الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لتعذيب وحشي حتى يموت تحته، ويقدم الحارس إفادة للقاضي -وفق تعليمات غول- بأنه هاجم المحقق وحاول قتله، هذا برغم أن يديه كانتا موثقتين، وهي الملاحظة التي نسي الحارس علاقتها بسؤال آخر عن كيفية مهاجمة عجوز مقيد لضابط شاب قوي ومدرب.
حروب البرابرة
بعد هذه الحادثة يقود العميد غول حملة عسكرية إلى مناطق (البرابرة) رافضاً نصائح القاضي بعدم ضرورة الحملة، فالسكان الأصليون ليسوا إرهابيين، ويمكن استيعابهم والسيطرة على المشاكل التي يسببونها بدون استعدائهم أو استفزازهم، كما أن المنطقة التي سيتوجه إليها الجنود منطقة مجهولة وصعبة، وبعضها لم يصلها أحد من المستوطنين من قبل. ولكن غول يصر على رأيه ويمضي بالحملة، ويعود بعد عدة أسابيع من الحملة وقد جلب عدداً كبيراً من السكان الأصليين. أعداداً كبيرة من الرجال والنساء والأطفال لا يعلمون شيئاً عن سبب مجيئهم، يحشرون في ساحات الثكنات، وتكون عمليات إيوائهم وحراستهم مرهقة جداً، وتؤدي عاداتهم في الطعام وقضاء الحاجة إلى فوضى عارمة في المدينة. ويقوم غول وأتباعه بعمليات تحقيق واسعة مصحوبة بتعذيب وحشي واغتصاب للنساء، ويموت الأطفال بسبب الإهمال، ويتحول السكان الأصليون إلى أعداء بالفعل، وهنا فقط يكتشف القاضي اللعبة!
فما كان يجري لم يكن عملية متابعة لعنف وإرهاب، ولكنه صناعة واعية للأعداء والكراهية، وما كان يبدو من عمليات قتل للموظفين وسرقة واعتداء على الأملاك لم يكن على أيدي البرابرة، الذين لم يرهم أحد، ولكن على يد جماعات الجنرال غول. وتنتهي الحملة العسكرية ويعود الجنرال إلى العاصمة، ويبقى عدد كبير من البرابرة الذين أطلق سراحهم في المدينة، ويتحولون إلى مشردين ومتسولين، والمحظوظون منهم يعملون في الخدمة والدعارة. واحدة من الفتيات المتبقيات في المدينة تعرضت للاغتصاب وقتل والدها وعذبت تعذيباً شديداً جعلهاً غير قادرة على المشي إلا بصعوبة، يشغلها القاضي في خدمته ويمضي شهوراً عدة
في محاولة علاجها وإعادة تأهيلها، ولكنه يفشل فيقرر نقلها إلى أهلها. يحتاج تنفيذ القرار إلى مغامرة صعبة تتضمن المسير أياما طويلة في الثلوج والصحاري والجبال، وعندما يعود القاضي إلى المدينة يعتقل بتهمة الخيانة والتواطؤ مع الأعداء.
ويجري تحقيق مع القاضي تستخدم فيه الأخشاب والأعمال الأثرية التي عثر عليها أثناء عمليات البحث والتنقيب وأدلة مادية على رسائل سرية متبادلة بين القاضي والبرابرة. ويتعرض القاضي لتعذيب علني مهين يؤدي به إلى الجنون، ويتحول إلى متسول يمضي أيامه في الطرقات يتسول الطعام، ويقدم خدمات بسيطة في المنازل مقابل إطعامه. ويعيد غول حملته في العام التالي، حيث هيمن الجنود على المدينة ونهبوا متاجرها، وأجبروا الأهالي على خدمتهم والترفيه عنهم. ولكن البرابرة كانوا هذه المرة مستعدين ولم يباغتوا كما حدث في العام الماضي، لقد استدرجوا الجنود بدون قتال إلى الصحاري وغابات القصب والجبال البعيدة وتركوهم أسرى الجوع والخوف والتيه، وتشتت الحملة ولم يعد معظم أفرادها. ويجعل فشل الحملة من تبقى من الجنود عرضة لغضب الأهالي، وبدون أن يقول لنا المؤلف، نشعر أن غول هو الآخر تحول إلى مجنون متشرد ومتسول (1).
هكذا تقدم رواية (في انتظار البرابرة) تصويراً رائعاً ومدهشاً لحروب مفتعلة ووهمية تقوم بها الدول والإمبراطوريات والإدارات الحكومية لإظهار القوة وإرهاب الشعوب، وتعرض أفكاراً فلسفية عن الحياة وذهنية رجل المخابرات حامي الإمبراطورية، الذي يقوم بتدمير حياة هانئة وسعيدة باسم شعارات كبرى عن الوطن. فالامبراطورية تحتاج إلى الهياج والحرب لتبرز قوتها، وترهب شعبها قبل البرابرة باسم شعارات كبرى عن الوطن والاعداء. ففي رواية كوتز السابقة تتفتق عبقرية المكتب الثالث (المخابرات)، والإمبراطورية على خلق البرابرة، وليس انتظار مجيئهم تحت رحمة الصدف، فإذا كان البرابرة ضرورة فلابد من وجودهم أو إيجادهم، وهذا ربما يفسر كثيراً مما يسمى حرب الإرهاب، التي تخوضها واشنطن الآن؟ فالارهابيون ليسوا موجودين ولكن لابد من إيجادهم، ليكونوا مبرراً لعمليات
(1) في انتظار البرابرة -المؤلف: ج. م. كوتزي -ترجمة: ابتسام عبد الله عرض- المركز الثقافي العربي / الدار البيضاء- ط2 - 2004 - عرض إبراهيم غرايبة--الجزيرة نت ـ24/ 6/2004 م