الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسؤوليتنا أمام التاريخ واضحة: أن نرد على جميع هذه الهجمات، والتخلص من الشر العالمي". (هذا الكلام منقول) عن استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة (2001، ص6، المقدمة، وص5)(1).
هكذا تصدرت الأجندة العالمية في خريف عام 2002م إعلان أقوى دولة في التاريخ، نيتها الحفاظ على هيمنتها، سواء من خلال التهديد بالقوة المسلحة أم باستخدامها فعلاً، وهو بعد من أبعاد السيطرة والسلطان. وجاء في الصياغة الخطابية الرسمية للإستراتيجية:"يجب أن تكون قواتنا قوية بما فيه الكفاية لثني الخصوم المحتملين عن مواصلة بناء قوة عسكرية بأمل مضاهاة القوة الأمريكية أو تجاوزها". وهي حالة يجب أن تكون بنظر الإدارة الأمريكية دائمة، بحيث يتعذر على أية دولة أو مجموعة دول أن تتحدى في أي وقت الولايات المتحدة كزعيم للعالم يبسط حمايته، وينفذ إرادته بالقوة. ومن شأن هذه المقاربة أن تجعل المعايير الدولية الخاصة بالدفاع عن النفس والمكرسة، في المادة (51)، من ميثاق الأمم المتحدة، عديمة المعنى. وتؤكد الإستراتيجية الإمبريالية الكبرى على حق الولايات المتحدة في شن حرب وقائية على هواها ـ وقائية وليس استباقية ـ أي أن الحرب يمكن أن تكون لإزالة تهديد محتمل، أو مختلق وملفق، وهي حروب وأعمال تندرج في خانة جرائم الحرب (2).
الحرب غير المتوازنة
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي أواخر إدارة بوش الأول، وجدت المؤسسة الدفاعية الأمريكية نفسها فجأة أمام سؤال وجودي. ما المنطق المحدد الكامن وراء الاحتفاظ بالقوات الأمريكية الجبارة والكبيرة مع الإبقاء على الميزانيات اللازمة لذلك في غياب (إمبراطورية الشر)؟ وهنا طلب ديك تشيني (3) وقد كان وزيراً للدفاع من مساعد وزير الدفاع (بول ولفوفيتز) أن يقوم بالتعاون مع رئيس الأركان (كولن باول)، بإعداد خطة لاستراتيجية دفاعية أمريكية جديدة
…
وقد المح (باول) للاستراتيجية الجديدة في شهادته أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب عام 1992م بقوله: "إن الولايات المتحدة بحاجه إلى قوة كافية من أجل ردع أي متحد عن ولو مجرد التفكير، بتحدينا على المسرح العالمي". وأضاف "أريد أن أكون فتوة الحارة" حتى لا يكون ثمة مستقبل لمن يخطر بباله أن يحاول تحدي قوات الولايات المتحدة المسلحة (4).
وهكذا فقد كانت الولايات المتحدة تحضر نفسها نظرياً منذ حرب الخليج .. لشيء جديد تصورته بعض مجموعات الخبراء القريبة من القوات البرية أو البحرية. إذ اعتبرت هذه المجموعات أن التفوق المطلق الذي حققته أمريكا بفضل تحكمها في الثورة الإليكترونية في مختلف المجالات (العسكرية، والفضائية، والاقتصادية والمالية)، سيقود مع العولمة، إلى آثار لا تحتمل. وظنت أن الدول والشعوب والطبقات المضحى بها، سوف تتحرك عبر مناورات غير منتظرة، "قد تأخذ في بعض الأحيان شكل الإرهاب، (سلاح الضعفاء). هذا الهجوم المعاكس سيتطلب من أمريكا قوة ابتكار متزايدة تحسباً لوضع كهذا، وفي خضم هذا التصور ولد المفهوم الأمريكي العام لـ (الحرب غير المتوازية) "(5).
(1) الجذور الإنجيلية للأحادية الأمريكية اليمين المسيحي وكيفية مواجهته -بقلم: دوان أولدفيد: أستاذة مشاركة في العلوم السياسية في جامعة نوكس. قدمت نسخة هذا البحث في الاجتماع السنوي لجمعية العلوم السياسية الأمريكية الذي انعقد في الفترة ما بين 28ـ31 آب/2003.- مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية
(2)
الهيمنة أم البقاء .. السعي الأميركي للسيطرة على العالم ـ نعوم تشومسكي ـ ترجمة سامي الكعكي ـ بقلم/ إبراهيم غرايبة29/ 7/2004م
(3)
اعتقد إن ديك شينى ـ وهو من أكثر أعضاء إدارة بوش يمينية وتطرفاً ـ هو المخطط الرئيسي لأحداث 11 سبتمبرً، حيث اختفى بعد الأحداث مباشرة ولمدة أكثر من أربعة اشهر بحجة الخوف على حياته. واعتقد انه كان يشرف بنفسه على أداره هذه العملية المعقدة وتبعاتها، كما سيتضح لنا ذلك.
