الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كي يستغلوها لأغراض إعمار بلادهم، وكان نصيب الشرق الأوسط من نصيب الولايات المتحدة وليس أوروبا. ووصف قادة الولايات المتحدة المملكة العربية السعودية، بأنها ينبوع قوة إستراتيجية مذهل، وإحدى أعظم الجوائز المادية في تاريخ العالم، ووصفت شرق آسيا بأنها بؤرة التجارة العالمية والتجديد التكنولوجي (1). http://www.aljazeera.net/books/2004/7/7-29-1.htm - TOP#TOP
الحرب الباردة وحلم تأسيس إمبراطورية أمريكية
بعد الحرب العالمية الثانية، أتاح السلام الأمريكي الأول بناء نظام عالمي جديد، قائم على المجابهة مع الشرق، ولكن متمتع بآليات قوية في النظام المالي (اتفاقيات بريتن وودز، صندوق النقد الدولي، البنك العالمي .. ) وفي الأمن الجماعي (منظمة الأمم المتحدة، حلف شمال الأطلسي). وكان يراد من ذلك أن يؤمن للولايات المتحدة موقعاً مهيمناً، إلى جانب إفساح المجال أمام أوروبا واليابان لكي تعيدا بناء نفسيهما بفضل مشروع مارشال (2).
وفي تلك الفترة وبمساعدة (إشعيا بومان) ـ الذي قاد مجموعة دراسات الحرب والسلام، التي أسست لولادة نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية ـ أسس (روبرت ستروز) في عام 1955م معهد بحوث السياسة الخارجية، والذي قام عام 1957م بإصدار نشرة فصلية باسم (أوربز)، تخصصت في الشؤون الدولية، حيث كانت المهمة المعلنة لهذا المعهد ونشرته هي الدعوة إلي إقامة إمبراطورية أمريكية، والتخلي عن سيادة الدول والدولة القومية، خاصة في عالم ما بعد الاتحاد السوفييتي! حيث نشر في العدد الأول للمجلة عام 1957م مقاله، عنوانها:(موازين الغد) جاء فيها:
"إن مهمة الولايات المتحدة هي توحيد العالم بأكمله تحت قيادتها خلال هذا الجيل. أما سرعة وكفاءة تحقيق الولايات المتحدة لهذا الهدف فسوف يقرر مصير
(1) الهيمنة أم البقاء .. السعي الأميركي للسيطرة على العالم ـ نعوم تشومسكي ـ ترجمة سامي الكعكي ـ دار الكتاب العربي 2004. تقديم/ إبراهيم غرايبةـ الجزيرة نت 29/ 7/2004م.
(2)
خطورة أمريكا - ملفات حربها المفتوحة في العراق ـ نويل مامير، باتريك فاربيار - ترجمة ميشال كرم ص44
الحضارة الغربية، وبالتالي المصير البشري
…
فهل سيكون النظام العالمي الجديد القادم هو إمبراطورية عالمية أمريكية
…
؟ يجب أن يكون الأمر كذلك لدرجة أن تحمل الإمبراطورية العالمية تلك دمغة الروح الأمريكية. أما التهديد لهذه الرؤية، وهذه الإمبراطورية الأمريكية فسيأتي من آسيا كما جاء في مقال (أوربز): أما الإمبراطورية الأمريكية والجنس البشري فسوف لن يكونا متضادين، بل هما اسمان لشيء واحد هو النظام العالمي الجديد" (1).
ولكن هذا النظام الدولي الجديد، الذي عملت أمريكا على تأسيسه، لم يتحقق بسبب ظهور الاتحاد السوفيتي كقوة عالمية بعد الحرب العالمية الثانية، والذي شكل معضلة كبيرة في وجه دعاة تأسيس النظام العالمي الجديد، حيث توجهت جهودهم لمواجهة هذا الخطر الجديد من خلال تضخيم حجمه. فطوال 70 عاماً، أقنعت الولايات المتحدة جزءاً كبيراً من العالم بأن هناك مؤامرة دولية تتربص به، مؤامرة شيوعية دولية، تسعى على اقل تقدير للسيطرة على الكوكب برمته، لأغراض ليس لها قيم تحقق الخلاص الاجتماعي، وجعلت العالم يعتقد انه يحتاج إلى الولايات المتحدة بطريقة ما لإنقاذه من غياهب الظلمة الشيوعية (2). ولهذا نشطت هذه القوى في بداية الحرب الباردة، حيث كانت السياسة الخارجية الأمريكية يجري تنفيذها تحت العلم الخفاق لخوض حرب صليبية أخلاقية ضد ما أقنع به محاربو الحرب الباردة الشعب الأمريكي، ومعظم العالم وأنفسهم عادة، وهو وجود مؤامرة شيوعية دولية حقود، ولكن ذلك كان خداعاً دائماً، فلم يكن هناك مطلقاً ذلك الوحش المسمى بالمؤامرة الشيوعية الدولية (3). ولكن تركيبة قوي اليمين المتطرف، شنت حرباً علي جبهتين ضد الشيوعية، حيث كانت أولي هاتين الجبهتين ما عرف باسم (المكارثية)، نسبة إلي السيناتور (جوزيف مكارثي)، والذي أذكى شرارة العنف السياسي، ليصل ذروته من خلال مزاعم لا أساس لها من الصحة، حول وجود الحمر، في إشارة إلي الشيوعيين، في كل الوزارات والدوائر الحكومية.
