الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بريجنسكى يكشف المستور
كشف بريجنسكي أخيراً عن تفاصيل أكبر لحقيقة الحرب في أفغانستان، وكيف أنها بدأت حتى قبل الاحتلال السوفيتي. وقد كشف عن ذلك في سياق الحقائق، التي تكشف أخيراً، أن (برجنسكي) كان يتستر عليها بأستار سميكة من الغموض، ولكنه أخيراً فتح خزائن ذاكرته وأوراقه، واعترف في حديث طويل مع المجلة الفرنسية (لا توفيل أوبسرفاتور)(1) اعترافاً كاملاً وافياً، وقد جرى الحديث بالنص التالي:
سؤال: إن المدير السابق لوكالة المخابرات الأمريكية (روبرت جيتس)، كتب في مذكراته، التي صدرت أخيراً بعنوان (من الظلال) أن المخابرات الأمريكية بدأت تساعد المجاهدين في أفغانستان بشكل مكثف، قبل ستة شهور من دخول الجيش السوفيتي إلى ذلك البلد، وقد كنت أنت في تلك الأيام مستشاراً للأمن القومي، لرئيس الولايات المتحدة، معنى ذلك أنك تعرف، وأنه كان لك دور، فهل ما ذكره جيتس صحيح؟.
برجينسكي: ليس بالضبط .. نحن لم نقم بـ زق الروس حتى يتدخلوا، ولكننا عارفين بما نفعل .. رفعنا درجة احتمال تدخلهم.
سؤال: هل معنى ذلك أن الروس كانوا على حق في تبرير دخولهم في أفغانستان على أساس أنهم اضطروا لمواجهة عملية سرية تقوم بها الولايات المتحدة ضدهم؟ كانوا يقولون ذلك ولم يكن أحد يصدقهم، والآن يظهر أن فيما قالوه شيئاً من الحقيقة. ذلك أمر يدعو إلى الأسف.
(1) اجريت المقابله في يناير عام 1998 واعيد طباعتها تحت عنوان " كيف انشأت والرئيس كاتر المجاهدين- بريجنسكي - اعيد طبعه على موقع شبكة Counter Punch في 8 اكتوبر 2001. راجع كتاب "ما وراء 11 سبتمبر (مختارات معارضة) - تحرير فل سكراتون - تعريب د. ابراهيم يحيى الشهابي - راجعه وفيق زيتون - ص 35 - الحوار الثقافي - ط1 2004
برجنسكي: الأسف على ماذا؟ إن العملية السرية التي قمنا بها كانت فكرة رائعة، لقد أدت إلى دخول السوفيت في فخ تمنينا أن يدخلوا في مثله .. وقد دخلوا .. فهل تريدون أن أقول لكم أنني آسف على مخطط وضعناه ونفذناه ونجح بامتياز؟ (1).
سؤال: هل تعرف أن ذلك معناه أنكم أعطيتم السلاح للإرهابيين، الذين أصبحوا أعداء لكم؟
…
إنكم خلقتم بذلك صورة الإسلام الإرهابي.
برجنسكي: أيهما أفضل للغرب انهيار الاتحاد السوفيتي، أو ممارسة الإرهاب بواسطة بعض الجماعات الإسلامية؟ أيهما أخطر على الغرب طالبان أو الاتحاد السوفيتي؟ (2).
وجواب بريجنسكي واضح، حيث كانت هزيمة السوفييت بالنسبة للأمريكيين أهم، مما قد تشكله الجماعات الإسلامية من خطر. فهي من ناحية، إثباتاً وتبريراً لعقيدة ريغان المتمثلة بتشجيع المقاومة المسلحة للأنظمة الشيوعية، وإذلالاً مؤكداً للسوفييت مقارنة مع ما عاناه الأمريكيون في فيتنام، ومن ناحية أخرى كان لهزيمة السوفييت في أفغانستان عواقبها، التي انتشرت في المجتمع السوفييتي ومؤسساته السياسية، وساهمت بشكل عظيم في تفكك وانهيار الإمبراطورية السوفييتية. فقد هزم السوفييت في نهاية المطاف بسبب ثلاثة عوامل، حيث لم يستطيعوا أن يجاروا بشكل فعال ـ أو علي الأقل يتعادلوا مع تقنية الحرب الأمريكية، ولا أن يواجهوها. أما السبب الثاني فكان الأموال السعودية، بينما تمثل السبب الثالث في الأعداد الضخمة من المسلمين وحماسهم للقتال (3).
