الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باستخدام الأسلحة الكيميائية ضد العرب المتمردين، على سبيل التجربة، متجاهلاً اعتراضات مكتب الهند ومعتبراً إياها (غير مقبولة) ومستهجناً الحساسية المفرطة حول استخدام الغاز. وأوضح تشرشل أيضاً "أننا لا نستطيع تحت أية ظروف أن نقبل الاستسلام لعدم استخدامنا الأسلحة المتوفرة لدينا التي تستطيع أن تحقق لنا النصر الأكيد وتنهي أعمال الشغب المندلعة على الحدود". وأضاف كذلك، "أن الأسلحة الكيميائية ما هي إلا "تطبيق العلم الغربي على الحرب الحديثة" (1). ومن سخريات القدر أن بريطانيا وأمريكا حاربت العراق وتريد محاكمة قادته بدعوى استخدام أسلحة كيماوية ضد الأكراد، هذا في حين أن البريطانيين كانوا أول من استخدمها ضدهم، وهم الأولى بالمحاكمة. ويلقى كتاب (الإمبراطورية .. كيف صنعت بريطانيا العالم الحديث) الضوء على كيفية نشوء الإمبراطورية البريطانية؟ حيث يبين كيف أنها توسعت من خلال القرصنة وافتعال الحروب، وممارسة الإبادة العنصرية ضد الشعوب التي احتلتها (2).
التخطيط لضرب العراق
كان التحسن المطّرد للعلاقات العراقية العربية عاملاً محفزاً على تسريع مسار المواجهة والحرب معه، إذ إن آخر ما كانت تريده واشنطن هو أن يتصالح العرب مع النظام في العراق مهما كانت أرضية ذلك التصالح، حتى لو كان اعتذار بغداد للكويت عن غزو سنة 1990م، حيث أن مؤتمر قمة القاهرة في أكتوبر 2000م قطع خطوة مهمة في ذلك الطريق. كما أن أهمية العراق الدائمة تكمن في نفطه، فالعراق يحتوي على ثاني أكبر مخزون للنفط في العالم بعد السعودية، ويعتبر النفط العراقي من أنظف وأجود أنواع النفط. ولا يمكن للغرب أن يتسامح مع وجود نظام غير مؤيد له يسيطر على ذلك المخزون (3). وهنا يميل الكاتب والروائي البريطاني
(1) الدولة المارقة - حكم القوة في الشؤون الدولية ـ نعوم تشومسكي - ترجمة محمود على عيسى ص39
(2)
الإمبراطورية .. كيف صنعت بريطانيا العالم الحديث؟ ـ نيل فيرغسون - ط1 2003 - الناشر: بنغوين، لندن- كامبردج بوك ريفيوزـ الجزيرة نت ـ 16/ 2/2004م
(3)
العراق .. تقرير من الداخل ـ المؤلف: ديليب هيرو كامبردج بوك ريفيوز
(جون لوكاريه) إلى الاعتقاد أن العراق لا يشكل تهديدا لجيرانه، ولكن سوء حظه يقع في النفط الذي يتوافر في أراضيه بكميات هائلة مغرية للشركات الأميركية، وأما مسألة حقوق الإنسان فهي لا تحتاج إلى نقاش، فمعظم حلفاء أميركا المهمين يمارسون انتهاكات بشعة للحريات والديمقراطية وأبسط حقوق الإنسان (1).
ولكن أياً كان التحسن في علاقات بغداد مع جوارها الإقليمي، أو الاعتراف بأهمية نفطها، فإن أحداث 11 سبتمبر وفرت للولايات المتحدة الفرصة التاريخية، لتحاول الحسم مع العراق بالقوة العسكرية هذه المرة. لكن الخطط الأميركية للقيام بعمل عسكري ضد العراق سبقت قدوم إدارة (جورج بوش الابن) وتفجيرات سبتمبر 2001، وتعود إلى (رؤى) قدمها صقور أميركيون عام 1998م إلى الرئيس السابق بيل كلينتون تدعو إلى الإطاحة بصدام عسكرياً. وكان من سخريات القدر أن أولئك الصقور الذين كانوا خارج إدارة كلينتون، صاروا من أعلى القيادات في إدارة جورج بوش الابن، مثل دونالد رمسفيلد وريتشارد بيرل وبول وولفويتز. وهكذا فقد سارعت تلك المجموعة إلى تفعيل (المسار العراقي) البعيد وغير الموصول بكل قصة (الحرب ضد الإرهاب) أو بتنظيم القاعدة أو أسامة بن لادن. وتم الإعلان عن محور الشر الذي ضم بالإضافة إلى العراق إيران وكوريا الشمالية (2).
