اعتبروا تقبل الشواذ جنسياً، والذين كانوا منبوذين سابقاً تعبيراً عن أخلاقيات المسيح!؟ (2). وهذا أمر طبيعي في العقيدة البروتستانتية، التي تؤمن بحرفية كل ما جاء في الكتاب
(1) المسيحية والتوراة - شفيق مقار ص 204
(2)
الدين والثقافة الأمريكية - جورج مارسدن - ترجمة صادق عودة ص268
المقدس، الذي يضم بين دفتيه مئات القصص والراويات عن ممارسة الفاحشة واللواط وغيرها، والتي تنسب للأسف ليس لأشخاص عاديين، بل تنسب للأنبياء والصالحين!!.
إذ فخطيئة كلينتون من وجهة النظر الدينية ـ ومنظومة القيم، التي يقوم عليها المجتمع الأمريكي، لا تنفى تدينه، وإيمانه بحرفية كل ما جاء في الكتاب المقدس، وليس أدل على ذلك أنه شوهد أثناء أزمة اتهامه، وهو يخرج كل يوم أحد من الكنيسة، حاملاً في يده نسخته الشخصية من الإنجيل!! (1).
وبالعودة إلى نشأة كلينتون، نجد أنه ولد في ولاية اركنسو، وتولى حكمها فيما بعد. والواقع أن المدينة التي ترعرع فيها بيل في اركنسو، وهي هوت سبرينغ (أو الربيع الحار)، كانت تحتوي على نوعين من النشاطات: الكازينو، وسباق الخيل، من جهة، والمعمدانية أو الأصولية المسيحية الجديدة من جهة أخرى. ولقد كان تأثير الأصولية المسيحية كبيراً عليه، ولا يزال حيث انعكس ذلك بصوره كبيره على موقفه من إسرائيل، حيث كان (بيل كلينتون) كريماً في الوعود التي أطلقها لصالح الدولة العبرية، وصريحاً في انتقاده للإدارة السابقة عليه. وجاء في رسالة بعث بها إلى الناخبين ـ أثناء حملته الرئاسية ـ يطلب دعمهم ما حرفيته:"نعم إسرائيل وأميركا على منعطف طرق اليوم، نطلب منك دعماً مالياً سخياً، أن بوش يستطيع أن يجمع الملايين بدعوة أصدقائه الأغنياء إلى العشاء. هل تساعدوني على إرجاع المنطق إلى العلاقة الأميركية ـ الإسرائيلية؟. الرجاء أجيبوا اليوم وكونوا كرماء، اقسم أني إذا انتخبت رئيساً، لن أخيب أمل إسرائيل أبداً". والتزاماً بوعوده، فقد جاءت التعيينات اليهودية في الإدارة الكلينتونيه بحصة مهمة لها وزنها وتأثيرها على الصعيدين الداخلي والخارجي (2).
كما أن كلينتون نفسه وضح الخلفية الدينية التي تدفعه للتعاطف مع إسرائيل التي زارها في عام 1981م، حيث وصف هذه الزيارة التي تأثر بها كثيراً، بأنها كانت، زيارة دينية أكثر منها سياسية. كما أنه تأثر كثيراً بقصة موت أحد رجال الدين
(1) الحرب الأمريكية الجديدة ضد الإرهاب - من قسم العالم إلى فسطاطين - اسعد أبو خليل- - ترجمة / ميرفت أبو خليل - ص 34 - دار الآداب للنشر والتوزيع /بيروت - ط1 2003
(2)
خلفيات الحصار الأمريكي البريطاني للعراق د. صالح زهير الدين ص 86ـ87
المسيحيين، كان قد مات مؤخراً، وتحدث إليه طويلاً قبل ذلك، حيث قال له هذا القس:"إنه يأمل في أن يصبح رئيساً للولايات المتحدة، ولكنه قال له أيضاً: "إنه يجب عليه أن يحافظ على إسرائيل
…
لأنه إذا تخلى عن إسرائيل، فلن يغفر له الله". وعلق كلينتون على ذلك بقوله:"أعتقد أنه ينظر إلى الآن ـ يقصد القس ـ وإذا ما انتخبت فلن أتخلى عن إسرائيل"(1).
هكذا يؤكد (بل كلينتون) كسابقيه من الرؤساء الأمريكيين على الأبعاد الدينية والتوراتية لعلاقته بإسرائيل، حيث أنه لم يبخل منذ توليه الرئاسة في تقديم كافة أنواع الدعم للدولة اليهودية. فقد قام بزيارتين لإسرائيل، ليؤكد للجميع دعمه وتأييده لها، ومن تابع هاتين الزيارتين، لابد وأنه لاحظ مدى مشاعر الحب والود التي يكنها الرئيس بل كلينتون لإسرائيل وارض إسرائيل. ففي خطابه أمام الكنيست الإسرائيلي خلال زيارته الأولى، كان (بل كلينتون) يتغنى باليهود وإسرائيل، وبالقيم اليهودية التي منحها الشعب اليهودي للعالم الحر .. وفي الزيارة الثانية لاحظنا مدى تأثره باغتيال رابين، حيث جاء وطاف حول قبر رابين وكأنه يطوف أمام قبر نبي أو مكان مقدس، ولإظهار هذه القدسية ارتدى القبعة اليهودية، وودع رابين بكلمات عبرية قائلاً (شالوم حافير)(وداعاً يا صديقي).
كما أن حرص الرئيس كلينتون وإدارته على إسرائيل ومصالحها، بلغ أكثر من حرص الإسرائيليين على أنفسهم، فقد حدث أن أصدر مجلس الأمن الدولي قراراً بإدانة إسرائيل لقيامها بمصادرة مساحات واسعة من الأراضي في مدينة القدس، فقامت أمريكيا باستخدام حق الفيتو ضد القرار، ولكن في اليوم التالي أجبرت الحكومة الإسرائيلية ـ بعد ضغوط من أعضاء الكنيست العرب ـ على إلغاء هذا القرار، بعد أن هددوا بالتصويت ضد الحكومة في جلسات الكنيست. أما موقفه العدائي والحاقد من العراق، فليس بحاجة إلى توضيح، حيث أنه وخلال فترة رئاسته، ارتكب أبشع الجرائم بحق الشعب العراقي، من تدمير وحصار جائر راح ضحيته أكثر من نصف مليون طفل عراقي، هذا بالرغم من أن العراق التزم بكافة قرارات مجلس
(1) جريدة القدس ـ العدد: 8329 ـ السبت 7ـ11ـ 1992م.