وقد كشف (ويليام سوليفان) عميل
(1) إمبراطورية الشر الجديدة ـ عبد الحي زلوم ـ ص43 أو القدس العربي 27/ 1ـ 3/ 2/2003
(2)
الدولة المارقة - دليل إلى الدولة العظمى الوحيدة في العالم - ويليام بلوم - ترجمة كمال السيدـ ص 29
(3)
الدولة المارقة - دليل إلى الدولة العظمى الوحيدة في العالم - ويليام بلوم - ترجمة كمال السيد ـ ص 44
مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI، إن الـ FBI هو الذي كان يغذّي مكارثي ويزوده بالمعلومات (1).
أما الذراع الثاني للحملة ضد الشيوعية، فكان بروز التعصب المسيحي الذي داعب تلك المشاعر المناهضة للشيوعية في الولايات المتحدة. فقد سمع اثنان من قوي اليمين المتطرف عن واعظ مغمور يلقي عظاته في لوس أنجليوس أمام عدد قليل من الجمهور. وهنا رأي هذان الرجلان أن ذلك الواعظ، يلاءم حاجتهما في التبشير بغرض مقاومة الليبرالية والشيوعية. وقام الرجلان بإجراء مقابلة مع ذلك الواعظ الذي هو (بيلي غراهام) ووعداه بمنحه كل دعمهم الإعلامي. وأوعزا إلي مجموعتهم الإعلامية بان تنفخ (غراهام) إعلامياً، وقاما بنشر صوره علي غلاف مجلة لايف، وبين عشية وضحاها، أصبح (غراهام) بطلاً قومياً أميركياً، وبدأ يلقي محاضراته وعظاته علي مئات الألوف من الجماهير، حيث ساهم في ذلك كون الناس قد شبعوا ضغوطاً، وقرروا أن يعودوا إلي دينهم لينعموا بالهدوء في روحانيته، بعد أن ملأ الملل صدورهم من الرأسمالية والمادية. وهكذا أخذ المدّ الديني يتعاظم أكثر فأكثر. واستمرت حركتهم ونمت بفضل قوة الإعلام ومئات محطات الإذاعة والتلفزة التي يملكونها، علاوة علي الميزانيات السنوية التي تقدر بمئات الملايين من الدولارات.
وقد ساهم هذا المد الديني في إذكاء الحرب ضد الشيوعية، وإطلاق قوة الولايات المتحدة لتدير حملة صليبية قوية ضد الشيوعيين الكفار (2)، حيث وصلت هذه الحملة ذروتها في عهد (ريجان)، مما ساهم في انهيار الشيوعية تماماً في عهد (بوش الأب) بعد حرب الخليج الأولى. ولم يكن غريباً في هذا الوقت أن يتم إعادة نشر مقالة (اوربز) المشار إليها، والتي كتبت قبل 35 عاماً من انهيار الاتحاد السوفييتي، مره أخرى في شتاء 1993م، في إشارة واضحة للاقتراب من تحقيق
(1) إمبراطورية الشر الجديدة ـ عبد الحي زلوم ـ القدس العربي ـ 3/ 2/2003
(2)
الجذور الإنجيلية للأحادية الأمريكية اليمين المسيحي وكيفية مواجهته -بقلم: دوان أولدفيد: أستاذة مشاركة في العلوم السياسية في جامعة نوكس. قدمت نسخة هذا البحث في الاجتماع السنوي لجمعية العلوم السياسية الأمريكية الذي انعقد في الفترة ما بين 28ـ31 آب/2003.- نقلاً عن موقع مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية