الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحملة على الإرهاب
منذ ظهر شعار (الإسلام عدوّ بديل) لم تتغير وجهة مسيرة الدول الغربية وسياساتها العدائية تجاه الإسلام والمسلمين، وجلّ ما هنالك أن بعض معالمها المرئية تبدّلت وفق متطلبات المرحلة الآنية. وهنا يأتي توجيه دفة الأحداث تحت عنوان تداعيات تفجيرات واشنطن ونيويورك، كمحطة جديدة على صعيد تلك السياسة الغربية. فلم تكن التفجيرات هي التي صنعت مسلسل التداعيات من بعدها، بل توفرت منطلقات مسبقة لتوظيف هذه التفجيرات، لتكون بمثابة الذريعة للتحرك وفق صيغة قائمة من قبل. وهذا ما يعنيه أيضًا اصطناع ما سُمِّي (الحدّ التاريخي) الزمني الفاصل بين ما قبل الحادي عشر من سبتمبر وما بعده، لتبرير كل ما يتم تنفيذه بعد ذلك التاريخ بتلك التفجيرات (1).
صحيح أن مقتل الألوف في الولايات المتحدة في يوم واحد، بهذه الصورة، حدث هائل، ولكن لم يتحدّث أحد عن نهاية حقبة تاريخية، وبداية أخرى، عند مقتل الألوف دفعة واحدة في (سربرينتسا) وأخواتها، ولا عند مقتل مئات الألوف خلال فترة وجيزة في حرب الإبادة في رواندا، التي رفضت واشنطن بالذات وصفها بحرب الإبادة. أما فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي فحدث ولا حرج
…
فحين يقتل جندي من جيش إسرائيل، أو من مرتزقته في جنوب لبنان، الذي كانت تحتله إسرائيل بطريقة غير شرعيه ـ أي حين يقتل مقاوم محتلاًـ فإن ذلك يعد إرهاباً، وإذا قصفت القوات الإسرائيلية المدنيين، وذبحتهم في قانا، أو ضواحي بيروت، أو في الأراضي المحتلة، ـ يسمى ذلك بالدفاع الشرعي. ومن اليسير تعداد مئات الأمثلة لاستخدام تلك الذرائع والافتراءات، مثل مكافحة الإرهاب، أو التدخل الإنساني، أو حماية حقوق الإنسان، لتبرير العدوان المباشر على الدول، أو فرض القيود على الاتفاقيات الاقتصادية معها، إذ تثار أحداث (تيان إن من) بينما لا يذكر شيء مطلقاً عن مذبحة أبشع وأفظع ارتكبها أرييل شارون، وراح ضحيتها عشرون ألف مدني في لبنان عام 1982م (2).
(1) الإسلام عدو بديل - نبيل شبيب ـ إسلام أون لاين 12/ 01/2001م
(2)
أمريكيا طليعة الانحطاط ـ روجيه جارودى ـ ص29
وهناك حادثة تحمل دلالتها المؤثرة يرويها الشيخ محمد الغزالي رحمه الله، في كتابه المعروف (فقه السيرة): جندي إنجليزي من المستعمرين القدماء العائدين من كينيا في أفريقيا، يحكي لزميله في لندن، كيف أنه وهو يحاول أن يفرغ رصاصتين في رأس أحد الثوار الكينيين من حركة (الماو ماو)، حاول هذا أن يعضه من ذراعه دفاعا عن نفسه، تصور يا (جون) يقول الجندي الإنجليزي العائد، كيف أنه أراد إلحاق الأذى بي باستخدام أنيابه كالكلاب الشرسة. يضحك (جون) حتى يستلقي على قفاه وهو يردد: أيها الإفريقي الدنس أيها الأسود المقرف!! (1). وهنا لا يقتصر الأمر على ازدواجية عنصرية في معايير النظرة الغربية والأمريكية، عمومًا إلى الإنسان وقيمته وحقوقه وحرياته، ولكنه مسألة (حسابات سياسية باردة)، ترتبط بمنظور السياسة الغربية التي تفخر بواقعيتها القائمة على موازين تلك الحسابات، وتغليبها على الأخلاق والقيم.
