الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بريجنسكي لمستقبل توازن القوى سيوقعنا في مطب طالما كان هاجس القرن المنصرم (ماذا تكيد أمريكا للعالم؟)، حيث كان هناك من يجابهه هذا التساؤل في القرن الماضي. أما في القرن الحالي فهل يقف العالم كله متفرجاً على ما ستفعله أمريكا رافعاً يديه إلى السماء داعياً أن يكون ما ستفعله خيراً (1).
مجموعة الهوس الديني / المحافظون الجدد
هكذا أصبح الأصوليين في شبكة القاعدة، الذين تحولوا لإرهابيين يواجهون رئيساً أمريكيا متهماً بما هو أكثر من انتقام عنيف، حيث رد بوش مراراً بهجوم علني انطلاقاً من الكتاب المقدس على الشر والأشرار، وتشاور مع أصدقاء شعروا أن الرب اختارهم لقيادة الأمة في ردها، بل وفي لحظة صراحة زائدة وصف بوش الرد الأمريكي على هجمات سبتمبر بأنه (حملة صليبيه)(2). وهنا فإنه من الخطأ الاعتقاد بأن هذا الجنون الأمريكي، قد بدأ مع وقوع أحداث 11 سبتمبر 2001م، فمن الثابت أن المشروع الإمبريالي الأمريكي كان موجوداُ وممارساً، فقط أدت الأحداث الإرهابية يوم 11 سبتمبر إلى تسريع عجلته مع تسخين الرأي العام الأمريكي لقبوله (3).
فهجمات 11 سبتمبر لم تفجر فقط مركز التجارة العالمي ومبنى البنتاجون، ولكنها فجرت أيضاً الهوس الكامن داخل العقل الباطن للمجتمع الأمريكي، والذي كانت تخفيه غلاله رقيقة اسمها: الحياة على الطريقة الأمريكية. وهذه الغلالة لم تخف سوى الصديق والحليف الأمريكي، التي ظهرت الآن بوضوح بعد أن طار برجان من عقله!! ونتيجة تحريض حكومي وإعلامي مستمر طوال 24 ساعة يومياً بإلحاح لا مثيل له، على وجدان الشعب الأمريكي .. تفجرت الرغبة المسعورة في الانتقام، ممن؟ ليس مهماً .. المهم الانتقام والضرب بعنف. لذا أعلن الرئيس بوش الحرب من قبل أن يحدد من هو العدو الذي سيحاربوه!! بل بدأوا بالهجوم على ابن لادن وحركة طالبان، التي تحميه دون تقديم دليل واحد يؤكد تورطه أو مسئوليته! طوفان
(1) رقعة الشطرنج العظمى - زبيغنييف بريجنسكى - ترجمة سليم أبراهام ص 5 - -دار علاء الدين سوريا- ط1 2001
(2)
الانحياز الأمريكي لإسرائيل - دوافعه التاريخية والاجتماعية والسياسية ص 196
(3)
الانحياز الأمريكي لإسرائيل ـ دوافعه التاريخية والاجتماعية والسياسية ص 207.
الهوس الأمريكي هو طوفان بلا حدود .. وقد انطلقت منه موجات وموجات .. وهي لن تتوقف. وهي ليست بالطبع في مجال التصديق أو الاستجابة لدى المؤمنين بالله وبقضائه وقدره .. لكن المشكلة هي أن الأمريكيين يصدقونها ويؤمنون بها بشدة (1).
