الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بمجملها. ويتعقب الفيلم كيفية تحول الأكاذيب إلى حقائق يصدقها الأمريكيون وهم صانعوها (1).
تزويد الأنفاق بالظلام
إذا كان بن لاذن وتنظيم القاعدة ما هم الا صناعة امريكية، وينفذون بعلم أو بغير علم مخططات امريكية، فكيف استطاعوا في بداية ظهورهم الحصول عل تعاطف وتأييد كثير من المسلمين؟! ويجيب على ذلك العلامة (محمد حسين فضل الله) محاولاً القاء الضوء على الظروف، التي أحاطت بظهور بن لادن على ساحة العمل الإسلامي، والسبب الذي جعل الكثيرين ينظرون إليه كمخلص للأمة من أزمتها الخانقة حيث يبدأ بوصف حالة الإنسان العربي بعد انتفاضة الأقصى الثانية وأحداث سبتمبر فيقول:"ربما يشكو الإنسان من المظالم ويكتشف الكراهية لأميركا نتيجة سياساتها". ويرى أنها وصلت إلى درجة بات يشعر فيها الناس بالإحباط، ولا يرون فائدة من العمل، "ويأتي هذا مع حالة في المنطقة العربية يصادر فيها الشعب كله، وتسيطر فيها دوائر المخابرات وقوانين الطوارئ، ويشعر الإنسان بالرعب من الحرية والتفكير الحر، ويرى المرء عمليات التدمير، التي تلحق بفلسطين والفلسطينيين، وتبدو في نهاية النفق أميركا تسده بالظلام". وأمام هذا الضغط الاستكباري، قرأت بعض الاتجاهات الإسلامية، الإسلام وآيات الجهاد، والموقف من الكفار وربما قرأت بعض تاريخ العنف، فوصلت إلى نتيجة مؤداها أن الوصول إلى الهدف يكون بعمل عنفي يرضي الحالة النفسية، والشعور بالقهر الذي يسيطر على كثير من المسلمين، بغض النظر عما إذا كان يؤدي إلى نتائج في مستوى الهدف أم لا (2).
وهذه هي
(1) الخليج - عدد 9494 ـ 17 ـ5 ـ2005م
(2)
هناك امثلة كثيره في تاريخنا الإسلامي استغل فيها المستعمرين الحالة النفسية المهزومه للامه الإسلامية للدفع ببعض عملائهم أو بعض السذج لتصدر ساحة الدعوة أو القيادة ليكون اداه لتحقيق اهدافهم الخبيثة كما حصل في الهند .. فقد كان القضاء على مقاومة المسلمين للوجود البريطاني في الهند عن طريق محاربة الدين الإسلامي ومفهوم الجهاد، من أهم الأهداف التي سعى الاستعمار البريطاني إلى تحقيقها، حيث اتبع الاستعمار عدة أساليب لتحقيق ذلك، ولكن هذه الأساليب لم تأتي بثمارها المرجوة، مما دفع الانجليز إلى البحث عن وسيلة جديدة لتحقيق أهدافهم، فقاموا بالإستعانة بالمستشرقين المتخصصين في الدراسات الإسلامية وطلبوا منهم وضع تقرير عن الوسائل الكفيلة بإلغاء مفهوم الجهاد الذي يدفع المسلمين إلى المقاومة الدائمة. وفعلاً قامت لجنة من المستشرقين والمحررين الإنجليز، بزيارة الهند في عام 1969، حيث درسوا أحوال المسلمين هناك وسجلوا ملاحظاتهم وتوصياتهم في تقرير قدموه إلى الدوائر الإستعمارية في لندن في عام 1870، وقد خرج أعضاء اللجنة بقناعة مفادها: أنه لايؤثر في المسلمين وفي توجهاتهم مثل قيام رجل منهم بإسم منصب ديني رفيع يجمع حوله المسلمين ويخدم سياسة الانجليز، لهذا أكدت اللجنة في تقريرها على ضرورة الدفع بأحد المسلمين ليدعي أنه المسيح الموعود أو أنه نبي، ليصدر أوامره بإلغاء الجهاد وليدعوا المسلمين إلى طاعة الانجليز.
وفعلاً بدأ الانجليز بالبحث عن شخص يقوم بهذا الدور واستعانوا بالمبشرين لكي يساعدوهم في ذلك، فوجدوا في غلام أحمد الذي تربى في أحضان المبشرين وعمل في خدمتهم، والذي كان مضطرب الأفكار والعقيدة وكان طموحاً إلى تأسيس ديانة جديدة، هذا بالإضافة إلى انتماؤه إلى أسرة معروفة بعمالتها للإنجليز- وجدوا فيه أفضل شخص يمكن أن يقوم بهذا الدور. فأوعزوا لغلام أحمد لكي يدعي أنه المسيح الموعود الذي ينتظره المسلمون ليحقق لهم أهدافهم مستغلين في ذلك الشهرة الكبيرة التي نالها غلام أحمد من خلال مناظراته مع القساوسة والمبشرين في الهند. كما أنهم استغلوا الحالة النفسية للمسلمين والتي كانت مهيئة لتقبل هذه الفكرة في ذلك الوقت، حيث اجتاحت العالم الإسلامي في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، حالة من اليأس في النصر على المستعمر الأوروبي، إذ بلغت سيطرته على البلاد الإسلامية ذروتها في ذلك التاريخ. فتوجه المسلمون إلى مصدر القوة التي لاتقهر. إلى الله سبحانه وتعالى، ولما كانت رسالة محمد (ص) هي خاتمة الرسالات السماوية فلن يبعث الله رسول برسالة أخرى. لهذا ترقبوا قرب نزول المسيح ليحكم بالقرآن ويكسر الصليب ويقتل الخنزير. فاستغل الانجليز هذا الوضع النفسي للمسلمين فدفعوا بعميل لهم هو الميزرا غلام أحمد إلى ساحة الدعوة الدينية ليحد من تيار الدعوة إلى الجهاد ضد المستعمر - لأنه فسره على نحو يبطل فرضيته - فادعى أنه المسيح الذي أخبر بنزوله وينتظره المسلمون ليخصلهم من الاستبداد وليمكن لدين الله في الأرض. (راجع كتابنا: "احمد ديدات بين القاديانية والإسلام - يوسف الطويل- مكتبة مدبولى - الطبعة الأولى - 2002).
مشكلة هذه الاتجاهات في فهم التحرك نحو الأهداف الإسلامية، فهم يخلطون بين عنف الفكرة في مواجهة فكرة أخرى وعنف الوسيلة، فعنف الفكرة لا يعنى عنف الوسيلة، إلا أن الذهنية غير المثقفة وغير الواعية تخلط بينهما. ولهذا فقد كان من أكبر الأخطاء، ولعله خطأ متعمد أن يقع الخلط بين الاستنكار العربي للسياسة الأمريكية وبين ترجمة هذا الاستنكار على أنه الإعجاب بابن لادن، وربما ساعد على الترويح لهذا الخطأ المتعمد أن الأمة العربية لا تجد في هذه اللحظة قيادة معترفاً بها تتوافر لها المصداقية، ولا فكرة جامعة لها طاقة وحيوية أن تلهم وتحرك" (1).
فواقع الشرق أو العالم الثالث أمام الأزمات الخانقة، وأمام كثير من حالات الإحباط والسقوط يجعله يفتش عن بطل أو منقذ ثائر. فمن السهل أن تتحرك بعض الطموحات لتقدم نفسها في موقع البطل، سواء من خلال الموقف المتحدي الذي
(1) من نيويورك إلى كابول- محمد حسنين هيكل ص166 - 167
يتسم بالعنفوان، أو من خلال حركة تقوم هنا أو هناك، ما يوحي بأن هناك قوة قادمة يمكن أن تحل المشكلة أو تخفف بعض أوضاعها. وشخصية ابن لادن توحي بالكثير من الإعجاب، بتضحياته وزهده بالدنيا رغم توافرها بين يديه، وتبدى عنفوانه بأعمال عنف حتى خيل أنه إسقاط لعنفوان القوة الكبرى أميركا، وحولت الحماسة التمنيات إلى واقع، وهكذا استطاع هذا الرجل أن يحصل على الإعجاب والتأييد في العالم الإسلامي على امتداده، وربما أمكنه أن ينفذ إلى مجموعات من المتعلمين، لأن المسألة كانت عندهم هي الثأر بغض النظر عن المضمون (1). http://www.aljazeera.net/books/2003/7/ - TOP
وهنا أعتقد من يسمون بالأفغان العرب، ودون دراسة للظروف الموضوعية التي تحقق فيها الانتصار في أفغانستان، أن انتصارهم على الاتحاد السوفيتي يمكن أن يحقق لهم انتصاراً على أميركا. وخلق هذا الانتصار حالة من العنفوان ابتعدت بهم عن الواقع، وكان أن حدثت هجمات سبتمبر، وكانت اللحظة الأولى بعدها، في العالم الإسلامي وغير الإسلامي وفي كل العالم المستضعف هي لحظة فرح، لأن العنفوان الأميركي سقط. وخاصة عندما رأى الناس ما لا يرونه إلا في السينما والمسرحيات، فرئيس الولايات المتحدة لا يملك أن ينزل بطائرته في واشنطن، ونائب الرئيس اختفى، وكذلك أغلب الإدارة الأميركية، حتى أن أمريكا مرت في ساعات من انعدام الوزن. كان هناك فرح ينطلق من معنى الثأر والشماتة، ولكن الولايات المتحدة استعادت المبادرة بسرعة، وعلمت كيف تستفيد من الأحداث وتحصل على أكبر مكسب من خلالها. وهذا ما حدث، فقد بادرت أميركا واتهمت الإسلاميين، واستغلت صورة ابن لادن الجاهزة في وسائل الإعلام، وكانت أفغانستان تحتضن ابن لادن والقاعدة، وبهذا أصبح كبش الفداء جاهزاً.
وكان يخيل للناس أن طالبان سوف تصمد، وأن أميركا سوف تغرق في وحول أفغانستان كما غرق الاتحاد السوفيتي. ولكن أميركا لم تدخل وحدها، فقد كان الأفغان المعارضون لطالبان جاهزين للعمل معها، في الوقت الذي انسحبت فيه باكستان، وتركت طالبان وحدها في مواجهة حرب عالمية فسقطت، ولا تزال الحرب
(1) أظهر استبيان أجرته الجزيرة على مدى اربعة ايام خلال الفترة من 7 - 9 - 2006 إلى 10 - 9 - 2006 انقساما في موقف المشاركين تجاه زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، حيث أيد 49.9% منهم بن لادن مقابل 50.1%، وهذا يعني ان الناس بدأت تدرك الحقيقة؟!
العالمية موجهة ضد هذا العدو الأسطوري، الذي استطاعت أميركا بإعلامها أن تضخمه، ليكون انتصارها عليه بحجمها هي لا بحجمه الحقيقي هو. وهكذا قدم هؤلاء الإسلاميين خدمة لأميركا لو بذلت المليارات لما استطاعت أن تحصل عليها، في الوقت الذي أرادوا فيه أن يسقطوا أميركا (1). فجهل بعض رموز الحركات الإسلامية بالسنن الإلهية الكونية، وبموطئ أقدامهم فيها، وكذلك تسرع البعض الآخر من هذه الرموز، وسوء النية والطوية عند قسم ثالث منهم، جعل الإسلام والمسلمون يدفعون ثمنه مرتين: مرة من قبل هؤلاء المتسرعين والجهلة وذوي الأغراض الشخصية، إذ يعيقون بمواقفهم وسلوكهم حركة الإسلام وتقدمه. ومرة من قبل أعداء الإسلام، وأعداء توجهاته السياسية في الداخل والخارج، عندما ينسبون مواقف هؤلاء وأخطاءهم إلى الإسلام نفسه ولله الأمر من قبل ومن بعد (2).
وهذه ليست كل الصورة، حيث أن ما يفعله هؤلاء بجهالة في أفغانستان والجزائر والصومال والسودان وغيرها وراءه أشرار كبار، يخططون في الخفاء، ودول صاحبة مصلحة في إشعال النار تنفق وتسلح وتستعمل الجواسيس والعملاء، وتستغل حب الرياسة في هذا وذاك وحب المال في هذا وذاك
…
نعم وراء كل قنبلة تنفجر هناك جيش من الشياطين يعمل، وأجهزة مخابرات تخطط، ليظل الجحيم مستعراً وليظل المسلمين سجناء تخلفهم إلى الأبد. فالصورة كلها صورة بوليسية، والعمل عمل جواسيس محترفين، لكن القيادات الإسلامية، والمسلمون الكبار ليسوا أبرياء فوقوعهم في مصيدة الفتنة، وفي أحابيل المكر الذي حاكته العقول الاستعمارية المحترفة هو ضعف وسذاجة، تحسب عليهم في آخر المطاف، فهم لم يكونوا بالنضج ولا بالوعي الكافي الذي تستلزمه الرسالة التي وهبوا أنفسهم من أجلها.
والتساؤل الأعجب، لماذا توجه هذه الفرق الإسلامية رصاصها إلى الفرق الإسلامية المنافسة ولماذا تكون العدوات بينها أشد؟ (حارب الأفغان بعضهم البعض
(1) المدنس والمقدس .. أميركا وراية الإرهاب الدولي-المؤلف: السيد محمد حسين فضل الله- عرض/إبراهيم غرايبة- الجزيرة نت
(2)
الإسلام .. والغرب .. وإمكانية الحوار - إبراهيم محمد جواد