فما يجرى حتى الآن في أفغانستان والعراق، وما يمكن أن يتبعه من أحداث، يرتبط أولاً وأخيرًا بمسيرة عولمة "الهيمنة الأمريكية" نفسها، وشمولها للجانب العسكري إلى جانب الميادين الاقتصادية، والمالية، والسياسية، والفكرية. وهنا لا تمثِّل التفجيرات في نيويورك وواشنطن ـ على ضخامتها ـ سوى عنصر من عناصر عديدة يجري توظيفها لخدمة الهدف الأوسع نطاقًا. فها هي ذي أمريكا تمضي قدما تحت اغراءات التفرد والقوة وضغوط الهياج الشعبي، بكل أبعاده الدينية والعنصرية لإنزال الويل والثبور بهذه الحلقة، أو تلك من عالم الإسلام، ومحاولة احتواء، وربما إرغام كل زعامات هذا العالم على الانخراط تحت ما تسميه (مقاومة الإرهاب)، وهو يقينا لا يتحدد بهذه البقعة الضيقة أو تلك، وإنما سيمضي بقوة المذهب والتاريخ والمصلحة، لكي يطال عالم الإسلام كله (2).
فمع أواسط التسعينيات الميلادية، بدأت نقطة الثقل تتحوَّل في المواقف الكلامية العدائية من مصطلح (الأصولية) إلى كلمة (الإرهاب الدولي)، التي كانت ـ ولا تزال ـ مائعة فضفاضة، يمكن تفصيلها على مقاس الغرض السياسي المطلوب
(1) مذكرات حول واقعة الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) ـ د. عماد الدين خليل ص45 - دار الفكر بدمشق- ط1 2003
(2)
مذكرات حول واقعة الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) ـ د. عماد الدين خليل ـ ص37
في كل حالة، وفي كل مرحلة بصورة قائمة بذاتها. فقد شهدت تلك الفترة قيام الرئيس (بل كلينتون) بصوره رسمية بتدشين ما يسمى الآن بالحملة على الإرهاب، حيث صرح عام 1996م أمام مؤتمر وزراء الخارجية والداخلية للدول السبع الصناعية، بقوله:"سيكون الإرهاب أحد أخطر التهديدات المؤثرة الموجهة ضد امتنا في القرن الحادي والعشرون"(1). وقد كتب (بول مارى) في (فبراير 1997م) مقال صحيفة لموند بعنوان (الحملة الصليبية الأخيرة للرئيس كلينتون ضد الإرهاب)، قال فيه: "في الخامس من أغسطس، وقع الرئيس كلينتون قانون (دماتوـ كيندى) معلناً وضع إيران وليبيا خارج القانون الدولي. ولقد كان مهتماً أن يكون محاطاً أمام كاميرات التلفزيون بأقرباء ضحايا طائرة شركة بان أمريكان، التي أسقطت فوق لوكربى، والتي حملت ليبيا مسئوليتها، برغم وجود تقارير تنفى هذا الزعم. لقد أعلنت واشنطن بهذا الاحتفال الرمزي والمعبر في آن واحد عن سياستها عن بدء الحرب من الآن فصاعداً على الإرهاب العدو الأكبر (2). وفي نفس العام وقبلها بعدة أشهر أعطت أمريكا لتلك الحملة بعداً استعراضياً عالمياً، في مؤتمر شرم الشيخ عقب إنفجارات القدس وعسقلان.
حيث حددت حكومة إسرائيل الهدف الجديد في شرم الشيخ عام 1996م إذ أعلنت مبادئ (مواجهة الإرهاب) والتدخل الإنساني وهما الذريعتان الرئيسيتان للاستعمار الجديد، حيث اعتبر شمعون بيريز إيران مركز الإرهاب العالمي دون أدنى دليل، وطبعاً اتسع مفهوم الإرهاب ليشمل كل أشكال مقاومة الشعوب للدفاع عن نفسها ونيل استقلالها، واستبعد هذا المفهوم كل أشكال إرهاب الدولة الذي يهدد هذا الاستقلال (3).
فبالرغم من أنه لا يوجد أي شيء يؤكد تورط الجماعات الإسلامية في حادث (اوكلاهوما سيتى)، الذي نفذته مجموعة من اليمين المتطرف عام 1995م، وحادث التاسع من أكتوبر عام 1995م ضد قطار ميامىـ لوس انجلوس، والذي أعلنت جماعة مسماة (أبناء الجوستافو) مسئوليتها عنه، كذلك حادث دكتور الرياضيات الذي أسمى نفسه (اونابومبر)، والذي كانت هوايته إرسال الطرود المفخخة، أو حتى موضوع
(1) أمريكيا طليعة الانحطاط ـ روجيه جارودى - ص233
(2)
المصدر السابق ص231
(3)
أمريكيا طليعة الانحطاط ـ روجيه جارودى ـ ص 28