ولكن كيف تحول المشروع الإمبراطوري الأمريكي من الحرب على الإرهاب إلى الحرب على العراق؟ وكيف انتقلت بؤرة الحوادث في ما جرى يوم 11 سبتمبر 2001م من نيويورك إلى كابل، ثم من كابل إلى بغداد؟. يجيب الأستاذ (محمد حسنين هيكل) على ذلك بقوله: "لقد وجدت الإدارة الأمريكية بعد تدمير برجي مركز التجارة مباشرة أنها بحاجة إلى ضرب العراق، لأن الشعب الأمريكي برأي الرئيس بوش كان بحاجة إلى عمل كبير، وليس معركة واحدة، ولكن حرب ممتدة يشعر بها الشعب
(1) ذهنية الإرهاب .. لماذا يقاتلون بموتهم؟ ـ جان بودريار وآخرون ترجمة: بسام حجارـ الناشر: الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي
(2)
العراق .. تقرير من الداخل ـ المؤلف: ديليب هيرو كامبردج بوك ريفيوز
الأميركي، ويتأكد أن الإدارة الأميركية تدافع عنه حتى أقاصي الأرض، واتخذ قرار الحرب على العراق بعد الأحداث بأيام قليلة" (1).
وفي الحقيقة فإن الحرب على العراق بدأت عام 1991م، ولم يكن الغزو عام 2003م إلا استكمالا لهذه الحرب، ولا علاقة له بالحرب على الإرهاب، وقد شنت الولايات المتحدة أربع حروب متتالية على العراق منذ العام 1991م، وهي حرب الخليج وتدمير البنية التحتية المدنية العراقية، وحرب الاستنزاف الطويلة والعملية الاستخبارية المتواصلة بالتعاون مع لجان التفتيش، وحرب العقوبات الجماعية الخطيرة، وأخيرا غزو العراق في 20 مارس 2003م، حيث شنت الولايات المتحدة في مساء 19 مارس 2003م هجوماً على العراق، وأسقطت في الساعات الثلاث الأولى لحربها على العراق 3000 قنبلة وصاروخ معلنة حرباً لاحتلال العراق استغرقت 20 يوماً وانتهت بسقوط بغداد في 9 أبريل (2).
ودخلت الولايات المتحدة فوراً في ترتيب الغنائم وإحصائها والسيطرة عليها، وأهمها بالطبع هو النفط، ثم السيطرة الإستراتيجية على المنطقة وتهديد جميع الأنظمة السياسية والدول، وربما يكون التحول في السلوك والمواقف العربية، والإعلان عن مشروعات لتغيير مناهج التعليم في الدول العربية من تجليات ونتائج الحالة الجديدة الناشئة بعد احتلال العراق. وقدرت خسائر الدول النفطية بسبب غزو العراق عام 2003 بعشرات المليارات من الدولارات، وتكبدت الدول المجاورة للعراق خسائر فادحة، وتدهورت أسعار النفط، وتضررت السياحة العربية والقطاعات الحليفة لها كالطيران والفنادق والمطاعم والصناعات الحرفية، وتراجعت بل انحسرت الاستثمارات الأجنبية الموجهة إلى البنى التحتية، وعمليات الخصخصة في الدول العربية. وتقدر الخسائر الملموسة بـ 400 مليون دولار يومياً، وقدرت الخسائر
(1) الإمبراطورية الأميركية والإغارة على العراق ـ محمد حسنين هيكل - دار الشروق- ط5 200 - عرض/ إبراهيم غرايبةـ الجزيرة نت ـ 12/ 2/2004م
(2)
زلزال في أرض الشقاق العراق (1915ـ2015) ـ ـ كمال ديب ـ عرض/ إبراهيم غرايبة ـ المصدر: الجزيرة ـ19/ 2/2004م