الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
انطلاقاً من هذه التصريحات والمواقف بدأ الغرب وعلى رأسه أمريكيا يستهدفون الإسلام، كطريقة بديلة للحياة، وعلي نحو صريح ومكشوف منذ انهيار الاتحاد السوفييتي والنظام الشيوعي، وقبل أن تظهر علي المسرح حكاية أسامة بن لادن. وقد صرح السكرتير العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) عام 1995م أن الإسلام السياسي كان خطراً بمقدار خطورة الشيوعية علي الغرب علي الأقل (1). وقد بلغ التحامل على الإسلام إلى درجة أن مجلة الايكونوميست البريطانية المعروفة برصانتها، نشرت على الغلاف موضوعاً بعنوان:(الإسلام الأيديولوجية البربرية المعادية للغرب). وجاء في دراسة أخرى نشرتها مجلة ألمانية متخصصة في الدراسات الإستراتيجية: "الواقع أن الأحاسيس المعادية للعرب وللمسلمين، تجعل من هذه الصورة الجديدة للعدو، المخطط لها أسرع نجاحاً، وأكثر قدرة في الحصول على الإجماع، يبدو ذلك واضحاً من إسراع مجموعات من الخضر بألمانيا، عند حصول (أزمة الكويت) للحديث عن صراع بين الإسلام والغرب، بل بين الإسلام والتنوير أو التحرير، وطالب آخرون من الخضر الألمان ببوليس دولي لحماية البيئة من العرب (2).
نظرية صراع الحضارات
يقول المفكر د. محمد عابد الجابري: "ان العقل الأوروبي لا يعرف الإثبات إلا من خلال النفي، وبالتالي لا يتعرف إلى (الأنا) إلا من خلال (الآخر). ومن هنا فهو لا يستطيع التفكير في المستقبل إلا من خلال (سيناريوهات) يرسم فيها لنفسه (الآخر) .. العدو المنتظر"(3). فقد وجد الغرب نفسه بعد سقوط الاتحاد السوفيتي ـ العدو المشترك ـ أمام فراغ كبير، أصبحت معه خلافاته وصراعاته الداخلية من دون سقف رادع. و وجدت الولايات المتحدة الأميركية نفسها فجأة دولة، بل معسكراً وترسانة من الأسلحة، بل تحالفاً دولياً بنى سياسته واقتصاده وإستراتيجيته، وثقافته، ورؤاه المستقبلية على أساس أنه يواجه عدوا يتربص به، فإذا بالعدو
(1) إمبراطورية الشر الجديدة ـ عبد الحي زلوم ـ القدس العربي ـ 3/ 2/2003م
(2)
موقع الإسلام في صراع الحضارات و النظام العالمي الجديد ـ محمد السماك ص 16ـ17
(3)
مسألة الهوية (العروبة والإسلام .. والغرب) - د. محمد عابد الجابري مركز دراسات الوحدة العربية/1997م
ينسحب بل يختفي (1)، ومن هنا جاءت نظرية وجوب اختراع عدو بديل، حيث وجد المنظرون الإستراتيجيون في الإسلام ضالتهم، وتم صياغة صورة العدو البديل على المستوى الفكري، كما كان مع نظريتي (نهاية التاريخ) لفوكوياما، و (صدام الحضارات) لهنتينجتون، لان الولايات المتحدة تحتاج لعدو توجه ضده المدافع الاعلاميه والسياسية والعسكرية. فهذه الآلة الضخمة يجب أن تشتغل وتنتج وإلا أصابها التآكل، لا بد لها من عدو يجسد (الشر)، فإذا لم يكن موجوداً يفقد (الخير المفترض) مبرر وجوده. لذلك ولو لم يكن هذا العدو موجوداً لوجب اختراعه، سقوط الاتحاد السوفيتي كاد يحرمها من هذه المعادلة، لكنها سرعان ما أعادت إنتاج مقولة (إمبراطورية الشر) بتعديلها لتصبح (محور الشر). فقد تغيرت التركيبة العالمية، وإن لم تستقر بعد إلا أنها استهدفت إيجاد عدو بديل.
وكانت حرب الخليج التي خاضها بوش الأب بمثابة الإعلان عن ولادة قيام نظام عالمي جديد، وموت النظام العالمي القديم، وبالتالي موت كل التوازنات والاتفاقات، التي كانت ترسم حدود العالم في ذلك الحين. سقط النظام القديم، وسقطت كل الضوابط والكوابح التي كان يقوم عليها.
فإذا صدقنا ما تحدث عنه (هنتنجتون) وأسماه صدام الحضارات، نجد أنه لو اندلعت حرب عالمية ثالثه فستصبح حرباً من نوع جديد هكذا قال (هنتنجتون)، فلن يكون سببها نزاعاً (أوروبياً - أوروبياً) ولكنها ستكون مواجهه بين الحضارات، بين المركز (وهو الغرب)، وبين الأطراف (أو المستعمرات القديمة). بل إن (هنتنجتون) يعطى أيضاً ـ كلاً ـ من المجموعتين صبغة دينيه: إذاً سيكون الصدام بين حضارة (يهودية مسيحية) وأخرى (إسلامية كونفوشيوسيه). فالولايات المتحدة في خطتها للسيطرة على العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، عينت (العدو البديل أو الشيطان) الذي يجب القضاء عليه، وهو الإسلام وحلفاؤه المحتملون، فيما يسمى بالعالم الثالث (2). ولهذا بدأ البحث في أوائل التسعينيات عن كلمة أخرى غير الإسلام، فبدأ
(1) صناعة الإرهاب ـ د. عبد الغني عماد - ص92.
(2)
أمريكيا طليعة الانحطاط ـ روجيه جارودى ـ ص 25ـ26