الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث
جورج بوش والدولة الصليبية
دأب الزعماء الأمريكيون المدنيون والسياسيون على التحدث بصورة رسمية عن الأمة الأمريكية، كما لو أنها أمة مسيحية، أو على الأقل أمة تتبع الكتاب المقدس، حيث وصف كل من السياسيين ورجال الدين باستمرار أمريكا، بأنها إسرائيل الجديدة، والأمريكيين بأنهم شعب مختار، وشعب مرتبط بميثاق (مع الله)، بل إن خطابات تنصيب رؤساء الجمهورية طيلة القرن العشرين، قد طبقت العبارة البلاغية التي كان الحاكم (جون وينثروب John Winthrop) أول من استعملها عام 1630م، والتي تصف أمريكا بأنها "مدينة على تل"(1). فلا حاجة إلى القمر أو النجوم ليلاً، ولا حاجة إلى نور الشمس نهاراً. إنها القدس الجديدة التي لن تنطفئ (2).
وما دامت أمريكا مدينة على تل، وإسرائيل الجديدة وشعبها مرتبط بميثاق مع الله، فقد كان طبيعياً أن يلعب الدين دوراً رئيساً في الحياة الأمريكية، وكان طبيعياً وبديهياً أيضاً أن تكون الكلمة العليا للخطاب الديني، لشن حمله صليبيه في الداخل والخارج، لتبرير قتل الهنود الحمر ونهب ثرواتهم، واستعباد الزنوج، وتلقين العالم دروس في الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. فمادام هناك تكليف إلهي لأمريكا باعتبارها مدينه على تل، فإنه يحق لها ما لا يحق لغيرها، وليذهب الجميع إلى الجحيم
…
"وهنا يمكن ملاحظة، أن عدم اتساق السياسية الخارجية الأمريكية وازدواجيتها ليس طارئاً، بل هو تعبير عن جانبين بارزين في الشخصية الأمريكية، وكلاهما تميز بأخلاقية ما. واحدة هي أخلاقية الميراث، التي شكل مزاجها المعرفي الشعور بالنقص الإنساني، والأخرى أخلاقية: التوكيد المطلق للذات التي أشعلتها
(1) الدين والثقافة الأمريكية - جورج مارسدن ص53
(2)
الدولة المارقة - الدفع الأحادي في السياسة الخارجية الأمريكية - كلايد برستوفتز - تعريب فاضل جتكر -ص344
الروح الصليبية
…
والتي يأتي ضمنها تبرير التوسع، واستخدام القوة في شكل أقرب إلى الحملة الصليبية؛ لتحضير العالم على الطريقة الأمريكية" (1).
وهكذا فإن الروح الصليبية هي التي صاغت نظرة الأمريكيين إلى حروبهم في الداخل والخارج قديماً وحديثاً، حيث لم يكن (جورج بوش) خارج هذا السياق عندما وصف حربه على العالم الإسلامي بالحرب الصليبية. فعندما نشر (ايزنهاور) مذكراته عن سنوات الحرب العالمية الثانية ـ كان العنوان الذي اختاره لها هو:(حملة صليبية في أوروبا)، حيث أن الإشارة إلى الحروب الصليبية الدينية ـ الإيمانية - كانت لها مقاصد ومعبأة بمدلولات دينية (2)، ليست بعيده عن إحساس الأمريكيين الأوائل بكونهم أمه مختارة، لهم رسالة، من أجل التسريع ببزوغ فجر النظام الدولي الجديد، أو بالتعبير التوراتي (العصر الألفي السعيد). ونفس الشيء ردده قبل ذلك الزعيم الصهيوني (إسرائيل زانغويل) عندما، وصف فيه المحاولات البريطانية والأمريكية الرامية إلى إعادة اليهود إلى أرض فلسطين، بقوله:"سبع حملات صليبية إلى الأرض المقدسة، عادت على اليهود بالمذابح، فهل ستؤدى الصليبية الثامنة إلى استرجاع اليهود لفلسطين؟ وإذا كانت صليبية حقه، فإن تلك الحقيقة بالذات تأتى بمثابة البرهان على النظام الجديد لعالم تسوده المحبة والعدالة"(3).
وربما هذا ما كان يعنيه بوش عندما وصف الحرب الذي ينوى خوضها ضد أفغانستان، وكثير من الدول الإسلامية بدعوى محاربة الإرهاب، بأنها حرب صليبية، حيث كرر هذه المقولة كثير من أقطاب حكومته، ووصفوا هذه الحرب بأوصاف مختلفة، مره بأنها حرب بين قوى الخير وقوى الشر، ومرة بأنها صراع الحضارات، إلى غيرها من الأوصاف، التي مرت هي وغيرها من التلميحات والتصريحات للمسئولين الأمريكيين، ولوسائل الإعلام الأمريكية مرور الكرام، ولم يتناولها محللونا بالدراسة والتحليل، بل اكتفوا بإقناع أنفسهم والرأي العام المسلم، بأنها مجرد زلة لسان، بدون أدنى محاولة لمعرفة الأبعاد الحقيقية لهذا الكلام. "فبقدر ما حاول بوش في أعقاب الحادي عشر من
(1) أرض الميعاد والدولة الصليبية - والتر ا. مكدوجال - ترجمة رضا هلال - ص289 - دار الشروق - ط2 2001
(2)
من نيويورك إلى كابول ـ محمد حسنين هيكل ص 204 - المصرية للنشر العربي والدولي- ط.2 2002
(3)
فلسطين، القضية، الشعب، الحضارة - بيان نويهض الحوت ص