يقول بريجنسكي: "يوم تدخل الروس بجيشهم في أفغانستان كتبت للرئيس كارتر مذكرة قلت له فيها: إن أمامنا الفرصة الآن لكي نجعل الاتحاد السوفيتي يذوقون مرارة الكأس التي شربناه في فيتنام. والحقيقة أننا ولمدة عشر سنوات، جعلنا الروس ينزفون دماً ولا ينزفون جهداً فقط، فهم حين دخلوا أضروا باقتصادهم
(1) يبدو أن الإدارات الأمريكية المختلفة مغرمة بمثل هذه العمليات السرية ومنذ زمن طويل، وسيتضح لنا كيف أن أحداث 11 سبتمبر ما هي إلا عملية سرية نفذتها الإدارة الأمريكية لخلق مبرر لحملتها الصليبية على العالم الإسلامي.
(2)
من نيويورك إلى كابول ـ محمد حسنين هيكل ص 243
(3)
إمبراطورية الشر الجديدة ـ عبد الحي زلوم ـ القدس العربي ـ 3/ 2/2003 م
وأرهقوا سلاحهم وأضعفوا معنويات جنودهم، وأضروا بهيبتهم، وذلك أدى في النهاية إلى تمزق الإمبراطورية السوفيتية" (1).
ويوضح الأستاذ محمد حسنين هيكل الأمر أكثر، بقوله:"فالعملية كما اتضح الآن، كان وراءها أكثر مما ظهر منها، لأن الجهاد الإسلامي الذي أعلن ضد الاتحاد السوفيتي لم يكن رد فعل طبيعياً لدخول الجيش السوفيتي، وإنما كان خطوة وسط في سياق جرى قبلها واستمر بعدها. كانت الخطوة الأولى قراراً أمريكيا بإزعاج السوفيت في جمهورياتهم الجنوبية، من قواعد في أفغانستان، حيث أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، بدأت التحريض ضد الاتحاد السوفييتي باسم الإسلام ومن وراء حدود أفغانستان، بينما النظام الملكي يحكم في كابول، والعرش عليه الملك (ظاهر شاه) والسلطة الحقيقية في يد ابن عمه، ورئيس وزرائه السردار داود خان. وقد أدى التحريض إلى قلاقل أوصلت إلى عزل الملك (ظاهر شاه) وجاءت بـ (داود خان) لرئاسة الدولة في محاولة لتهدئة التحريض ولم تنجح"(2).
هذه هي قصه الحملة الأمريكية في أفغانستان، وقصة ما سمي بالجهاد الإسلامي، وما أفرزه من تنظيمات وجماعات إسلامية كان على رأسها تنظيم القاعدة، الذي أصبح بقدرة قادر العدو الأول لأمريكا. ففي حين أن العدو الحقيقي للعرب والمسلمين كان الاغتصاب الإسرائيلي في فلسطين، فإن العمل العربي والإسلامي ذهب للجهاد في أفغانستان مقاتلاً ضد الإلحاد المادي، الذي دخل من بوابات (كابول)، وكانت الخطط الأمريكية محكمة، والإشراف الباكستاني حازماً يشرف عليه رئيس المخابرات العسكرية الباكستانية الجنرال (حميد غول)، والتمويل الخليجي سخياً، وحشد السلاح وتجنيد المتطوعين شديد الهمة والعزم. وتقول كافة الشواهد أن شباباً عربياً مسلماً أضاع نفسه وهدفه وحياته في حرب لا معنى لها، ضد طرف لم تثبت عداوته للعرب ولا للمسلمين، لكنه اتهم بالإلحاد واختص بالعقاب، رغم وجود كثيرين غيره في عالم ضاع فيه الكثير من اليقين. فسقط شباب كثيرون ـ مسلمون وعرب ـ في هذه الفجوة بين الجهاد والإرهاب، وخرجوا من زمنهم ومن المستقبل،
(1) الدولة المارقة - دليل إلى الدولة العظمى الوحيدة في العالم - ويليام بلوم - ترجمة كمال السيد ـ ص 33
(2)
من نيويورك إلى كابول ـ محمد حسنين هيكل ص130