(4)
الدولة المارقة - الدفع الأحادي في السياسة الخارجية الأمريكية - كلايد برستوفتز - تعريب فاضل جتكر - ص34
(5)
إمبراطورية الفوضى: الجمهوريات في مواجهة السيطرة الأمريكية فيما بعد الحرب الباردة ـألان جوكسكامبردج بوك ريفيوز
وفي كتابه (من نيويورك إلى كابول)، يوضح الأستاذ محمد حسنين هيكل الأمر أكثر، بقوله:"كنت على معرفة بأن هناك نوايا وخططاً فرغت الإدارة الحالية في الولايات المتحدة من ربيع هذا العام 2001م من بلورتها، وهي على وشك أن تطرحها للتنفيذ على اتساع قارات العالم، وفيها المنطقة التي تعنينا أكثر من غيرها، وهي في منطقة الشرق الأوسط. وبالفعل فقد كنت اطلعت على نصوص تقرير رئاسي أمريكي بشأن استراتيجية جديدة جرى اعتمادها من جانب الإدارة الأمريكية لمستقبل العمل في هذه المنطقة. والتقرير عبارة عن خلاصة موجزة لتقدير الموقف الذي وقعه (ويليام كوهين) وزير الدفاع الأمريكي في الإدارة السابقة، وأقره رئيسها (بيل كلينتون) على هيئة توجيه رئاسي، ثم راجعه (دونالد رامسفيلد) وزير الدفاع الحالي، وأقره (جورج بوش) على هيئة توجيه رئاسي ملزم، يرى أن المخاطر المحتملة على الولايات المتحدة وأمنها ومصالحها لها مصادر محددة ومعروفة".
* دول مارقة وعت درس حرب الخليج، وأصبح جهدها موجهاً إلى العثور على نقاط ضعف أمريكية، عسى أن تنفذ منها وتستغل وتضرب.
* دول صديقة وهنت قواها حتى أوشكت على الإفلاس، مما يعرضها للسقوط، ومع أن الولايات المتحدة لا تسمح بهذا السقوط، فهي في الوقت نفسه لا ترى وسيلة للمساعدة على منعه.
* إرهاب وصل إلى مرحلة العولمة في نفس وقت وصول مجتمعات الدول إلى مرحلة العولمة، وهو ما أطلق عليه التقرير اسم الحرب غير المتوازنة" (1).
ولم تكن هيئة التقديرات في البنتاجون وحدها، التي وصفت الأخطار الجديدة وصكت لها تعبير (الحرب غير المتوازنة) بل تابعتها هيئة أركان حرب القوات الأمريكية، ورئيسها الجنرال هنري شيلتون، الذي قدم تقريراً تحدث عن شكل الخطر القادم، بدا وكأنه يشير صراحة وقبلها بسنتين إلى صواعق النار والدمار التي نزلت على نيويورك وواشنطن يوم الثلاثاء 11 سبتمبر 2001م، حيث جاء في التقرير وهو يحاول تعريف الحرب غير المتوازنة قوله:
(1) من نيويورك إلى كابول ـ محمد حسنين هيكل ص 140
"الحرب غير المتوازنة، هي محاولة طرف يعادي الولايات المتحدة أن يلتف من حول قوتها، ويستغل نقط ضعفها معتمداً في ذلك على وسائل تختلف بطريقة كاملة عن نوع العمليات التي يمكن توقعها. وعدم التوازن يعني أن يستغل العدو طاقة الحرب النفسية، وما يصاحبها من شحنات الصدمة والعجز، لكي ينتزع في يده زمام المبادرة وحرية الحركة والإرادة، وبأسلوب يستخدم وسائل مستحدثه وتكتيكات غير تقليدية، وأسلحة وتكنولوجيات جرى التوصل إليها بالتفكير في غير المتوقع، وغير المعقول، ثم تطبيقه على كل مستويات الحرب من الإستراتيجية، إلى التخطيط، إلى العمليات، بعرض أفق عليه بدائل طار إليها خيال لا يخطر على البال منطقياً ولا يطرح نفسه عملياً في التقديرات التي نستطيع تصورها. وكان ما توقعه رئيس هيئة أركان الحرب المشتركة للقوات الأمريكية المسلحة الجنرال (هنري شيلتون) هو بالضبط ما وقع 11 سبتمبر الأخير (1).