وهنا يلاحظ الكاتب والروائي البريطاني (جون لوكاريه) أن الولايات المتحدة تشهد موجة من الجنون، هي الأسوأ بين كل ما شهدته في تاريخها، حيث كانت مجموعة الرئيس الأمريكي (جورج بوش) في مرحلة السعي لتبرير حرب شاملة مجنونة، وقد وجدت في أحدث 11 سبتمبر فرصة لهذه الحرب المخطط لها قبل سنوات عدة. فقد كانت الإدارة الأمريكية محاطة بمجموعة من الأزمات الكبيرة، مثل شرعية رئاسة بوش، وانهيار شركة إنرون ذات الصلة بالمسئولين الأمريكان الحاليين، وانحياز الإدارة الأمريكية للشركات الكبرى العملاقة، وعدم اكتراثها بفقراء العالم والبيئة والمعاهدات الدولية، ثم الانحياز المطلق لإسرائيل، الذي أوقع الولايات المتحدة في خروقات عدة لميثاق الأمم المتحدة وقراراتها. وقد أتاحت أحداث 11 سبتمبر الفرصة لحرب تريدها الإدارة الأمريكية وتخطط لها، وجاءت هذه المرة بدعم شعبي كبير، وبموازنة إضافية هائلة (360 مليار دولار). ولكن لعل الجانب المقزز في الحرب الاستعمارية الأمريكية، والهيمنة الأمريكية على العالم بما في ذلك أوروبا هو النفاق الديني، الذي يغطي به المحافظون الجدد إرسال الجنود إلى القتال، وتعميم فكر سوريالي مثل أن الله أوكل إلى أميركا إنقاذ العالم، وكل من يجرؤ على المساءلة سيجد نفسه في تهمة لا يستطيع الخروج منها، كالعداء للسامية، والعداء لأميركا، والإرهاب (2).
ووفق هذه الرؤية فان دور (ملاك الرب) الذي تضطلع به أميركا لا بد أن يكون مزدوجا: يد ممدودة لمصافحة الأصدقاء والأوفياء، قبضة حديدية لردع الأشرار وحصرهم في معقل شرهم، (فأما معنا وإما مع الإرهاب)، حسب تعبير (بوش الابن)
(1) أحداث 11 سبتمبر - الأكذوبة الكبرى - محمد صفي ص189 - دار الاحمدى للنشر - الطبعة الأولى 2003
(2)
ذهنية الإرهاب .. لماذا يقاتلون بموتهم؟ ـ جان بودريار وآخرون- ترجمة بسام حجار-ط1 2003 - الدار البيضاء، المركز الثقافي- الجزيرة نت
ولا مكان لمنزلة ثالثة، هذه الرؤية توفر مساحة كبيره من الرضا الأخلاقي عن النفس، فهي لا تفعل سوى أنها تؤدي واجبها. وباستثناء الهزيمة المذلة في فيتنام (60 ألف قتيل أمريكي)، فإن أمريكا يطيب لها أن تتصور أنها تؤدي دور (الشريف) في أفلام الكاوبوي، وتفخر دوما بنتائج تدخلاتها بدءا من الفلبين، التي احتلتها منذ 1899م لتحررها من الحكم الطاغوتي الأسباني ولتحبوها منذ 1935م بأول دستور ديمقراطي في تاريخها وتاريخ آسيا، ومرورا بألمانيا النازية، التي حررتها من نظامها النازي، ونزعتها العسكرية المزمنة، وانتهاء باليابان التي أجبرتها ـ لصالحها ـ على أن تكون ديمقراطية وتحديثيه على الطريقة الغربية، وهي كما تفخر بتدخلاتها العسكرية، تفخر بتدخلاتها الاقتصادية، فحصارها للدول الإبليسية الممثلة بمحور الشر (حصر دودة الشر) في شرنقتها (1).
ولكن دور ملاك الرب هذا، التي تحاول أمريكا الإضطلاع به قديماً وحديثاً، بدأ ينكشف كذبه وخداعه ووحشيته، بعد تكشف الجرائم الأمريكية الكثيرة، التي ارتكبت باسم الحرية والديمقراطية، حيث بدأ العالم يدرك أن أمريكا تدار من قبل عصابة عنصرية متطرفة وجشعه. و http://www.aljazeera.net/books/2003/7/ - TOP مطالعة محدودة في سيرة بوش ومجموعة الإدارة المحيطة به، تكشف مدى تورطهم في فساد الشركات الكبرى العملاقة، التي تبحث عن حرب جديدة تنقذ الخسائر التي تتعرض لها، وتغطي على الفضائح والفشل سياسياً وإعلامياً. http://www.aljazeera.net/books/2003/7/ - TOP وهنا تتحدث مقالة نشرت في صحيفة اللوموند الفرنسية عن المجموعة المحيطة بالرئيس الأميركي بوش، والتي تمثل النفوذ في البيت الأبيض، وهم الأشد حماساً للحرب على الارهاب، ويؤيدون الليكود الإسرائيلي بشدة وتقول:
"إن عددهم ليس كبيراً، ولكن البيت الأبيض يصغي لما يقولون، من بينهم (بول ولفويتز)، الرجل الثاني في وزارة الدفاع الأمريكية، والباحثة (لين تشيني) زوجة ديك تشيني نائب الرئيس بوش. وهناك ثلاثة شخصيات لا تتحدث عنها وسائل الإعلام كثيرا، ولكنهم الأكثر أهمية في صوغ السياسات الأمريكية والتفكير السياسي، وهم (إيرفنغ كريستول)، و (غاري باور)، و (ريتشارد بيرل)، وهذا الأخير يرأس مجلس السياسات الدفاعية، وهي الهيئة الاستشارية لوزارة الدفاع الأمريكية،
(1) صناعة الإرهاب ـ د. عبد الغني عماد - ص1،4ـ1،5 - دار النفائس - ط1 2003.
وقد وصفته الصحافة بأنه بطل الحرب الباردة، وكان نائب وزير الدفاع في عهد ريغان، وكان يقود ويوجه سياسات ريغان المحافظة، والتي ينتمي إليها المحافظون الجدد المحيطون ببوش، وهو مقرب من الليكود الإسرائيلي. أما (كريستول) فيبلغ الثالثة والثمانين من العمر، ويعمل في المعهد الأمريكي للمشاريع، أحد أبرز معاهد تيار المحافظين الجدد، ويعتبر (كريستول) عراب هذا التيار. أما (غاري باور) فهو يقود الأصولية المسيحية حول بوش، ويرأس مجموعة القيم الأمريكية، التي تدير عدة كنائس بروتستانتية متنفذة وقوية، وقد كان (باور) أحد مستشاري الرئيس الأمريكي الأسبق (دونالد ريغان)، ويرأس أحد أهم اللوبيات وأكثرها نفوذا في السياسة الأميركية، وهو لوبي حماية الأسر العاملة (1)
ان المحافظون الجدد هم اناس "متحمسون وحضورهم دائم لخوض معارك جديدة، ويقاتلون بفرح واندفاع .. انها كوكبة من الرجال والنساء صنعها التاريخ، وصاغتها الافكار، اعتقدوا بسلطة الافكار في حين كانت اوروبا تعلن موت الايدولوجيات، كان عندهم ثقة بالموهبة الأمريكية الخارقة، اذ الكل يعتقد ان لأمريكا مهمة عليها اتمامها، وانه تحمل القيم العالمية المتكيفة والملائمة لرغبات الشعوب .. يحق للمحافظين الجدد التكبر على الاخرين، اذ تمكنوا بعد اعتداءات ايلول عام 2001، بعدة اشهر من السيطرة على السياسة الأمريكية، كان عندهم تفسير جاهز للافعال الارهابية واذا كان صحيحا انهم لم يتوقعوا حدوثها فإنهم اطلقوا تنبيهات وانذارات" علينا الا نترك انفسننا ننام عند نهاية الحرب الباردة، لنبقى يقظين، انه من المبكر، ان يتم التحدث عن مغانم السلام، لان هناك مخاطر جديدة تهددنا" (2). .
(1) ذهنية الإرهاب .. لماذا يقاتلون بموتهم؟ ـ جان بودريار وآخرون ترجمة: بسام حجارـ الناشر: الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي
(2)
أمريكا المسيحانية (حروب المحافظون الجدد- الان فوشون، دانيال قرنه- ترجمة موريس شربل - ص 5 وما بعده - دار الجليس -جروس برس طرابلس 2005