الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل التاسع
تدمير حضارة العراق
غزو العراق بين هولاكو وبوش
عندما حرق (هولاكو) عواصم وأباد شعوبًا جاءت (عين جالوت) لتصيب قلب الشر وتخلعه من صفحات الزمان ممجدةً (قطز) الذي أنقذها من وحوش متدثرةً بملامح البشر. واليوم يدور التاريخ ليبني (بوش الابن) من هجمات سبتمبر المزعومة منصةَ القفز نحو حلم السيطرة، ويعلن (سوف أعلنها حربًا صليبية)، ولما راعه انفلات لسانه راح يُطلق على أمانيه صفة (العدالة المطلقة)، ثم عدّل وبدل مستعيرًا اسم إحدى الحملات الصليبية القديمة ليكون عنوانًا لصليبيته الجديدة على الإسلام (حملة النسر النبيل)(1).
وما بين هولاكو وبوش من فروقات في الزمن الا ان نظره متمعنه فيما جرى يكشف عن تشابه بل تطابق بين الحملتين الهمجيتين. فحينما دخل (هولاكو) بغداد في شهر صفر عام 655 للهجرة، 1258 للميلاد، قام جنوده باستباحة المدينة، فمارسوا القتل والسلب وارتكاب المنكرات، فقتلوا حوالي مليون مسلم من النساء والأطفال والشيوخ والبالغين، حتى كانت الميازيب تجري بدماء الناس ـ كما يقول ابن كثير في تاريخه ـ ثم ركزوا على تخريب القصور وإتلاف الكتب، التي كانت تعبر عن حضارة الأمة وثقافتها، حيث كانت بغداد آنذاك عاصمة الخلافة ومهد الحضارة ومدينة النور. وقد وصل حقد التتار إلى حد أنهم ملئوا نهر دجلة بالمخطوطات، ليجعلوا منها جسراً لعبور خيلهم إلى الضفة الأخرى من النهر، حتى أن مياه النهر تحولت إلى اللون الأسود بعد ما صبغها المداد الذي صيغت به المخطوطات. واستمروا على هذا الحال أربعين يوماً، وهذا ما جعل المؤرخ العريق (ابن الأثير) صاحب كتاب (الكامل في التاريخ)، يقول: "لقد بقيت عدة سنين معرضاً عن ذكر هذه الحادثة استعظاماً لها، كارهاً لذكرها، فكنت أقدم رِجْلاً وأؤخر أخرى، فمن الذي يسهل عليه
(1) انها حرب على الإسلام- رسالة محمد مهدي عاكف المرشد العام لجماعة الاخوان المسلمين - موقع اخوان اون لاين - 23 - 9 - 2004
أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين؟ ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك؟ فياليت أمي لم تلدني، ويا ليتني متُّ قبل هذا وكنت نسياً منسياً" (1).
"وما حدث على يد (هولاكو) قبل حوالي 745 عاماً في بغداد، يتكرر اليوم ولكن تحت رعاية (بوش) وجنوده، فقد استُبيحت ونُهبت ودُمرت متاحف بغداد، والموصل، وكركوك، والبصرة، وجامعاتها، ومكتباتها، وحضارة خمسة آلاف عام، وإذا كان (الطبري) و (ابن الأثير) و (ابن كثير) وعشرات آخرون من مؤرخي المسلمين قد أرخوا بألم وأسى لهجمة هولاكو، فلا ندري ما الذي سيسطره مؤرخو اليوم للأجيال القادمة عن حملة بوش، حيث تُستباح حضارة العراق وثقافته وتاريخه تحت سمع العالم وبصره؟ "(2).
يقول المؤرخ المنغولي (بيرا) في إحدى المقابلات: "أن المغول اكتسحوا بغداد في أربعة أيام فقط وعاثوا فيها تدميراً وحرقاً، مما ترك المدينة دون ملامح، والسكان في غاية الرعب، ونهبوا الخزينة، وقتلوا ما بين 200 ألف و800 ألف. واستطاع الجنرالات المغول بث الرعب في الخليفة في بغداد بما أجبره على تسليم كنوزه، وتقديم 700 أميرة هدية إلى المغول في مقابل النجاة بحياته". أما قوات التحالف الأميركية ففشلت في إثارة الرعب في عراق القرن الواحد والعشرين، فبعد اكتساحهم بغداد، بقي مغول القرن الثالث عشر الميلادي ينهبون المدينة لمدة سبعة عشر يوماً، أما في عراق القرن الواحد والعشرين فإن النهب والسلب قام به مرتزقة بإشراف ومباركة القوات الأمريكية. ومن المفارقات الغريبة كما يقول الخبير التاريخي (ميكل كون) إلى أن العراق تعرض لحملتين من كل من المغول والأميركيين. والفترة الفاصلة بين الهجومين المغوليين استمرت 13 سنة عانت بغداد خلالها من الفيضانات التي أضعفتها، كما فصلت بين الهجومين الأميركيين 12سنة تخللتها عقوبات اقتصادية أنهكت العراق" (3).
(1) الكامل في التاريخ - ابن الأثير ـ حوادث سنة 617 وما بعدها ج9 ص329ـ387 - - دار الكتاب العربي للطباعة والنشر والتوزيع
(2)
قناة الجزيرة 14ـ4ـ2003 ـما وراء الأحداث/ تدمير حضارة العراق/- تقديم احمد منصور- شارك في الندوة (نداء كاظم: فنان تشكيلي عراقي ـ د. هاشم يحيى الملاح: أستاذ التاريخ بجامعة الموصل ـ د. طالب البغدادي: خبير دولي في الآثار والتراثمنير بوشناق: المدير العام المساعد لشؤون الثقافة باليونسكو.
(3)
أولان باتور (منغوليا) ـ خلدون الأزهري ـ الحياة ـ 2003/ 05/30
ويصل التشابه بين الحملتين ذروته بمقارنه أسباب سقوط بغداد في الحملتين، حيث يرجع كبار مؤرخي ذلك العصر هزيمة الخليفة (المستعصم) أمام المغول إلى عدم الإعداد، وإلى الصراعات الطائفية المريرة بين قادة الشيعة والسنة. فيزعم بعضهم أن حاكم الموصل، والوزير العلقمي (وزير البلاط الأكبر) ، وكان شيعياً، قد خانا البلاد، حرفياً، وخدعا حاكمهم لصالح المغول. ويتهم ابن الأثير الوزير بأنه أشار على الخليفة بأن يقلل من حجم الجيش بحيث لم يتبق سوى عشرة آلاف جندي للدفاع عن المدينة في مواجهة مأتي ألف من فرسان المغول. ويشير آخرون بأصابع الاتهام إلى الأكراد الذين كانوا قد دعموا حملة مغولية سابقة (1). واعتقد أنه لا حاجه بنا إلى التأكيد إلى أن نفس الخيانة والتآمر من الشيعة والأكراد، حصل خلال حملة بوش الجديدة طمعاً في تحقيق أطماع طائفية ضيقه، وليذهب بقية العراقيين إلى الجحيم.
بل إن قراءة المفردات المستعملة في خطب وتصريحات الرئيس (بوش) حول قوة أميركا العسكرية، وحول التهديدات الموجهة إلى الرئيس العراقي (صدام حسين) تشبه إلى حد بعيد المفردات التي استعملها (هولاكو) في القرن الثالث عشر الميلادي في رسالة الإنذار التي وجهها إلى الملك (قطز) ملك مصر في عهد المماليك، في تلك الرسالة، قال هولاكو:"إنا نحن جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه، وسلطنا على من حل به غضبه، فلكم بجميع البلاد معتبر، وعن عزمنا مزدجر، فاتعظوا بغيركم، واسلموا إلينا أمركم، قبل أن ينكشف الغطاء وتندموا على الأخطاء، فنحن لا نرحم من بكى، ولا نرق لمن اشتكى، وقد سمعتم أننا فتحنا البلاد، وطهرنا الأرض من الفساد، وقتلنا معظم العباد. فعليكم بالهرب، وعلينا بالطلب، فأي أرض تأويكم؟ وأي طريق ينجيكم؟ وأي بلاد تحميكم؟ فما من سيوفنا خلاص، وما من مهابتنا مناص، فخيولنا سوابق، وسهامنا خوارق، وسيوفنا صواعق، وقلوبنا كالجبال، وأعدادنا كالرمال، فالحصون لا تمنع، والعساكر لقتالنا لا تنفع، ودعاؤكم علينا لا يسمع .. "(2).
(1) بوش في بابل (إعادة استعمار العراق) - طارق على ترجمة د. فاطمة نصر ص49
(2)
الدين في القرار الأمريكي ـ محمد السماك - ص95
وقبل أن يصدر (رمزى كلارك) وزير العدل السابق كتابه عن جرائم أمريكا ضد الإنسانية في حربها على العراق، كانت الفرقة الجوية القتالية السابعة والسبعون، قد أنتجت ووزعت كتاب أناشيد تصف فيه ما ستفعله الفرقة في الخليج، وتنذر هذا (المتوحش القميء .. (خذن الأفاعي) بأن يستعد للإبادة فيما ينتهي أحد هذه الأناشيد بخاتمة تقول:"الله يخلق، أما نحن فنحرق الجثث". والكتاب كما يصفه (كريستوفر هيتشنس) في The Nation خليط من السادية والفحش، ومعظمه تشنيع وتشهير وشتائم بذيئة للعرب والمسلمين، باعتبار أنهم أعراق منحطة، و (حشرات) و (جرذان) و (أفاع)، وهي بذاءات مقتبسه بالتأكيد من كتاب (حياة محمد)(لجورج بوش)(الجد الأكبر 1796 - 1859) الذي يضم أشنع ما كتب عن العرب والمسلمين والنبي محمد في الولايات المتحدة، وقد اعترف (نورمن شوارزكوف) في عدة مقابلات تلفزيونية، بأنه كان يريدها معركة فناء وأشار إلى أنه كان يخطط لأن تكون على شكل معركة (كاناي) القرطاجية، التي يطلق على موقعها اليوم اسم (حقل الدم) ، ومن يدري ما ستكشف عنه وثائق هذه الحرب وما تلاها من حصار، حين ترفع السرية الكاملة عنهما يوماً، يتطاير فيه الريش مع رؤوس من تبقى من هذا الجنس اللعين" (1).
فهولاكو لم يترك سلاحاً إلاّ وأستخدمه في سبيل إركاع العراقيين الذين كانوا يتصدون له، فبقر البطون وقطع الرقاب وجزّ الرؤوس و أحرق الأجساد، كما قسمّ الجغرافيا العراقيّة إلى قسمين المنطقة الجنوبية و كانت تابعة لبغداد والمنطقة الشماليّة وكانت تابعة للموصل و عينّ على رأس المنطقتين حاكمين مغوليين بمساعدة تركمان من الدول المجاورة للعراق - وما أشبه الليلة بالبارحة.
بقى ان نشير إلى ان القائد المغولي هولاكو هو حفيد الطاغيّة المعروف (جنكيزخان) - مع الإشارة إلى أنّ جنكيزخان كان له شأن مع العراق تماماً كما كان جورج بوش الأب الرئيس الأمريكي الأسبق قائد الحلفاء ضد العراق في أزمة الخليج الثانيّة. و ها هو إبنه جورج بوش الإبن يكمل مسيرة أبيه تماماً كما أكمل هولاكو مسيرة أبيه جنكيزخان - وقد زحف هولاكو غرباً بإتجاه بغداد وقتل عندما وصل إلى بغداد الخليفة العباسي المعتصم وأستولى على قصره وقتل كل رجاله و بعد أن
(1) حق التضحية بالآخرـ تأليف منير العكش ـ ص96 - رياض الريس للكتب والنشر- ط1 2002