فالسيناريو جاهز ليس فقط لدى وزارة الدفاع، التي يمثلها المتطرف رامسفيلد، بل إن وزارة الخارجية كان لديها المعرفة بهذا المخطط، هذا بالرغم من أن البعض يحاول جاهداً تقسيم الإدارة الأمريكية إلى صقور وحمائم، واضعاً الجنرال (باول) في صف الحمائم، ومتناسين عن عمد وسبق إصرار، جرائمه في العراق أثناء حرب الخليج الثانية. ففي منتصف يوليو 2001م، لجأ الوفد الأمريكي إلى المفاوضات المتعددة الأطراف حول مستقبل أفغانستان، إلى التهديد بعد أن تأكد له فشل هذه المفاوضات، وحسب ما أورده سفير باكستان السابق في باريس، (نيازنايك)، والذي شارك في تلك المفاوضات، فإن الأمريكيين أعلنوا أنهم سيحتلون أفغانستان في منتصف أكتوبر وأنهم سوف يقلبون نظام طالبان. وفي بداية سبتمبر 2001م وتحت غطاء المناورات السنوية في بحر عمان، عمدت بريطانيا إلى القيام بأكبر انتشار لأسطولها وحشدت قواتها مقابل السواحل الباكستانية، في حين نقل حلف الأطلسي، بمناسبة مناورات النجم الساطع التي أجراها في مصر، أربعين ألف جندي إلى منطقة النزاع. وهكذا فان القوات الأنجلو أمريكية، كانت قد اتخذت مواقعها في المنطقة، قبل الاعتداءات.
(1) من نيويورك إلى كابول- محمد حسنين هيكل ص 114 - 115.
أما عن الحرب على الإرهاب، فإن هيئة الأركان العامة الأمريكية، كانت قد أعدت لها مطولاً من خلال إجرائها لمرتين على التوالي، ما تسميه القتال الشامل. وضبطت الإجراءات التكتيكية أثناء ما جرى مؤخراً ضمن هذا الإطار في يوليو 2000 م. لكن المناورة الصورية المبرمجة أصلاً لشهر يونيو 2001م كان قد تم إلغاؤها. وهو الأمر الذي تم تفسيره من قبل الضباط المعنيين على أنه علامة انتقال إلى العملية الوشيكة الوقوع (1) التي بدأت باغتيال أحمد شاه مسعود قائد التحالف الشمالي في أفغانستان قبل التفجيرات بيومين فقط، أي في 9 سبتمبر علي يد عملاء للمخابرات بعد رفضه التام لأي محاولة للتحالف مع الولايات المتحدة أو غيرها لإسقاط طالبان، فتم قتله، ليفتح الباب أمام من هو مستعد للتحالف، وهو ما حدث بالفعل!!
ومما يؤكد أن هذه العملية من تدبير أمريكي، هو أنه في مثل هذه الأحداث يقوم المسئولون بتقديم استقالتهم، والاعتراف بتقصيرهم، ولكن الذي حصل في أمريكا فهو العكس، حيث لم يجر أيه تغيير أو استقالة، بل تضخمت سلطات بعض المسئولين، وبالذات (دولاند رامسفيلد)(وجورج تنت)، والمفترض أن يكونوا أول المقصرين، حيث أن الأمر لم يقتصر على عدم عزل مدير السي. آي. إي، عقب انكسار الحادي عشر من سبتمبر الفاضح، بل إن الإعتمادات المخصصة للوكالة زيدت على الفور بما نسبته 42% ضماناً لحسن تنفيذ مخطط الهجوم العالمي (2). كما أن (تنت) بدأ يتصرف وكأنه رئيس دوله، يزور الدول، ويلتقي الرؤساء ويضع خطط السلام، وكأن الرئيس (بوش) يريد مكافأته على قيامه بالدور الموكل له على أكمل وجه.
فالسيناريو جاهز ومعد مسبقاً، ولم يبقَ إلا التنفيذ، حيث نجزم أن الهجوم على نيويورك وواشنطن قامت به مجموعه من الانتحاريين المهووسون من اليمين المتطرف، لتعجيل العودة الثانية المسيح، لأنه بدون هرمجيدون لا توجد عودة للمسيح حسب اعتقادهم (3). وبالرغم من إدانتنا الشديدة للتفجيرات التي هزت أمريكيا والعالم، وقناعتنا بضرورة معاقبة المسئولين عنها، إلا إننا يجب أن لا ننساق
(1) التضليل الشيطاني / تيرى ميسان - ص 64 - 65
(2)
التضليل الشيطاني - تيري ميسان ص151 - - دار الوطنية الجديدة - دمشق 2002
(3)
سنلقى مزيد من الضوء على هذه الجماعات في هذا الكتاب.